العدد 1218 - الخميس 05 يناير 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1426هـ

دور أزمة الهوية في ظهور الجماعات الإسلامية المتشددة

التطرف الإسلامي تحت مجهر المجتمع الدولي ( - )

نجاح كاظم comments [at] alwasatnews.com

إن نفي الآخر أو تسفيه أفكاره يحدان - إن شئت - من ظهور الأفكار الجديدة وهو ما يخلق حركة اجتماعية حدودها الفراغ، أو بمعنى آخر ركودا وجمودا في حركة المجتمع. فإذا ما أُضيف إلى ذلك غياب قيادة إسلامية واضحة وصمت الغالبية والجمود الاجتماعي، لقادنا ذلك إلى ظاهرة الانكفاء على الذات والغلو وظهور الجماعات المتشددة. ومن الناحية الاجتماعية، فإن الجماعات المتشددة أو حتى تلك التي تؤمن بتفوق عقيدة او عنصر معين كالجماعات المتطرفة التي تنتمي إلى الأقليات لن تقبل بالمنطق العلمي للغة الحوار والنقاش كما هو موجود في المجتمعات الديمقراطية. فليس هناك لغة سوى لغة التدمير ونفي الآخر، والرغبة التي لا تحيد في الاستئثار بالسلطة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن فرض الأمر الواقع يعني رفض أية فرصة للقبول بشيء مغاير أو جديد أو غير معلوم من قبل. إذ إن جميع القرارات قد اتُخذت فعلاً، وجميع المشكلات قد حُلّت في إطار فلسفة فكر سلوكي متصلب. ليس هناك من مجال أمام رأي وسط. فالمتطرفون يرون التغيير أمراً صعباً، وخصوصاً التغيير الثقافي واكتساب الأفكار الجديدة. وهذا يؤدي إلى رد فعل (يعبر عن نفسه في صورة عنف) بوصف ذلك شكلاً من الاستجابة السلوكية الممكنة للتغييرات المحيطة. وتتزايد درجة هذا العنف بتزايد سرعة ومعدل التغيير في المجتمع.


أزمة الهوية

إن الظرف الاجتماعي يمكن أن يصلح تفسيراً لما سبق عرضه على مستوى معين، وإن كان ضحلاً. أما على مستوى أعمق فإن على المرء أن ينظر إلى مشكلة الهوية في المجتمع الإسلامي في إطارها الأعم والأشمل.

إن مسألة هوية الفرد وإلى حد ما هوية الأمة في العالم الإسلامي تمر بأزمة نتيجة الصراع الداخلي بين الماضي والحاضر، أو نتيجة الفجوة الآخذة في الاتساع بين نظرة المسلم إلى نفسه وبين الواقع الآسن للعالم الإسلامي، أو نتيجة الضغط الناجم عن التجاذب بين القوى الداخلية والخارجية.

وإن الهوية الإنسانية تتشكل نتيجة التفاعل بين العقل والسلوك. أي أن الأفكار داخل العقل ستعبر عن نفسها في سلوك معين، في الوقت الذي ستؤدي فيه محاولات تغيير الواقع إلى ظهور تحديات ومشكلات تتعلق باستجابة العقل لهذه الأفكار، بمعنى التجديد المستمر لحال تغيير متصل. ومن شأن هذا أن يجعل الهوية متسقة وتستند إلى عوامل ثابتة ومتغيرة أو مكونات متحركة وساكنة.

أما العناصر الثابتة في هوية المسلم أو المسلمة فهو كونه مسلماً أو كونها مسلمة سواء كان الأمر الآن أو قبل عام. فاسم أحمد مثلاً الشائع في عالمنا الإسلامي اليوم هو ذاته الذي أطلق على مسلمين من ألف عام، وهو ذاته أحد الأسماء الكثيرة التي سُمي بها المصطفى (ص) قبل أكثر من قرنا. والمسلم الطائع لربه يصلي في اليوم والليلة مرات وهو ما يفعله المسلمون منذ أكثر من ألف عام من دون أن يحدث على ذلك أي تعديل أو تبديل.

أما العناصر المتغيرة فتمثل التغيير في البيئة الإسلامية أو في الظروف التي تحيط بالأمة أو التي يواجهها المسلمون في حياتهم اليومية من ملبس ومأكل وتكنولوجيا وجغرافيا ومعلومات وبيانات وما شابه.


واقع جامد

إذا كانت الأفكار في عقل المسلم جامدة أو متصلبة فسيكون سلوكه كذلك، وإذا كان الواقع جامداً لا يتغير فإن العقل لن يتغير. فالتفاعل بين العقل والواقع المحيط الذي هو مصدر تولد الأفكار سيكون مفقوداً، وهو ما سيؤدي إلى نشوء هوية وشخصية لا ترى الأشياء إلا بمعيار الأبيض والأسود، أو تستولي عليها النظرة الأحادية وهو ما يعني غلبة العناصر الثابتة أو الساكنة على الشخصية بما لا يترك لها أي مجال للتغيير أو التعامل مع واقع متغير.

إن أزمة الهوية تشير إلى أزمة عقل وأزمة واقع تؤديان بدورهما إلى أزمة تفاعل تتجلى في الخلط بين النظرة العاقلة المنطقية وبين الأحكام العاطفية. والنتيجة المنطقية لذلك هي غياب التفكير العقلي الذي يوفر الانسجام بين اعتبارات الزمان والمكان. إن نظرة المسلمين إلى أنفسهم تنزع نحو تصور مثالي للهوية يعتبرها مكتملة فعلاً وفي شكلها النهائي، لا بوصفها شيئاً لم يُصغ بالكامل حتى الآن. وبمعنى آخر، العيش في عالم خيالي أو «ما ينبغي أن يكون» وليس في «ما هو كائن» أو «كيف يكون». إن المسلمين لم يصوغوا حتى الآن هوية وطنية كاملة. فهي عملية تكوين بالنظر إلى أن المجتمع يمر بعملية تحول شديدة البطء. في أماكن أخرى، تتراجع أجزاء مكونة للهوية الوطنية لصالح التأثيرات الناجمة عن الاتصال ووسائل الإعلام والمؤثرات والقوى الكونية.


هوية مثالية

إن الإيمان بهوية مثالية «غير قابلة للتغيير» تدعمها أفكار متصلبة وجامدة تطورت عبر التاريخ وتختار أدوات انتقائية عتيقة ومن خارج العصر تُعْلي من قيمة الهوية النقية. إن الايمان بالهوية التامة النقاوة أو غالباً ما نردد «أصالة الهوية» إن جاز التعبير هي تلك التي تضفي نوعا من القداسة والصدقية والحقيقية على أي رمز من الماضي.

إن ثمة خلطاً هنا بين الواقع والمقدس والمتخيل، وحنيناً لا يقاوم للماضي. ومع غياب القنوات الطبيعية للتعبير عن الأفكار والافتقار لأدوات الممارسة الديمقراطية، سيكون تعريف «نحن»، «هم» يقوم أساسا على أساس سياسي وعقدي. إن الحملات العنيفة التي تشنها حكومات العالم الإسلامي على الجماعات المتشددة وحال الجمود الاجتماعي، وأزمة الهوية في المجتمع ككل والعمليات السرية التي تقوم بها هذه الجماعات هذه العوامل جميعها تُكسب أفكار هذه الجماعات بعض القبول الجماهيري.

لكنه عندما تطفو هذه الأفكار على السطح ستصطدم لا محالة برأي الغالبية (اي الجماعات المتشددة) الذين يحاولون فرض رؤيتهم للحقيقة بمحاولة تأكيد سلطتهم في مواجهة المسلمين وغير المسلمين.


ضغوط خارجية

وبمعنى آخر، فإن الضغوط الخارجية من جانب القوى الأجنبية والعولمة الغربية على العوامل الداخلية المكونة للشخصية المسلمة وهي عوامل ساكنة غير قادرة على استيعاب الأفكار وإعادة إنتاجها، سيؤدي إلى مزيد من التراجع في البعد الفكري والعقلي لدى المسلمين وهو ما سيؤدي بدوره إلى مزيد من الانغلاق ورد فعل عنيف تجاه القوى الخارجية أو ممارسة مزيد من الضغوط على الوضع القائم لإبقائه كما هو.

أو بمعنى آخر، ستقوم تلك الجماعات في مسعى منها إلى إثبات الذات وانتزاع الاعتراف من الآخر بها، بقطع خطوة أخرى في طريق المخاطرة أو حتى الانتحار من أجل حفظ ماء الوجه. ومن شأن ذلك أن يجعلهم أكثر انطواء على أنفسهم من ناحية الفكر، وأكثر تشبثا بواقعهم الخاص.


مشكلات جسيمة

إن المشكلات التي تواجه المجتمعات الإسلامية نتيجة أزمة الهوية هي مشكلات جسيمة، لكن الفرص المتاحة أمام هذه المجتمعات للتغلب على هذه الأزمة فرص كبيرة أيضا. إن الأمر يستلزم من المثقفين العرب والمسلمين أن يُكوّنوا رؤية واضحة لمفهوم الهوية يستوجب نقاشاً وتحرياً لأية مسألة من أجل تحديد الأدوات والبرامج لصوغ الأفكار بشأن الهوية. إن ثمة حاجة ماسة لأفكار ديناميكية خلاقة في هذا الإطار من أجل غرس الثقافة بين عوام المسلمين.

إن هناك حاجة إلى نقد ذاتي موضوعي لواقع المسلمين اليوم وقراءة للأبعاد التاريخية والاجتماعية من المنظور الإسلامي من أجل مواجهة التناقضات الحادة التي يمر بها اليوم عالمنا الإسلامي

العدد 1218 - الخميس 05 يناير 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً