العدد 1215 - الإثنين 02 يناير 2006م الموافق 02 ذي الحجة 1426هـ

الموجة العنصرية لدى الغربيين لم تتكسر على شواطئ كرونولا

حتى أنت يا أستراليا،

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

يزداد ضيق الإنسان بأخيه الإنسان، وهذا ينطبق أيضاً على أستراليا، بعد أن قدّمت الدليل مرة أخرى على أن العنصرية تتنامى داخل المجتمع الأسترالي الذي كان ذات يوم نموذجاً للتعايش السلمي بين مختلف الأجناس والعرقيات. صورة استراليا كبلد متعدد الثقافات تمزقت بعد وقوع اعتداءات البيض الأخيرة التي استهدفت مواطنين من أصول عربية أو لمجرد أنهم ليسوا بيضاً. وما تبادر إلى الأذهان للوهلة الأولى هو أن هذا الحادث عرضي وليس سوى انعكاس لسياسات أحزاب في الحكم والمعارضة، زرعت في رؤوس المواطنين البيض مشاعر الحقد ضد المواطنين الأجانب. ولم تتوقع التقارير الصحافية أن تنتهي الأمور عند الحد الذي انتهت إليه. فعلى الشواطئ الشعبية في جنوب مدينة سيدني، كانت دوريات الشرطة المسلحة تسلح هذه الأماكن وتعمل على تفتيش الوافدين إليها. وأصبح شاطئ كرونولا رمزاً للعنف العنصري الذي شنه البيض على مواطنين من أصول عربية.

مدن عنصرية وتقاليد

الصدامات بدأت بين الآلاف من سكان كرونولا المنحدرين من أصول بريطانية وإيرلندية، وبين مواطنين من أصل لبناني يعيشون في الضواحي الفقيرة الواقعة غرب المدينة، في أعقاب تجمع 5 آلاف استرالي أبيض أمام الشاطئ احتجاجاً على ما ذكر بقيام لبنانيين بالاعتداء على أستراليين يعملان في الإنقاذ. لكن الاحتجاج تحوّل إلى عنف عشوائي ضد أصحاب الأصول العربية، رافقته هتافات معادية للأجانب. أعقبته أعمال انتقامية قام بها شبان من أصل لبناني، وكانت حصيلة الصدامات الدامية جرح العشرات، وتدمير وحرق محلات يملكها عرب، إضافة إلى استهداف كنائس، لم يثبت من يقف وراءها، هل هم شبان عرب أم بيض لتأليب سكان المدينة ضد الأجانب. بعد ما جرى، استمر الخوف من تكرار الاعتداءات العنصرية، فموجة العنصرية قابلة للاتساع، فقد صدرت دعوات في عدد من المدن الأسترالية «للدفاع عن أستراليا» ضد من وصفوهم بـ «حثالة المسلمين». مدينة كرونولا لم تكن معروفة للعالم الخارجي، ولكنها بفضل هذه الصدامات (انتشار الروح العنصرية بين سكانها)، أصبحت مشهورة. وهكذا انضمت كرونولا إلى قائمة المدن ذات السمعة السيئة والتاريخ العنصري مثل نيويورك الأميركية، وغوبن الألمانية (الشرقية)، وزولنغن الألمانية (الغربية). لكن العنصرية في أوروبا المنتشرة اليوم في الشطر الشرقي بعد زوال الستار الفولاذي خصوصاً في روسيا والتشيك، ظهرت في أواسط السبعينات في بريطانيا بظهور حركة أصحاب «الرؤوس الحليقة» Skinheads، هي ظاهرة مستمرة حتى يومنا هذا ومتفشية خصوصاً بين أوساط مشجّعي كرة القدم. وكما يحصل عادة فإن مجموعة قليلة من الأشخاص يتسببون في الإساءة لسمعة بلدهم، لكن العنصرية شاعت وراجت في السنوات الأخيرة بسبب حملات التشكيك في العرب والمسلمين. في هذا السياق يبرز دور الإعلام في بث مشاعر الحقد وإظهار العرب والمسلمين على أنهم تهديد للغرب ومواطنيه. وهذا ما حصل بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ،2001 إذ اضطرت عائلات عربية إلى الهجرة من نيويورك بل من الولايات المتحدة.

دور الساسة في بث الأحقاد

الملاحظ أن موجات العداء التي حصلت في أوروبا تم التمهيد لها عبر الحملات الانتخابية والقصص المثيرة التي تشيعها الصحافة الصفراء التي تبث الحقد ضد العرب والمسلمين في الغالب. غير أن الذنب ليس دائماً على عاتق أصحاب الصحافة الملونة، فالمجتمعات الغربية بدأت بعد انهيار الشيوعية تتأثر بالدعاية التي يروجها السياسيون الذين استبدلوا الشيوعية الخطرة بالإسلام الخطر. على مدى عقود من الزمن كانت أستراليا نموذجاً لتعايش الثقافات المتعددة، خصوصاً أن تركيبتها السكانية، قامت على جمع من شعوب الأرض التي هاجرت إلى القارة الواقعة في الطرف الآخر من الكرة الأرضية. وبعد الحرب العالمية الثانية فتحت أستراليا أبوابها لاستقبال المهاجرين من أرجاء المعمورة. وعاشت هذه الجماعات بسلام وأمان، سواءً كانت الجالية اللبنانية التي تشكل أكبر جالية عربية في بلاد الكنغر، أو الجالية الفيتنامية أو الإيطالية. أبناء الجيل الثالث من المهاجرين يعيشون اليوم في هذا البلد، ومنهم عرب لم يعودوا يتحدثون اللغة العربية. هؤلاء بالذات الذين يعتبرون أستراليا بلدهم الأول، تعرّضوا ويتعرضون إلى اعتداءات العنصريين. العنصرية ليست ظاهرة غريبة على مجتمع الأستراليين البيض، فالسكان الذين أتوا من بريطانيا وإيرلندا خطفوا البلد من أصحابه الأصليين والشرعيين الذين يطلق عليهم اسم شعب Aborigionals، وهم ذوو بشرة سمراء، وكانوا أصحاب الشأن قبل 200 عام. وحين جاء المستعمرون البيض بدأوا حملة تحجيم للسكان الأصليين، فاندمجت منهم قلة في المجتمع الأسترالي، أما الغالبية فإنها تعيش في أوضاع مزرية، إذ لا يقبل الشباب على العمل، وينفق قيمة المعونة المالية التي تقدمها لهم الدولة على السجائر والكحول، ولا يكاد السكان الأصليون يلعبون دوراً في المجتمع الأسترالي الحديث. وعلى رغم العقود الطويلة التي مرت وأصبح المجتمع الأسترالي خليطا من الثقافات، فإن المستعمرين البيض حافظوا على هيمنتهم حتى اليوم على النفوذ في البلد، في السياسة والاقتصاد والثقافة وظلوا فئة لها امتيازات وفوق جميع الفئات الأخرى. وليس من قبيل المصادفة أن يطلق البيض العنان لعنصريتهم وأن يشهد العالم عنجهيتهم وغباءهم وحقدهم الأسود. فالصور التي نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية يظهر فيها شاب عربي يجلس في حافلة بينما ينهال عليه عشرة من الشبان البيض. وصورة أخرى تظهر فيها فتاة أسترالية تضرب فتاة ذات ملامح عربية، فيما يحمي رجل عربي آخر رأسه من 5 رجال يضربونه، فيما بدا العالم يتفرج على أستراليا وهي تتعرى من المبادئ الإنسانية. العنصرية لها تقليد واسع في صفوف السكان البيض، فمنذ أول اتصال بين المستعمرين والسكان الأصليين وحتى اليوم، أي ما يقارب 200 سنة، لم تنشأ علاقة بين الجانبين، فالبيض لديهم حساسية تجاه كل ما هو غريب عليهم، وما زالوا يستخدمون ألقاباً مهينة لكل فئة من المهاجرين. في الستينات كانت أستراليا تفخر كونها دولة متعددة الثقافات، ولم يجد حزب العمال وحده في ذلك ضماناً لنجاح استراتيجية البقاء، بل أيده في ذلك حزب المحافظين إلى أن جاء جون هوارد إلى رئاسة الوزراء منذ عشرة أعوام، وهو شخص متشدد يحسن التلاعب بمشاعر الأستراليين، ويستفيد من ذلك للبقاء في منصبه. بعد هجمات سبتمبر راح هوارد يحذر من خطر المسلمين، وترك أربعمئة أفغاني عالقين على متن سفينة في البحر، ولم يقبل منحهم حق اللجوء السياسي، كما عمل بسياسة متشددة لمواجهة اللاجئين السياسيين، فأقام معسكرات اعتقال رمي فيها اللاجئون في الحر القاتل. على مستوى السياسة الخارجية، تعمل حكومته بسياسة فظة تجاه الشرق الأوسط، فقد رفض هوارد استقبال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على رغم أن أسياده في بريطانيا فعلوا ذلك. وكانت استراليا في مقدمة الدول التي أعلنت انضمامها إلى ما يسمى الحرب ضد الإرهاب، وأرسلت جنودها إلى حرب العراق. منذ وقت تشكو حكومات إسلامية من التحرشات التي يتعرض لها المسلمون في أستراليا، بل ان هوارد يستفيد سياسياً من ثورة العنصريين البيض. بينما هؤلاء يتحسسون مشاعرهم بأنهم العرق القوي في البلد وحملة صليب الجنوب، فإن حكومته تنعم بتأييد اليمينيين. الشعارات العنصرية لم تعد في أستراليا حكراً على الحانات والأندية، وإنما أصبحت حديث الصالونات في المجتمع الأسترالي، وستكون لهذا التطور المؤسف من دون شك نتائج دامية

العدد 1215 - الإثنين 02 يناير 2006م الموافق 02 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً