سقط جبران تويني قبل أسبوعين شهيدا بعد انفجار سيارة ملغومة بالقرب من السيارة التي كان يستقلها في طريقه الى صحيفة «النهار»، وكان جبران آخر الاعلاميين اللبنانيين الذين قتلوا العام في سلسلة تفجيرات كان بين ابرز اهدافها قتل اعلاميين، سقط منهم سمير قصير في يونيو/ حزيران، ونجت بأعجوبة مي شدياق في سبتمبر/ أيلول الماضي.
واستهداف تويني وقصير وشدياق في العام الماضي، جزء من سيناريو قتل منظم يستهدف الاعلاميين اللبنانيين بدأ مع محاولة اغتيال مروان حمادة الصحافي والنائب والوزير في نهاية العام ، ثم تصاعد بعده في العام التالي ليطال بعضا من اعلاميين، قيل انهم على قائمة القتل المنظم، بينهم صحافيون وكتاب في عدد من المنابر الاعلامية.
واستهداف الاعلاميين في لبنان، ليس امرا جديدا. إذ سبق وان قدم الاعلام اللبناني وخصوصاً في شقة الصحافي كثيرا من الشهداء الذين قتلتهم رصاصات غادرة، او تفجيرات دموية على نحو ما كانت عمليات اغتيال ناشر ومؤسس صحيفة «الحياة» كامل مروة، ونقيب الصحافيين اللبنانيين السابق رياض طه، ورئيس تحرير «الحوادث» سليم اللوزي الذي رحل بمجلته الى لندن لكن ذلك لم يمنع من قتله وسط بيروت لاحقا في واحدة من عمليات لم يقيض - من حسن الحظ - لبعضها ان يحقق اهدافه على نحو ما كانت عليه محاولتا اغتيال صاحب ومؤسس صحيفة «السفير» طلال سلمان ورئيس تحرير مجلة «الشراع» حسن صبرا.
وعمليات قتل الاعلاميين في لبنان، لم توجه فقط الى اللبنانيين منهم، وانما طالت اعلاميين آخرين، كانوا يشتغلون في مؤسسات اعلامية موجودة في لبنان، وقد جرى اغتيال أو قتل الكثير منهم امثال الصحافي والكاتب المصري ابراهيم عامر الذي قتل في تفجير مقر مجلة «بيروت المساء»، وغسان كنفاني الذي اشتغل طويلا في صحيفة «الانوار» قبل ان يتولى رئاسة تحرير مجلة «الهدف» الفلسطينية التي كانت تصدر في بيروت، وقد فشلت بعض تلك المحاولات على نحو ما حدث في محاولتي اغتيال مدير مركز الأبحاث الفلسطيني ورئيس تحرير مجلة «شئون فلسطينية» انيس صايغ في بيروت، وبسام ابو شريف الذي تولى مسئولية رئيس تحرير مجلة «الهدف» خلفا لغسان كنفاني.
ويثير واقع قتل الاعلاميين في لبنان الاسئلة، لكن الاساسي في الاجابة عن تلك الاسئلة، يكمن في اختلاف الاعلامي في لبنان عن مثيله في البلدان العربية الاخرى، وهو اختلاف لا يعود الى اسباب شخصية بمقدار ما يعود الى الاجواء والمناخات والظروف التي يعيش فيها الاعلاميون في لبنان مقارنة بما هو عليه حال اقرانهم في البلدان العربية الاخرى، ما يجعل المقيمين في لبنان من الاعلاميين اللبنانيين يحملون مزايا موضوعية، وبعضها يصير بمثابة «مزايا شخصية»، وهذا ما يفسره الوجود الظاهر للقادمين من لبنان في مؤسسات الاعلام العربي وخصوصاً تلك الموجودة في الخليج واوروبا.
إن الاهم في واقع لبنان بالنسبة للاعلام، هو الهامش الاوسع للحريات. إذ يسمح الواقع للاعلاميين بالقول وتداول المعلومات والوصول الى الجمهور بضمان القانون والعرف العام، كما يسمح بإطلاق المنابر والمؤسسات الاعلامية على تنوعها واختلافها بحيث صار لبنان يملك واحدة من أكبر الماكينات الاعلامية العربية على رغم انه ليس الأكبر بين البلدان العربية، ولا هو الأكثر امكانات من الناحية المالية.
وبطبيعة الحال، فقد أدى واقع الحال اللبناني الى تواصل الاعلاميين العميق مع القضايا التي تهم الرأي العام في المستويين الداخلي والاقليمي. وبدا من الطبيعي، ان يقوم الاعلاميون بتغطية واسعة ومفصلة لتلك القضايا وللموضوعات التي تتصل بها، وان يحلل الاعلاميون طبيعة تلك القضايا والموضوعات، وان يقولوا رأيهم فيها، ويحددوا موقفهم منها، ما جعلهم يختلفون ويتوافقون مع محيطهم الداخلي والاقليمي.
وعلى رغم ان ما فعله الاعلاميون في لبنان في تعاملهم مع تلك القضايا، كان يستحق الثناء والتفاعل الايجابيين مع جهودهم، ومساعدتهم ومؤسساتهم في توسيع اهتماماتها في قضايا وموضوعات الرأي العام في المستويين الداخلي والاقليمي، فقد جاءت ردود الفعل مختلفة على ما قام به الاعلاميون، واندفعت ردات فعل مجنونة تمارس الارهاب ضدهم، تهاجم وتحارب كثيراً منهم، وتقتل آخرين تحت بند الدفاع عن القضايا الوطنية والقومية مرات ومن الموقع النقيض في مرات أخرى، من دون ان تعجز في الحالتين عن ايجاد المبررات واطلاقها بصورة مباشرة أو مداورة لتبرير ما قامت به، ولم يكن من المصادفة، ان تقتل «اسرائيل» اعلاميين في لبنان، وان تقتل بعض الانظمة اعلاميين آخرين وبينهم لبنانيون، لقد كان ذلك مؤشرا الى سلوك مريض بالجهالة والعجز عن نقاش القضايا والموضوعات ومعالجتها في عالم يعتمد القوة، ويفتقد الحق في الاختلاف والجهر بالرأي الآخر.
وعلى رغم ان العالم تغير كثيرا في العقدين الاخيرين، ليس فقط في انماط العلاقات بين الشعوب والدول، والعلاقات السائدة داخل الشعوب والدول، بل أيضاً في ما يتعلق بالتعامل مع الاعلاميين ومؤسساتهم، ومع المعلومات في تعميمها وحرية تبادلها، وتعدد طرق واساليب تبادلها، والزيادات الهائلة والمتنوعة في منابر الاعلام، فإن بعض العقل في البلدان العربية لم يتغير ولم يتبدل، إذ مازال البعض يرى، ان الرصاص والمتفجرات هي الطرق الانسب.
العدد 1214 - الأحد 01 يناير 2006م الموافق 01 ذي الحجة 1426هـ