العدد 121 - السبت 04 يناير 2003م الموافق 01 ذي القعدة 1423هـ

التهديد بالحرب لا يمنع تطوّر العلاقات السورية - العراقية

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

لم تعرف العقود الأخيرة مستوى أفضل للعلاقات السورية - العراقية مما هي عليه الآن، على رغم ما يحيط بها من احتمالات في ضوء تزايد التهديدات الاميركية بالحرب على العراق. ويرى كثير من المراقبين أنها بين اسباب تنامي وتطور العلاقات السورية - العراقية سواء في جوانبها السياسية او الاقتصادية.

وتعود بداية التحسن في العلاقات بين البلدين الى العام 1997 بعد قطيعة استمرت سنوات طويلة نتيجة خلافات تداخلت فيها الايديولوجيا البعثية مع غيرها من قضايا محلية وإقليمية، غالبا ما فرقت بين دمشق وبغداد ودفعتهما إلى حدود المواجهة، وخصوصا في الموضوعين الفلسطيني واللبناني.

وكان مدخل التطور الايجابي للعلاقات السورية - العراقية، ما صارت اليه اوضاع العراق من تدهور بعد حرب الخليج الثانية وفرض العقوبات الدولية على العراق، وما تراكم بنتائجها من سلبيات في حياة العراقيين، وفي تدهور أوضاع كيانهم الذي يشكل سندا وعمقا استراتيجيا لسورية.

ومما عزز التحول في علاقات البلدين، توافق التوجه السياسي مع احتياجات سياسية واقتصادية للبلدين. فالعراق المحاصر، كان بأشدالحاجة إلى من يكسر الحصار ويكون نافذته التي يطل منها إلى المحيط الاقليمي والدولي وتأمين احتياجاته ولاسيما الاحتياجات الغذائية والدوائية، بينما كانت لسورية احتياجات مماثلة في تعزيز علاقاتها العربية والاقليمية في مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وخصوصا محاولة اقامة جسر يربط دمشق وطهران.

وهي في جانب آخر، كانت تسعى إلى مواجهة ظروفها الاقتصادية الصعبة بعد فقدها الكثير من اسواق بضائعها، وبذلك التقت المصالح المباشرة مع شعارات الايديولوجيا القومية التي تتبناها بصورة مشتركة دمشق وبغداد.

تمخضت السنوات الماضية عن مزيد من التقارب السياسي بين سورية والعراق وبدا أن مواقف دمشق من القضية العراقية قريبة إلى حد بعيد من الموقف العراقي وخصوصا، في الدعوة إلى رفع العقوبات وفي استعادة العراق علاقاته الاقليمية والدولية، وفي معارضة الحرب عليه، وكلها مواقف وجدت ارتياحا وصدى في بغداد، عبرت عنه تصريحات مختلف القادة الذين تردد معظمهم على دمشق وخصوصا نائب الرئيس ووزير الخارجية وغيرهما. واضاف العراقيون إلى تصريحاتهم اعلان تفهمهم المواقف السورية حيال قضايا لا تتفق مواقف بغداد فيها مع مواقف دمشق، كما في موضوع إيران.

وكانت العلاقات الاقتصادية المتنامية تعبيرا عن تطور العلاقات السورية - العراقية في السنوات الخمس الماضية. وشهدت السنة الماضية رفع قيمة العقود الموقعة بين البلدين في اطار اتفاق النفط مقابل الغذاء إلى نحو ملياري دولار، وهو رقم يماثل قيمة العقود، التي حققها البلدان في العام الذي سبقه، كما اعلن اكثر من مرة وزير التجارة العراقي محمد مهدي صالح. ولا يقتصر تطور العلاقات الاقتصادية على المؤشر السابق، بل هناك مؤشرات أخرى برزت في العام الماضي بينها الاتفاق بين سورية والعراق على تحسين البنية التحتية للمواصلات بين البلدين الجارين، كما في موضوع الطريق الدولي الواصل بين دمشق وبغداد، وفي الاتفاق على مد سكة حديد جديدة بين البلدين وربطها لاحقا بالسكة الحديد في ايران عبر جنوب العراق وبالسكة الحديد في تركيا من خلال شمال سورية اضافة إلى تحول مطار دمشق الدولي إلى معبر للعراقيين بمن فيهم المسئولون، باتجاه العالم وبالعكس، وتنظيم رحلات شبه يومية بين دمشق وبغداد، واخيرا وليس آخرا تحسين الاتصالات الهاتفية.

ومن الإجراءات الاخرى التي تحمل مدلولات على المدى البعيد اصدار الرئيس بشار الاسد في سبتمبر/ ايلول الماضي مرسومين لإنشاء منطقتين حرتين حدوديتين مع العراق، الاولى في محافظة الحسكة الشمالية، أي مقابل الاراضي التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والثانية في مدينة البوكمال، داخل البادية السورية ومقابل منطقة القائم العراقية الحرة. وتبع ما سبق بأيام مرسوم أصدره الرئيس الأسد لاقامة منطقة حرة على الساحل السوري تكون بمثابة بوابة للمنتجات العراقية باتجاه الاسواق الاوروبية بعد رفع الحصار، وبوابة للمنتجات الاوروبية الواردة الى العراق.

وأسفرت الدورة الثانية من اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين البلدين في العام الماضي عن توقيع الكثير من الاتفاقات الثنائية في مجالات البيئة والثقافة وتشجيع الاستثمارات وحمايتها، وتأسيس شركة صناعة قابضة مشتركة تثبيتا لاتفاق منطقة التجارة الحرة، التي وقعتها الحكومتان نهاية يناير/ كانون الثاني العام الماضي، ودخلت حيز التنفيذ في ابريل/ نيسان الماضي.

وبحسب الاتفاق فإن اربعة مشروعات ستقام في اطار «الشركة الصناعية القابضة» وبتمويل مشترك، اثنان منها في سورية وهما: مشروع الزجاج المسطح بقيمة 91,3 مليون دولار، ومشروع مواد التزجيج خاص بالصناعات السيراميكية بقيمة 8 ملايين دولار، واثنان في العراق هما: مشروع السماد يوريا بقيمة 305 ملايين دولار، ومشروع انتاج انابيب الحديد الملحومة طويلا بقيمة 98 مليون دولار.

ان اهمية العلاقات السورية - العراقية ولاسيما في الجانب الاقتصادي، لا تقتصر على العلاقات الرسمية، بل تمتد إلى مستوى فعاليات قطاعية وشعبية، لا تتجسد فقط في حملات التضامن والدعم السياسي للعراق والمطالبة برفع الحصار عنه، ومعارضة الحرب المحتملة عليه، بل تشمل حركة تجارية نشطة تتم عبر الحدود، يقوم بها تجار ورجال أعمال سوريون وعراقيون، ومواطنون يعبرون الحدود في الاتجاهين محملين بالبضائع والسلع، ما يعطي أهمية كبرى لعلاقات البلدين ولحجم التبادلات التجارية والمصالح المشتركة.

ويعكس واقع تطور العلاقات السورية - العراقية، ميل البلدين نحو تعميق العلاقات وتطويرها، لا يمنعهما من ذلك تواصل تهديدات الحرب الأميركية المحتملة على العراق، وهي الحرب التي قد تقوض علاقات البلدين السياسية والاقتصادية، ولعل ذلك بين اسباب رئيسة تجعل من سورية إحدى أبرز الدول التي تعارض هذه الحرب

العدد 121 - السبت 04 يناير 2003م الموافق 01 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً