في افتتاح الدورة التدريبية عن «العدالة الانتقالية ودور التوثيق والمعلومات»، التي تقيمها الجمعية البحرينية لحقوق الانسان بالتعاون مع المعهد العربي لحقوق الانسان، لا يفوتني أن أشكر المعهد العربي لحقوق الإنسان على مشاركته لنا هذه الدورة، راجية أن تعيد حكومتنا الرشيدة النظر في طلب المعهد فتح فرع له في مملكة البحرين تكون مهمته نشر ثقافة حقوق الإنسان في منطقة الخليج، وما أحوجنا لهذا في الوقت الذي تشهد دول المنطقة انفتاحاً سياسياً سينعكس بكل تأكيد على مسيرة حقوق الإنسان، حتى وإن كانت درجة هذا الانفتاح تختلف من بلد إلى آخر. قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين أسئلة عن ماهية العدالة الانتقالية؟ أسسها؟ وتجارب الدول الأخرى دولياً وعربياً؟ وهل البحرين في حاجة إليها؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ وما علاقة التوثيق والمعلومات بالعدالة الانتقالية؟ أسئلة كثيرة تطرح وستطرح خلال الأيام المقبلة، تحتاج إلى إجابات ومقاربات على ما طرح من تساؤلات. لقد مرت على البحرين فترات من الاحتقانات السياسية، سواء قبيل الاستقلال السياسي أو بعده، مثل فترة حل البرلمان في أواسط الخمسينات من القرن الماضي، ووقف العمل بالدستور وفرض قانون أمن الدولة الذي عطل الحياة السياسية والتشريعية التي تمتعت بها البحرين لمدة سنتين من العام 1973 حتى أغسطس/آب .1975 واستمرت المعاناة وللأسف الشديد إلى حين تولي جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم في البحرين في مارس/ آذار ،1999 وخلال تلك الفترة ضاع حق الشعب في حرية الرأي وممارسة حقوقه الإنسانية والمشاركة في الحكم. كما سادت ممارسات وصفت في الكثير من التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية ذات العلاقة بأنها انتهاكات لحقوق الإنسان. ويكاد لا يخلو تقرير صادر عن تلك المنظمات من إدانة لأوضاع حقوق الانسان في البحرين. ويمكن الاشارة إلى بعض هذه الانتهاكات، والتي تمثلت في الاعتقال التعسفي والتعذيب المنهجي لنزع الاعترافات، والوفاة أثناء فترة الاعتقال، والقتل خارج القانون، والنفي القسري والعقاب الجماعي للمناطق التي شهدت احتجاجات سياسية. وحين تولى صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم، شهدت البلاد مرحلة انفراج سياسي وأمني تمثلت في إلغاء قانون أمن الدولة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمحكومين وعودة المنفيين والسماح بالعمل السياسي. من هنا صار لزاماً علينا في الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان وغيرنا من مؤسسات المجتمع المدني والسياسي أن نعمل في سبيل طيّ أسوأ ملفات انتهاكات حقوق الانسان في البحرين، وما ترتّب عليها من تبعات، من أجل البدء في صفحة جديدة في تاريخ بلادنا تتعزّز فيه روح المواطنة الحقيقية ومبادئ حقوق الإنسان. وعقد هذه الدورة التدريبية محاولة لوضع لبنة في سبيل قطع الصلة بالماضي المعتم والانتقال إلى مستقبل أكثر إشراقاً. وهذا يتطلب توفر عدة أمور مهمة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: 1 النية الصادقة والعمل الجاد من قبل الحكومة والشعب لطيّ صفحة الماضي وحفظ الذاكرة ومعرفة الحقيقة. 2 وضع الأسس السليمة والراسخة للتحول الديمقراطي الحقيقي، وهذا بدوره يتطلب إجراء إصلاحات دستورية وقانونية وقضائية. 3 إنصاف وتعويض الضحايا وجبر الضرر المادي والمعنوي. 4 العمل على مواءمة القوانين المحلية بالقوانين والتشريعات الدولية بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية والإسراع بالتصديق عليها. 5 تقديم مرتكبي التعذيب لمحاكمات عادلة. وهنا نذكر بموقف الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان ودعوتها لضرورة إلغاء قانون 56 كخطوة في طريق المصالحة الوطنية. وعلى رغم تبلور عدة مشروعات ورؤى على الصعيد المحلي في إطار الحقيقة والانصاف والمصالحة، فإن الجمعية البحرينية لحقوق الانسان لا تدعي السبق في ذلك بل يسعدها أن تساهم في دفع هذا الملف إلى الأمام، وهي على يقين بأنه يهم المواطنين، كل المواطنين، من دون استثناء، لأنه ملف يتعلق بالوطن، كل الوطن، ويحتاج إلى توافق بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني. ولابد من الإشارة إلى أنه على رغم حقيقة أن لكل بلد ظروفه الخاصة به التي خلقتها مكوناته ونسيجه الاجتماعي وطبيعة نظامه السياسي، إلاّ أن مبدأ تكريس دولة الحق والقانون في أي بلد كان يتطلب سن التشريعات والقوانين المانعة لتكرار حدوث انتهاكات لحقوق الانسان في المستقبل.
حفل افتتاح الدورة التدريبية بشأن العدالة الانتقالية، 24 ديسمبر/ كانون الأول 200
العدد 1208 - الإثنين 26 ديسمبر 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1426هـ