تابعت وبحرص شديد فكرة قيام عدد من رجال الأعمال بتشكيل جمعية خيرية باسمهم كما شدتني كثيراً السرعة التي انتهوا فيها من إقرار أهداف وآليات عمل الجمعية بما في ذلك نظامها الأساسي. والحقيقة أن هذا الاهتمام المفاجئ بالمحتاجين والمعوزين من أبناء المجتمع البحريني والحماس المنقطع النظير في سرعة إنجاز النظام الأساسي للجمعية وتقديم الطلب إلى وزارة التنمية لهو عمل يستحق الترحيب والثناء، لكنه يثير الكثير من الأسئلة والاستفسارات، وأعتقد جازما أن القائمين على تشكيل هذه الجمعية لن يترددوا في الإجابة عليها لأن هذه الإجابة هي التي ستشكل الأرضية التي ينبني عليها هذا المشروع الخيري العتيد كما أنها ستوفر له الصدقية في ظل تزاحم الجمعيات الخيرية التي تحول بعضها وبقدرة قادر إلى العمل السياسي. ولأنني أستبعد أن يكون هدف التجار هو استخدام هذه الجمعية للأغراض السياسية ومن أجل اصطياد الناخبين كما حدث في انتخابات العام 2002 فإن هذا الاستبعاد يدفعني دفعا إلى البحث عن الأسباب أو الدوافع الحقيقية وراء هذا المشروع. لكنني أجد صعوبة جمة في البحث عن تلك الأسباب والدوافع في ظل وجود جمعيتين خيريتين لاتزالان تعملان باسم التجار ألا وهما جمعية الهلال الأحمر البحرينية وجمعية البحرين الخيرية. بل إن جمعية البحرين الخيرية يرأسها حسن إبراهيم كمال وهو عضو نشيط في مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين في الوقت الحاضر ويشغل رئاسة لجنة العقار والاستثمار. فلماذا إذاً هذه الازدواجية في العمل الخيري أم ان هاتين الجمعيتين لا تعبران عن طموح وآمال التجار في ظل الانفتاح السياسي والعملية الانتخابية التي ستكرر نفسها في العام 2006؟ وإذا كان التجار حريصين فعلاً على تقديم خدمتهم إلى المجتمع البحريني، فالأولى أن تصب هذه الخدمات في مجال اختصاصات عملهم ونشاطاتهم ألا وهي توظيف العاطلين عن العمل. فإذا ما فرغوا من استيعاب العاطلين من أبنائنا ودمجهم في سوق العمل عندئذ حق علينا القول ان نمد أيدينا لمساندة ومؤازرة هذا المشروع الخيري. وبمعنى آخر يجب ألا يكون بناء هذا المشروع بديلا عن توظيف العاطلين وعلى حساب تفاقم البطالة التي يعاني منها ما يزيد على ثلاثين ألف عاطل. كنت تطرقت في العام الماضي إلى مشكلة البطالة وركزت في أحد الموضوعات على مسألة توطين المشروعات الاقتصادية وقلت بصريح العبارة ان وطنية المشروعات تنبع من توظيف العمالة الوطنية. وانه طالما ظلت مشروعاتنا الاقتصادية لخدمة صاحب رأس المال من دون اعتبار للمصلحة الوطنية فإن هذه المشروعات ليس لها أي مردود اقتصادي على الوطن لأنها لا تضيف إلى الناتج القومي. وإذا كانت صحيفة «الوسط» أشارت في عددها الصادر في الثاني والعشرين من هذا الشهر إلى وجود 45 ألف وظيفة صالحة لعمالتنا الوطنية في القطاع الخاص فإن أخذ القطاع الخاص زمام المبادرة لانتشال هذا الكم الهائل من العاطلين من براثن الجوع والفاقة ومن حال اليأس لهو أولى من المشروع الخيري المزمع إنشاؤه.
العدد 1206 - السبت 24 ديسمبر 2005م الموافق 23 ذي القعدة 1426هـ