هل أخطأت الحكومة حين شرعت الحق «ضمنيا» لشتى الأطباء الاستشاريين أن يكونوا بمثابة مرشحين دائمين لمناصب «الوكلاء» و«الوزراء» في القطاع الصحي، المشكلة الرئيسة قوامها أن الدولة خلقت ظاهرة مسلم بها شعبيا وداخل وزارة الصحة على حد سواء، وهي أن يرأس وزارة الصحة «طبيب»، وعلى رغم أن قطاع التمريض بإدارييه أثبت أنه أكثر تنظيما من قطاع الأطباء، إلا أننا لا ننتظر في المطلق وزيرا أو وزيرة «ممرضا» أو «ممرضة»،،. ثمة حال من الاقتناع الداخلي في وزارة الصحة بأن الوزارة تحتاج إلى وزير «إداري» لا وزير «طبيب»، إلا أن الجميع يحس بخيبة أمل جراء الاقتناع بأن الحال لن تتغير. ثمة وزراء تنظيمين أثبتوا جدارتهم في الحكومة خلال السنوات الماضية، ولعل الوزير الشاب «الجودر» كمثال قد أثبت كفاءة مقنعة في إدارة ملفه الشائك. وزارة الصحة تحتاج وزيرا من هذا الجيل الشاب والمنظم، على أن تلجم الحكومة بعض «الأطباء» المهووسين بالتوزير والتوكيل، خصوصاً من شاكلة من لم ير مريضا في عيادات السلمانية منذ التسعينات حتى اليوم، بينما تكتظ أسرة المستشفى بمرضى عيادته الخاصة، فالمناصب الإدارية لها حكمها الخاص هؤلاء مثلما أخرجوا الإصلاحي المتهور «خليل حسن»، فهم سيخرجون أي وجه جديد يحاول أن يضع النقاط على الحروف، ولأن الوزراء من الأسرة المالكة لهم تقديرهم الرادع لدى هؤلاء المتنفذين، فإن البعض يذهب إلى الترحيب بوزير من العائلة المالكة. هذه حقيقة، إن كل من يعود من الخارج حاملا شهادة الإستشارية في مجمع السلمانية الطبي يتحول تلقائيا من موظف حكومي وظيفته بالتحديد «طبيب استشاري» إلى أن يكون «وزير ظل» أو «وكيل وزارة ظل» أو «وكيل مساعد ظل»؟، ولعل أفضل الشواهد لدينا ما قام به بعض السادة الأطباء الاستشاريين مع الوزير السابق خليل حسن، إذ أنهم ببساطة بصفتهم «وزراء ظل» قد رفضوا الوزير المعتمد من قبل الدولة، فلو كانت أية فئة أخرى من موظفي وزارة الصحة كالكادر التمريضي أو الصيادلة قد أبدت إمتعاضها من الوزير السابق ما كنا توقعنا من الحكومة أن تهتم أو تتفاعل معها. وزارة الصحة «عمادها أطباؤها»، و«خرابها أطباؤها»،،، هذه أكثر العبارات المتداولة في الوسط الصحي البحريني، فالكثير من الأطباء بعد نيلهم درجة «الطبيب الاستشاري» ينتقلون إلى التدخل المباشر في سياسات الوزارة، وتحديد ما يجب على الوزارة أن تفعله وما لا يجب أن تفعله، هل على الوزير أن يعين هذا الطبيب أو ذلك الآخر وكيلا مساعدا أم رئيسا للأطباء؟،،، ولا ندري لماذا لا يفعل هذا الصيادلة أو أعضاء الحقل التمريضي أو حتى باقي الأجهزة والإدارات بالوزارة. وبالطبع لابد أن يكون للإستشاريين حضور دائم في مكاتب الإدارات الطبية أكثر من حضورهم في عيادات مرضاهم،،. لابد أن نلاحظ إحدى الحقائق التي تتكرر عند اقتراب أي تعديل وزاري، فالأطباء في الغالب يترشحون لمنصب الوزير مباشرة وتبقى إشاعات التوزير سيدة جلساتهم الصباحية. ولابد أن يترافق مع كل هذا الشحن نشوء مجموعات ضغط من الاستشاريين أو «وزراء الظل»، لابد أن تفك الدولة هذه «اللعبة» الشاغلة للأطباء عن أداء مهماتهم الوظيفية. لابد أن نترقب من الحكومة في التعديل القادم أن تكبح الاستشاريين وشبحيتهم في وزارة الصحة، وفي الحقيقة لابد أن نلفت الانتباه إلى أنه لا توجد علاقة للكفاءة والخدمات التي تقدمها هذه الفئة من موظفي وزارة الصحة وبين تأسيس أحقيتهم في التدخل الإداري بوزارة الصحة وتوزيرهم على رأس وزارة الصحة كأنها فرض رباني، فإذا كان الاستشاريون يقدمون خدمات جليلة للمجتمع البحريني فإن جميع الكادر الطبي والكادر المساند من صيادلة وفنيين وكادر تمريض ومساعدي التمريض وموظفي الصيانة والأمن كل منهم يقدم خدماته، البعض يذهب إلى أن هذه العادة توزير الأطباء هي مكافأة لما يقومون به من خدمات، ويبالغ البعض في هذه الجزئية إلى حد أن يجعلنا نفترض أن الأطباء يعملون في وزارة الصحة مجاناً وأنهم لا يحصلون على رواتبهم الشهرية، ولا يوجد قانون في وزارة الصحة ولا أية وزارة أخرى يعطي الأطباء الاستشاريين ولا أي موظف آخر أكثر من حقوقهم في تسلم رواتبهم الشهرية كموظفين منتظمين يؤدون ما عليهم من واجبات ومهمات، وعلى ذلك، فإن من يمتلك خبرات عالمية من الأطباء ولا يستطيع أن يقوم بعمله إلا إذا كان «وزيرا»،، فإنه من الأفضل أن يخرج خارج الوزارة، فالطبيب الذي يثق بقدراته وخبراته هو في الحقيقة لا يحتاج إلى أن يكون وزيراً أو وكيلاً. لابد أن تجنح الحكومة نحو اختيار وزير من خارج هذه الحقل الطبي، وعلى الوزارة أن تخضع لنظم إدارية جديدة قادرة على تنظيم الوزارة من جديد، أخيراً أثبت تقرير الرقابة المالية أن وزارة الصحة تحتوي على بعض الأخطاء المؤثرة في قوائمها المالية، ولا نستطيع أن نهمل سلبية الصورة الذهنية لدى أبناء هذا الوطن حيال وزارة الصحة وخدماتها، وكلنا نعلم عن التجاوزات التي تحصل من دون رادع أو مانع، ونعلم جميعا أن وزارة الصحة أكثر وزارات الدولة تأسيسا للجان التحقيق «غالبية أعضائها أيضاً أطباء»، وهي في الغالب لا تتمخض عن شيء، ولنا في لجنة التحقيق عن تجاوزات أحد مسئولي الطوارئ أخيراً المثال الأفضل. تعتبر وزارة الصحة من أكثر الوزارات التي تتناقل صحافتنا المحلية أخبارها وإشكالاتها ومشكلاتها التي لا تنتهي، وإذ تعتبر الخدمات الصحية «حقًّا دستورياً» ضمنه الدستور البحريني، فإن هذه الوزارة تعتبر في غاية الأهمية، وهذه الأهمية هي أكبر من أن تخضع لمشكلات الأطباء وتنافسهم على المناصب الإدارية، نكن لأطبائنا الكثير من الاحترام والتقدير، إلا أننا نتمنى أن نقرأ أسماءهم في أخبار تتصدر الصحف بشأن «إنقاذ المرضى» أو «تكريمهم في محافل دولية على إنجازات طبية كبرى»، أكثر مما نتمنى أن نقرأ أخبارهم كمتصارعين على منصب وزير أو وكيل مساعد. ولعمري «ما بهذا أقسموا... حين تخرجوا...
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1206 - السبت 24 ديسمبر 2005م الموافق 23 ذي القعدة 1426هـ