العدد 1203 - الأربعاء 21 ديسمبر 2005م الموافق 20 ذي القعدة 1426هـ

انتخابات الوفاق تحت المجهر

تقي الزيرة comments [at] alwasatnews.com

ليس من السهل تجاهل انتخابات «الوفاق» وأهميتها على مستوى الوطن وفي هذه المرحلة بالذات، فإدارة الوفاق القادمة المتمثلة في (شورى الوفاق) ستكون بمثابة العقل السياسي الذي سيوجه جمعية الوفاق، التي تمثل الثقل الأكبر في المعارضة بقاعدتها الجماهيرية الواسعة وأدواتها السياسية المؤثرة ومواقفها الاستراتيجية الثابتة التي لم تعرف التهاون والتساهل مع قضايا الوطن. وكانت المحرك الأقوى في ساحة المعارضة، والحليف السياسي الفاعل لرجال الدين الشيعة، والعين المراقبة التي تحاكي شئون وشجون المواطنين العاديين والعاطلين والفقراء والمستضعفين، وتنطلق من قاعدة الإسلام وتتحصن به في حركتها ومواقفها وبرامجها. وهي الجمعية التي تحسب لها السلطة ألف حساب وتدرك جيداً أنها تمثل الطرف الأقوى في ساحة المعارضة، وبيدها الأدوات الأكثر فعالية لتحريك الجماهير وتعبئة الرأي العام. وهي وليدة الجماهير التي ضغطت في التسعينات وأدت إلى نشأة هذه الحركة الإصلاحية الشاملة، وهي التي لم تهرول مثل غيرها لكسب المغانم السياسية لها أو لشخصياتها ورموزها بعد الانفراج السياسي في البحرين، كما لم تتهاون عن توجيه النقد الذاتي للشخصيات المحسوبة عليها التي هرولت لمغانم شخصية هنا وهناك. وهي الجمعية التي مازالت ممسكة بالقرار الحاسم بشأن المشاركة والمقاطعة في الانتخابات النيابية الثانية في هذا العهد السياسي الجديد، وهذه المرحلة السياسية الحساسة. هذه الجمعية السياسية هي الثانية التي تم الترخيص لها رسمياً بعد جمعية العمل الديمقراطي «وعد» في عهد مؤسسة العمل السياسي المعترف به من الدولة، وهي الآن بصدد فصل جديد في العمل السياسي وهوية جديدة في مسيرتها ومسيرة المعارضة في البحرين. فهي بصدد التشكل من جديد في شكل حزب سياسي بحريني يعمل بصورة رسمية مُقنـّنة من المشرّع البحريني، وهي بصدد تأسيس ثقافة العمل الحزبي في جمعيتها وتشكيلاتها الإدارية وبين أعضائها، وهي بصدد اتخاذ قرارات استراتيجية كبرى في بداية العام الميلادي المقبل بشأن مسألة المقاطعة أو المشاركة في انتخابات مجلس النواب المبرمج في الربع الأخير من العام .2006 وهى بصدد الانتقال إلى محطة جديدة وركوب قطار جديد قد يأخذها بعيداً عن ثلة قوية من رموزها وشركائها التقليديين الذين انفصلوا عنها لمواصلة تحركهم تحت تيار «حركة حق» التي تطالب بتعديل الدستور أولاً وتتمسك بقرار المقاطعة معتمدةً على الأدوات السياسية المتشدّدة وترفض التعديل الدستوري من تحت قبة البرلمان الحالي. ولا شك أن المشهد الحالي الأكثر أهمية في مسرح الوفاق هو مشهد انتخابات «شورى الوفاق»، مشهد مجلس الـ 30 عضواً الذين سيمثلون أعلى هيئة إدارية ورقابية تحكم الوفاق (بعد هيئة المؤتمر العام الذي يعتبر بمثابة الجمعية العمومية لحزب الوفاق). هذا المجلس الشوروي الوفاقي سيكون بمثابة مجلس الأمناء أو مجلس الحكماء الذي سيضم الأعضاء المؤتمنين على مسيرة الوفاق، وبمثابة العقل السياسي الاستراتيجي لحزب الوفاق، وسيلعب دوراً أساسياً في مسألة حسم قرار المشاركة في الانتخابات النيابية أو مواصلة المقاطعة، وسيلعب دوراً أساسياً في اعتماد مرشحي الوفاق لمجلس النواب المقبل، وستكون بيده مراقبة الأمانة العامة وبرنامجها ومتابعة التحالفات الوفاقية المقبلة وصوغ استراتيجيات العمل السياسي الوفاقي، وإقرار خطط وبرامج الوفاق وتقييم الحالة السياسية في البلاد، وتقرير موقف الوفاق من الملفات الساخنة الحالية وتقرير شكل المناورات والتحالفات داخل مجلس النواب المقبل، والمجالس البلدية، وسيضع أفكاره وتصوراته بشأن التشريعات القادمة. ويتدخل في تقرير علاقة الوفاق مع «حركة حق» وعلاقتها مع المعارضة في الخارج، وخصوصاً إذا قررت الوفاق فعلاً المشاركة في الانتخابات القادمة. وبشكل عام سيكون هذا المجلس هو الجهة الرقابية الحاضرة المؤتمنة من المؤتمر العام لمتابعة الحركة اليومية للأمانة العامة وتغذيتها بالأفكار والآراء والمشورة والتأكد من التزامها بأهداف الوفاق وقرارات مؤتمرها العام. إذن، المهمة عظيمة والمسئولية جسيمة، وهي بحاجة لعقول واعية وقلوب كبيرة وصدور واسعة قادرة على التعامل مع هذه الأمانة الكبرى بكل تجرّد وانفصال عن الطموحات والأهواء الشخصية، وقادرة على التضحية والإبداع والمناورة السياسية والنظرة البعيدة والواعية لطبيعة التطور والحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبحرين، والفهم العميق لطبيعة التركيبة الديمغرافية والإثنية والدينية المتسامحة لسكان البحرين، وطبيعة التوازنات والصراعات المحلية والإقليمية والدولية التي تؤثر في البحرين وتتأثر بها. وما دام الحديث اليوم عن انتخابات الوفاق لمجلس الـ 30 وفاقياً الذين سيمثلون «شورى الوفاق» وعقله السياسي في المحطة السياسية المقبلة، يهمنا استشراف هذا المجلس الجديد ووضع تصوراتنا وهواجسنا بشأن الشخصيات التي ستعتلي المسرح الجديد، كما يهمنا أيضاً إطلاق بعض التساؤلات بهدف استفزاز التفكير والحوار العقلاني في الوفاق الجديدة، وفاق الحزب الإسلامي البحريني الكبير بأسلوب لا يخلو من النقد والنقد الذاتي. إننا لا ندري مثلاً إن كان المترشحون الجدد مدركين جيداً وظيفة هيئة «شورى الوفاق» والمسئوليات والمهمات المطلوبة من هذه الهيئة الجديدة. ولا ندري إن كان المرشحون على علم بطبيعة التحديات السياسية والاستراتيجية المقبلة، ولا ندري إن كان المرشحون سيكونون بمستوى المسئولية والكفاءة والأمانة، وهل سيكونون بمستوى توقعات الوفاقيين وتوقعات المراقبين والمهتمين بالتطور السياسي والحزبي في البحرين. ولا ندري أيضاً إن كان المترشحون لشورى الوفاق جميعهم أو غالبيتهم ينوون استخدام بوابة «شورى الوفاق» لأغراض شخصية بهم كالترشيح للمجلس البلدي أو النيابي، أو انهم يستهدفون التنافس على كراسي الوفاق أو طمعاً في الوجاهة السياسية أو المجتمعية وتحسين فرصهم الوظيفية أو التجارية، أم انهم صادقون فعلاً في توجهاتهم الوفاقية لقيادة مسيرة الوفاق القادمة في محطتها الجديدة. ولكن من الواضح فعلاً أن الكثير من الوجوه التي برزت حتى الآن للترشيح لشورى الوفاق هي الوجوه نفسها التي ترددت أسماؤها في توقعات المراقبين للترشيح للمجالس البلدية والنيابية، فهل تراهم ينوون استخدام كراسي الوفاق الشورية لغرض تعزيز فرصهم للوصول إلى المجالس البلدية والنيابية وتمكينهم من إقصاء منافسيهم الوفاقيين؟ وهل هذا الأسلوب يعتبر أسلوباً أخلاقياً صحيحاً أم ماذا؟ هل ينوون تعزيز الاتجاه الوفاقي الحمائمي نحو المشاركة والتفاعل السياسي من تحت قبة البرلمان، أم يسعون لانتهاز الفرصة لإقصاء صقور الوفاق واحتلال مقاعدهم ومكانتهم السياسية والجماهيرية؟ هل المرشحون الجدد جميعهم أو غالبيتهم صادقون ومخلصون وثابتون على خط الوفاق ومبادئها وملتزمون بالدفاع عنها والوقوف إلى جانبها في السراء والضراء وحين البأس عندما يزداد لهيب السلطة أم أن من بينهم انتهازيين يتحينون الفرصة لركوب الموجة الكبيرة لفرص نيابية ووزارية وحكومية ووجاهات اجتماعية وسياسية هنا وهناك؟ وماذا بعد انتهاء انتخابات «شورى الوفاق» وبعد أن ينفض السامر؟ هل الذين نجحوا في تولّي مقاعد «شورى الوفاق» سيتحلون بالأمانة والحيادية والشرف أم سيتبادلون المنافع والأصوات لبعضهم بعضاً في ترشيحات المجالس البلدية والنيابية (بطريقة شيلني وأشيلك)؟ وإذا وصل بعضهم فعلاً إلى هذه المجالس من خلال بوابة شورى الوفاق، فهل سيواصلون التزامهم الوفاقي أم سنكتشف أن بعضهم ترك الجمل بما حمل وفر إلى مبتغاه الدفين؟ وهل سيواصل من فشل في انتخابات «شورى الوفاق» في المشاركة في أنشطتها وبرامجها ودعمها في السراء والضراء؟ وكيف يا ترى نقرأ قصة هذه الكتل الانتخابية لشورى الوفاق؟ وهل هي فعلاً تكتلات حزبية وفكرية منسجمة قليلاً أو كثيراً، أم هي مجرد تكتل تسويقي وترويجي للانتخابات يرتب بعض الشخصيات في تركيبات وكوكتيلات من أسماء لا تعكس فعلاً عمقاً فكرياً أو خبرة سياسية وتحوي خليطاً من التناقضات في الخلفيات السياسية والاطماع والنوايا والمصالح والأنانية الفردية المهرولة لحصد المكاسب والمغانم على حساب مصلحة الوفاق ومصلحة الوطن؟ ما هي هذه التكتلات وما هي هذه الأسماء التي لم يتم اختبار الكثير من أفرادها في الشدة والرخاء ولم يتم اختبار تاريخها في التضحية والوفاء؟ ما هي هذه الأسماء التي هرولت فجأة باتجاه هيئة «شورى الوفاق» بينما لم نسمع عن عطائها وتضحياتها عندما كانت الأجواء مشحونة بالتوتر والخطر؟ ما هذه الأسماء وما نواياها الحقيقية وما قدراتها؟ وهل هي أكثر استحقاقاً من غيرها من الشخصيات الوفاقية الأخرى؟ وهل هي قادرة فعلاً على تسلم شحنة من هذه التساؤلات وفتح صدرها للنقد والنقد الذاتي وتحمل شحنة من الضغوط السياسية والاقتصادية في الأوقات الصعبة؟ وهل هي مُخلصة ووفّية لطرف الوفاق فقط أم أنها مرتبطة بعدة جهات رسمية وغير رسمية في أكثر من ساحة، وبعضها بعيدٌ أصلاً عن هموم الوطن وهواجس المعارضة ويتلوّن وينسجم مع كل الألوان والبيئات؟ من ناحية أخرى، هل ستوافق الجمعية العمومية الوفاقية الحزبية الجديدة (المؤتمر العام) على هذا الخلط والتعارض في المصالح داخل «شورى الوفاق»؟ هل سيعتمد المؤتمر العام إعطاء الصلاحية لعضو شورى الوفاق حق التصويت لاعتماد من سيكون المرشح للمجلس البلدي أو النيابي إذا كان عضو شورى الوفاق هو نفسه أحد المترشحين لهذه المجالس؟ أليس في ذلك إخلال بالعمل السياسي الصحيح وتعارض في المصالح وخطأ في مبادئ الإدارة والتنظيم؟ ألا يخلق ذلك الآن ومستقبلاً سابقة وعرفاً وتقليداً وتهافتاً بين الوفاقيين وغيرهم للانضمام للوفاق واختراقها فقط بهدف الاقتراب من دائرة القرار الكبرى في الوفاق (شورى الوفاق) والاقتراب من ساحة المنافسات واللوبيات لاكتساح هذه الهيئة الشورية والفوز بالترشيح للبلدي أو النيابي ولغيرها من المقاعد والمكانات الاجتماعية والسياسية؟ ألا يعتبر ذلك فجوة وخللاً واض

العدد 1203 - الأربعاء 21 ديسمبر 2005م الموافق 20 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً