نعيش هذه الايام حوادث متعاقبة وخطيرة تضع المنطقة العربية الشرق أوسطية على حافة حرب جديدة مكلفة في جميع النواحي من حيث قلب موازين القوى والعبث في الخريطة السياسية. فكما هو الحال دائما تتغير أمور كثيرة بعد الحرب قد تعد مميزات في حينها ولكنها مع مرور الأيام تبرز سلبياتها على السطح وتظهر ما كانت تخطط له قوى الاستعمار ولكن بظهورها لا يصبح لها معنى لأن الأوان دائما يكون قد فات.
إن تبادل الاتهامات بين الادارة الاميركية والادارة العراقية يزداد سخونة يوما بعد يوم حتى وصلت الى درجة الغليان الذي أدى إلى حشد هذه الاعداد الهائلة من آلات الحرب الغربية التي تضع المنطقة على شفير كوارث بشرية وبيئية لا يعلم سوى الله ماهيتها وحدودها. ان الحل السلمي المستبعد الذي جاء في اطار الامم المتحدة في قرار 1441، بعد ضغوط من فرنسا وروسيا لا يعكس خوف هذه الدول على مصلحة المنطقة بقدرما يعكس مصالحها الشخصية. ففرنسا تحمي مصالحها التجارية وروسيا من مصلحتها ان تظل الامور غير مستقرة في المنطقة لتحافظ على أسعار النفط مرتفعة لحماية دخلها القومي الذي أصبح يعتمد على النفط بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
ان اهداف الادارة الاميركية بحمائمها ونسورها تتحدد في ثلاث نقاط: النفط، اسرائيل، الأمن القومي. وهذه الاهداف الثلاثة هي الغاية وعلينا تفحصها جيدا لكي لا نتعجب من الوسيلة.
وتنفيذ المخطط الاميركي الصهيوني بدأ في افغانستان التي روضت ليصبح نفط بحر قزوين في متناول اليد ليأتي دور العراق الذي تشير التكهنات إلى انه سيقسم الى جنوب شيعي ووسط سني وشمال تكون لتركيا الكلمة الاولى فيه لتصبح اميركا على ابواب دمشق التي لابد ان ترضخ فتقطع أواصل إيران بحزب الله في لبنان الذي - أي لبنان - لابد ان يرغم الى الدخول في معاهدة سلام مع «اسرائيل» فتقطع بذلك شرايين المقاومة الفلسطينية. وتكتمل الصورة بتقبل العرب رصاصة الرحمة بصمت ووقار.
والدول العربية كما هو الحال دائما منقسمة الى قسمين: قسم قال نعم بصوت عالٍ، وقسم قال لا ولكن عندما تكون اللا كناية عن نعم، وكيف لا وعالمنا العربي يفتقر إلى أبجديات النظرة المستقبلية ومفاهيم الأمن القومي ولا يحصر مصالحه الا في حدود قوته اليومي وحكمته الأبدية لكل «مقام مقال».
إن الطوفان الاميركي مقبل لا محالة وعلى الدول العربية أن تختار بين الصعود إلى السفينة او يجرفها الطوفان، ولكن لو صعدت هل يا ترى ستكون في الجزء العلوي أم السفلي من السفينة؟!
العدد 120 - الجمعة 03 يناير 2003م الموافق 29 شوال 1423هـ