في عدد أمس سلط الضوء على المأزق الذي قد تجد المعارضة نفسها فيه في حال أصرت الحكومة على تولي وإدارة أوراق اللعبة السياسية في البلاد وفق أجندتها، غير مبالية بالأجندة التي تتبناها الجمعيات والفعاليات السياسية المعارضة والقاضية بضرورة إعادة قراءة التعديلات الدستورية أمام المجلس النيابي المنتخب من أجل أن تكتسب الشرعية اللازمة.
واليوم نستعرض السيناريوهات الأخرى في حال تمسك الجمعيات السياسية بمواقفها ورفضها التعاطي مع العملية الانتخابية من دون تعديل يستند الى الفصل الحقيقي والصريح بين السلطات الثلاث من خلال حصر السلطات التشريعية بالمجلس المنتخب (النواب). ومن ثم تحجيم دور المجلس المعين (الشورى) ليلعب دوره المحدود الذي يتمثل في تقديم الرأي والمشورة والخبرة فقط.
إن موقف الجمعيات السياسية المقاطعة للانتخابات، في حال استمر على تماسكه وتجذر أكثر فأكثر، مرشح للتطور الى الكثير من السيناريوهات المحتملة التي ستجد الحكومة نفسها مضطرة للتعاطي معها ربما بأسلوب يتسم بمقدار أكبر من الحكمة والصبر والمراجعة. وللمزيد من الإيضاح نستعرض هذه السيناريوهات المحتملة وهي كالآتي:
السيناريو الأول
أن تعيد الحكومة النظر في موقفها بشأن التعديلات الدستورية التي نتج عنها دستور 2002 معلنة عزمها عرضه رسميا على مجلس النواب لمناقشته وإقراره ومن ثم إحالته مرة أخرى إلى صاحب العظمة للتصديق عليه في صورته النهائية، وهذا يعني انتهاء الأزمة ومرور العاصفة بسلام من خلال عودة الجمعيات السياسية المقاطعة عن قرارها والدعوة إلى المشاركة في الانتخابات.
السيناريو الثاني
أن يستمر موقف الحكومة على حاله وتتمسك الجمعيات المقاطعة بحقها في عدم المشاركة في الانتخابات النيابية من دون حل المعضلة الدستورية، الأمر الذي قد يؤدي إلى انخفاض نسبة المشاركة بشكل كبير مما يؤثر على صدقية المشروع الإصلاحي عبر تكريس العزوف الجماهيري عن المشاركة في العملية الانتخابية، وبالتالي التشكيك في أن النتائج تمثل الإرادة الحقيقية لمجموع المواطنين. ولتفادي هذا الموقف المحرج قد تلجأ الحكومة إلى دعوة منتسبي قوة الدفاع ووزارة الداخلية إلى المشاركة بقوة في الانتخابات من أجل رفع نسبة المشاركة والإقبال على التصويت، وهنا يجب على الحكومة أن تأخذ في الحسبان أن صدقية العملية الانتخابية برمتها ستكون محل شكوك كبيرة من قبل المراقبين الدوليين ومحل استهجان من قبل المواطنين بالطبع.
السيناريو الثالث
أن تصل تأثيرات الدعوة إلى المقاطعة إلى المرشحين أنفسهم فتكون هناك دوائر بأكملها من دون مرشحين أو ناخبين وبالتالي ستكون العملية الانتخابية معرضة ليس للفشل فحسب بل إنها ستتعرض لانعكاسة خطيرة ولن تستطيع الحكومة إيجاد أي بديل مناسب لسد هذا الفراغ، وهي طبعا لن تستطيع إجبار الناس على المشاركة في هذه العملية بوصفهم ناخبين ومرشحين بالقوة.
إن هذا السيناريو قد يعرض الحكومة لإحراج دولي شديد خصوصا وهي على أبواب احتضان مؤتمر القمة العربية الاعتيادية في مارس/آذار 2003 وهذا يجعل من المهم أن تعيد الحكومة التفكير في كيفية التعامل مع الموقف المقاطع للانتخابات الآخذ في التصاعد يوما بعد يوم.
وإذا كانت الحكومة وجدت بديلا رسميا لمعالجة مشكلة العزوف عن المشاركة من قبل الناخبين عبر توجيه رجال الداخلية والدفاع لسد الثغرات فإنها حتما لن تجد البدلاء المناسبين لسد ثغرات المرشحين أنفسهم في حال التزموا قرار المقاطعة، وعلى افتراض أنها وجدت من يرضى أن يلعب دور الكومبارس أو البديل، فإن هذا البديل لن يستطيع أن يجيد التمثيل طويلا لأنه وبكل بساطة لا يمتلك الدعم الشعبي اللازم، الأمر الذي سيتحول معه مجلس النواب إلى نسخة مستهجنة من مجلس الشورى وهو ما لا تريده الحكومة ولا عظمة الملك.
وهنا فإن الحكومة مطالبة بتجهيز نفسها ربما لإعلان تأجيل الانتخابات حتى يتم حل هذه المعضلة وهو ما سيعيدنا إلى المربع الأول - الحوار الوطني من أجل صيغة دستورية أكثر ملاءمة لكل الأطراف.
السيناريو الرابع
قد تلجأ بعض الشخصيات الوطنية والفعاليات السياسية إلى إعطاء الحكومة فرصة أخرى لإعادة التفكير في كيفية التعاطي مع التعديلات الدستورية من خلال إقدامها على الترشيح للانتخابات النيابية على أمل أن تعلن الحكومة نيتها عرض دستور 2002 على مجلس النواب لمناقشته وإقراره في خطوة تهدف إلى تدارك ما وقع. ومن المؤكد أن هذه الشخصيات ستحظى بعدد مناسب من المقاعد النيابية الأمر الذي قد يدفعها إلى إعادة التفكير في المشاركة الفعلية في اجتماعات المجلس النيابي في حال احجمت الحكومة عن وعدها ولم تعلن رسميا عرض دستور 2002 على مجلس النواب.
وهنا فإن عدم مشاركة الأعضاء المنتخبين في افتتاح جلسات مجلس النواب سيؤدي الى فقدانه صدقيته في التمثيل الحقيقي للمواطنين خصوصا إذا كان عدد النواب المقاطعين يقرب من 50 من عدد أعضاء المجلس.
ولا شك ستجد الحكومة نفسها مرة أخرى أمام مشكلة حقيقة لأن مجلس النواب لا يستطيع أن ينعقد بنصف أعضائه فقط، ولو لجأت الحكومة إلى تأجيل انعقاد جلسات المجلس النيابي فإن من غير المتيسر لها تحديد الفترة المناسبة لالتئام جلساته بشكل صحيح طالما بقي بعض النواب خارج المجلس.
من جانب آخر ستكون الحكومة عاجزة عن تعيين أعضاء مجلس الشورى، وبفرض أنها عينتهم فإنها لن تستطيع الدعوة إلى عقد اجتماعات الشورى إلا بعد انعقاد المجلس النيابي بحسب نص مواد دستور 2002 الذي يربط دورات انعقاد مجلس الشورى بانعقاد دورات مجلس النواب، وهنا ستجد الحكومة نفسها مرة أخرى أمام السؤال نفسه: كيف يمكن الخروج من المأزق؟
ماذا بعد؟
لقد سبق لأمير البلاد الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة - رحمه الله - أن قال: إن هذه البلاد كالطائر لا يستطيع أن يطير بجناح واحد.
ويبدو أن هذه الثنائية هي قدر هذه البلاد وسرُّ قوتها ووحدتها وعليه فإن فلسفة الثنائية ستستمر في رسم الطريق الذي يجب على كل لاعب سياسي يطمح إلى أن تنجح خططه أن يجيد التعامل معها.
وهكذا فإن ثنائية اليوم هي الحكومة والتيارات السياسية التي أصبحت قادرة، ضمن الشروط الجديدة للعبة السياسة التي وفرها النهج الإصلاحي لصاحب العظمة، على خلق توازن آخر يستند إلى المبادئ الديمقراطية ويمارس دوره في المشاركة في الحياة السياسية للبلاد.
لذلك فإن أمام الحكومة متسعا كبيرا لإعادة التفكير في كيف ستتعامل مع أي من هذه السيناريوهات حال وقوعها، وهي في معظم الأحوال ستجد نفسها أمام خيارات متعددة ولكن أفضل هذه الخيارات على الدوام هو الحوار المسؤول.
كيف ستعالج الحكومة هذه السيناريوهات إن وقعت؟... ذلك ما نحن في انتظار الإجابة عنه قريبا جدا
إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"العدد 12 - الثلثاء 17 سبتمبر 2002م الموافق 10 رجب 1423هـ