أعتقد أن من أهم الأسباب المقبولة في تبرير ما تمر به NDI (البحرين) من صعوبة التأقلم داخل الجسم السياسي البحريني بشروط مجلس التنمية السياسية هو خوف البعض من أن تكون هذه المؤسسة الأميركية مؤسسة «وفاقية»، NDI قوية، ومرحب بها في كونها مؤسسة «أميركية»، وهي ذاتها، موضع قلق وشك وترقب في كونها مؤسسة تعنى بـ «الديمقراطية»، وعلى رغم أن هذه الديمقراطية الأميركية لها علاتها، فإن الديمقراطية مجملاً هي أكثر القضايا التي تمثل إزعاجاً للبعض. كنت قد كتبت مقالتين مطولتين عن مؤسسة NDI، استعرضت فيهما روح «الدمقرطة الأميركية» في العالم الثالث وإشكالاتها، ولابد لأي متابع أن يهتم بما تمر به هذه المؤسسة حالياً من تجاذبات مثيرة بشأن قانونية عملها في البحرين. مجلس التنمية السياسية يحاول احتواء هذه المؤسسة عبر تقييد/ تنظيم/ تقنين نشاطاتها، حيث الدعوة الصريحة إلى أنه لا يحق لها «أن تقوم بأي اتصالات أو أن تقدم أي استشارات للجمعيات السياسية إلا عن طريق مجلس التنمية السياسية». وأخيراً، ألا تكون أي من هذه الاستشارات «سرية»، لنا أن نتفهم من الدولة هذا الانقلاب على NDI، في سياق النقاط الآتية: أولاً: احتوى النظام الداخلي لجمعية الوفاق الوطني الإسلامي على مفردات ونظم سياسية متطورة، وكانت NDI أحد المساهمين في مساعدة «الوفاق» على إعداد هذا النظام. «الوفاق» استطاعت بمساعدة هذه المؤسسة أن تنتج «مؤسسة حزبية متكاملة داخلياً»، إلاّ أنها طبعاً ستبقى حبيسة النظام المدني من دون أن تمثل هذا النظام قراراً أو سلوكاً سياسياً، إلاّ أن هذا النظام يستطيع أن يعطي لمحات بسيطة من جودة الإنتاج السياسي، وهذا ما قد يزعج البعض. ثانياً: «الوفاق» إن شاركت ستكون الأوفر حظاً بمقاعد البرلمان المنتخب، بمعنى أنها ستكون أكبر كتلة نيابية، والنتيجة أنها ستحصل على الدعم الأكبر من هذه المؤسسة، ما يجعل من برامج NDI مركزة على «الوفاق» وكوادرها، وهذا التدريب السياسي على رغم أنه لا يمثل محورية رئيسية في تمكين «الوفاق» سياسياً، فإنه سيكون «مضاداً» في أبسط تمثلاته لما يتمناه البعض. ثالثاً: استطاعت المؤسسة السياسية الدينية في «الوفاق» أن تعقد «هدنة» مبدئية مع NDI، وهذا ما جعل آفاق التعاون بين الطرفين أوفر حظاً للنمو، وإذا كنا سنقرأ NDI بوصفها جهاز استشارات وتدريب فقط، فإن «الوفاق» المهزوزة جراء «تفكك» بعض أجزائها أخيراً، لن تجد بديلاً عن NDI لمساعدتها داخل البرلمان، بمعنى أن NDI سيفاجأ بكمية الاستشارات التي سيطلبها ممثلو «الوفاق» داخل البرلمان المقبل. من مصلحة «الوفاق» أن تستفيد من كل مخرج قانوني متاح لتمرير مقترحاتها في البرلمان، و«الاستشارات» الأميركية ستقوي من موقفها، وهذا ما سيجعل الأمور أكثر إزعاجاً للبعض. رابعاً: الحكومة تورطت بهذه المؤسسة، فبعد أن كان المركز خلال السنوات الماضية يصب غالبية جهوده في دعوة الجمعيات السياسية المقاطعة إلى المشاركة السياسية داخل البرلمان، وهو ما كان يصب في مصلحة الدولة، فإنه بعد مشاركة هذه الجمعيات سيتجه لمساعدتها في تمرير «مطالباتها» و«برامجها السياسية» و«الرقابية» بما يتماشى مع الدستور وأبجديات اللعبة البرلمانية بين المجلسين، بمعنى أن أية استشارة ستطلبها «الوفاق» أو «وعد» من NDI هي بالضرورة ستسبب صداعاً نصفياً للبعض. وهو ما يجعل من NDI كائناً سياسياً معارضاً، فضلاً عن كونه «وفاقياً»!
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1198 - الجمعة 16 ديسمبر 2005م الموافق 15 ذي القعدة 1426هـ