في الآونة الأخيرة توالى اكتشاف المقابر الجماعية العربية الواحدة تلو الأخرى من مشرق العالم العربي إلى مغربه. فبعد أن اكتشف العالم مع سقوط نظام صدام حسين ودخول العراق عهد الاحتلال الأميركي عدداً من المقابر الجماعية، بدأت الأنباء تتحدث عن اكتشاف المقبرة تلو الأخرى. أولى هذه المقابر كان ما أفصحت عنه السلطات المغربية، بعد أن أماطت اللثام عن أولى هذه المقابر، والتي كانت بساحة معتقل/ ثكنة تازمامارت الشهير بالصحراء الشرقية، والذي كان يحتضن رفات عدد من المعارضين المغاربة بمن فيهم الصحراويون المناوئون للسيادة المغربية على الصحراء. مسلسل اعترافات النظام المغربي لم يتوقف عند هذا الحد، فأسابيع بعد ذلك أفصحت السلطات المحلية بمدينة فاس وسط المغرب عن مقبرة جماعية تضم رفات الذين سقطوا قتلى في مواجهة قوات الأمن في انتفاضة حقوق الإنسان في ديسمبر/ كانون الأول ،1990 لتتتابع حلقات المسلسل بالإفصاح عن مقبرة جماعية ثالثة، والتي كان مسرحاً لها مدينة الدار البيضاء والتي تعود لضحايا انتفاضة الخبز العام .1981 ومن مغرب الوطن العربي إلى شامه، فعلى الحدود اللبنانية السورية وتحديداً قضاء غنجر، اكتشفت السلطات اللبنانية وفي أرضية مبنى كان يستخدم من قبل الاستخبارات السورية قبل انسحابها مقبرة جماعية تضم رفات لبنانيين كانوا مختفين ويشتبه في كونهم كانوا من المفترض أن يكونوا معتقلين لدى السلطات السورية. وقبل مقبرة عنجر، انتشلت السلطات اللبنانية عشرات الجثث من إحدى ساحات وزارة الدفاع في بيروت، والتي يعتقد أنها لعسكريين لبنانيين. مسلسل المقابر الجماعية سيتواصل مع ما أعلن عنه يوم الأحد الماضي من انتشال العشرات من جنود الجيش اليمني من إحدى المقابر الجماعية في لبنان. الأكيد أن مسلسل هذه المقابر سيتوالى على الأقل في العراق، الذي انضافت إلى مقابر صدام، مقابر أخرى غالبيتها مقابر فوق أرضية، إذ الأنباء الآتية من بلاد الرافدين كل يوم تنقل لنا صور الجثث المتناثرة في الشوارع وتلك الملقاة في الصحراء والتي تارة موقعة من قبل قوات الاحتلال الأميركي، أو المليشيات العراقية، أو المحسوبة على المقاومة وخصوصاً الزرقاوية منها. ونرجع إلى المقابر التي نفذها حكامنا في حق أبناء شعبنا، فلا شيء يشفع لكي تزهق الأرواح من قبل هذا الحاكم أو ذاك تحت ذريعة المصلحة العامة، أو مصلحة الأمة، فالحكام والأنظمة الذين تولّوا ناصية الحكم في بلادنا العربية، يجب أن يعرفوا أنهم ارتكبوا أعمالاً إجرامية وإرهابية من أجل مصالحهم الشخصية في البقاء في الحكم، والنتيجة هذه المقابر المتناثرة في فاس والدار البيضاء وعدن وبيروت وبغداد و... ، والتخلف الذي يجثم على قلوبنا منذ عقود حتى أصبحنا في مؤخرة الركب الدولي والإنساني، وفقدان السيادة بطريقة أو بأخرى، كما حدث في العراق، أو كما يحدث الآن في سورية التي يتعرض حكامها للتحقيق من قبل الأمم المتحدة، أو التخلص من برامج تسليحها كما حصل لليبيا. وبالعودة إلى نتائج المقابر الجماعية، فإن الذي يجب أن يحدث هو أن تفتح ملفاتها بأيدينا نحن، وأن يحاكم من وقف وراءها أحياء كانوا أم في عداد الموتى. يجب على القضاء الوطني في بلداننا العربية أن يفتح هذه الملفات من دون انتظار دبابات بوش وبلير لكي ينصب لحكامنا وأتباعهم محاكم جنائية، وخصوصاً كتلك التي يوجد مقرها في المنطقة الخضراء ببغداد، ويأتي لنا بقضاة من طينة القاضي رزكان. في المغرب، أسكت النظام المعارضة (التي لم تعد أصلاً موجودة بعد أن تم تدجينها وذاقت من كعكة السلطة) بتنصيب هيئة حقوقية تأتي بالضحايا للاستماع إلى ما حصل لهم من دون ذكر للجلادين ومجرمي الحرب ضد الإنسانية، من هنا يجب أن يقتاد كل جلاد إلى محاكم الشعب سواء من زبانية النظام في المغرب وهم معروفون وعلى رأسهم وزير الداخلية الشهير إدريس البصري، وزبانية نظام علي سالم البيض بجمهورية لبنان الجنوبي العتيد، أو زبانية النظام في سورية، أو ضحايا نظام القدافي، أو ضحايا أنظمة الحكم في العراق سواء البعثية منها أو الجعفرية والطلابانية وقبلها العلاوية... الذين دكت المدن والبلدات العراقية على رأس ساكنتها باسمهم، وإن تم ذلك بأيادي أميركية. خير لأمتنا وشعبنا أن تحاكم قادتنا وأنظمتنا بأيدينا من دون أن تنتظر الأجنبي حفاظاً على كرامتنا من جهة، ولأن هذه المحاكمات الحقة وليس الصورية هي الكفيلة بضمان حقوقنا وأبسطها حقنا في الحياة بدل إحالتنا إلى مقابر جماعية، وخصوصاً أن بقاء الجلادين من دون محاكمة هو بمثابة تشجيع للنيل من حقوق الإنسان في عالمنا العربي، والشاهد على ذلك ما وقع بالمغرب الذي استنفرت قواه بعد تفجيرات 16 مايو/ أيار الإرهابية، ما أدى إلى اعتقال أكثر من 6000 مواطن تعرضوا لمختلف أشكال التعذيب والتنكيل والمس بحقوقهم وما تلا ذلك من أحكام بالإعدام والمؤبد، في حين أن اسبانيا، الجارة الشمالية للمغرب والتي عانت هي الأخرى من الإرهاب، لم تقدم أي أحد ولحد الآن إلى المحاكمة، فيما لم يتجاوز عدد المعتقلين المئة مع العلم أن معايير الاعتقال الاحتياطي وفتراته قد تم احترامها على رغم أن خسائر تفجيرات مدريد تجاوزت خسائر تفجيرات الدار البيضاء بأضعاف مضاعفة. من هنا، على شعوبنا أن تختار التحرك لأخذ حقوقها بيدها، ولنا في انتفاضة الشعب اللبناني الحضارية القدوة الحسنة، أو ننتظر التغيير الخارجي على شاكلة ما حصل في العراق وما صاحبه من جرائم وطغيان.
العدد 1196 - الأربعاء 14 ديسمبر 2005م الموافق 13 ذي القعدة 1426هـ