إن النظرة الشمولية للتوطين ستسهل لنا مهمة فك طلاسمه، وبالتالي، كما قلنا الاتجاه نحو تخطيطي التعليم وفقاً لأهداف واضحة تصب في خدمة التوطين. وهذا يقودنا للمطالبة بمراجعة مجمل المناهج والسياسات التعليمية، وتبني أحدث السياسات التعليمية او ما بات يطلق عليه في أدبيات التنمية البشرية الحديثة التي تبنتها المنظمات الدولية بالتعلم مدى الحياة من أجل القابلية للعمل مدى الحياة Lifelong Learning for Lifelong Employability. وهذه السياسات يمكن تطبيقها من خلال الربط بين مؤسسات التعليم والتدريب ومؤسسات المجتمع وذلك من خلال تشجيع البحوث التقنية والتطبيقية والدعم المادي لها، ومشاركة القطاع الخاص في إعداد البرامج والمناهج وفي الدعم المادي لتحقيق تعاون أوثق معها. كذلك من خلال توفير برامج التدريب أثناء العمل لكي يكون التقييم مستمرا لأداء العامل وقدرته على الوصول الى مرحلة الاحتراف. وبالتالي ستكون هذه المؤسسات قادرة على تقديم المهارات المهنية المطلوبة للاحتراف. كما أن هذه النظرة ستكون عقبة رئيسية وهي تردد القطاع الخاص في قبول مخرجات التعليم الراهنة ونعني بها الخريجين الجدد، كون برامج التعليم ستربط باحتياجاته الحقيقية، بما في ذلك في قضية التوطين وربطها بمعايير الكفاءة والإنتاجية والولاء للعمل. وبالتالي ربط المستقبل الوظيفي للمواطن ليس بتطور وازدهار المؤسسة او المنشأة التي يعمل بها المواطن فحسب، بل وبازدهار الاقتصاد والوطن ككل. وهذه النتيجة ستقودنا بالتالي الى الحديث عن كيفية تحقيق برامج التوطين، إذ يبرز هنا موضوع الاحتراف كأسلوب مهني حديث في تحقيق هدف التوطين بمفهومه الوطني الشامل، أي على مستوى الاقتصاد الجزئي والكلي. والمقصود بالاحتراف هنا هو اكتساب المعارف والخبرة والمهارات اللازمة لأداء الوظيفة بالكفاءة المطلوبة. إن التوطين من خلال الاحتراف هو السبيل الأمثل لتلبية احتياجات سوق العمل تلبية علمية ومنهجية بعيداً عن العواطف والشعارات المجردة. إن الاحتراف كمفهوم وممارسة بحاجة إلى عناصر أساسية لتكريسه وغرسه في نفوس العمالة الوطنية. ولعل أهم هذه العناصر هو الشعور بالولاء للعمل والوظيفة والإخلاص لها. فمن دون الولاء والإخلاص لا يمكن للفرد أن يبدع في عمله ويتقنه على أحسن وجه. والولاء والإخلاص لا يأتيان من فراغ، وإنما من خلال الشعور بالرضا في العمل. هذا الشعور الذي تولده البيئة المادية والمعنوية المحفزة على خلق الانتماء والولاء. وهذا يعني بالضرورة أن الاحتراف كطريق الى تنفيذ برامج التوطين يلقي مسئوليات على العاملين مثلما يلقي مسئوليات على أصحاب العمل في تحسين ظروف العمل معنوياً ومادياً.