أن ما يحدث في الأسواق المالية النامية ومنها أسواق دول المنطقة هو ان هناك عوامل أخرى تتدخل في آلية تسعير الأوراق المالية ومنها الأسهم بحيث تجعل من منهجية المدخل الأساسي في تحليل الأوراق المالية لا تخدم كثيراً المستثمرين في هذه الأسواق على رغم أهميتها وسلامتها من الناحية الاقتصادية. وبالنظر إلى محدودية المكان هنا لإعطاء صورة شاملة عن الكيفية التي تحول بها العوامل غير المحسوبة من دون ان تأخذ العوامل الاقتصادية دورها في تسعير الأوراق المالية فإنه بالإمكان تقديم بعض الأسباب والأمثلة على ذلك. ان آلية تحرك سعر ورقة مالية ما (والمقصود هنا السهم خصوصاً) تتمثل في استجابة هذا السعر للمعطيات والحقائق المهمة ذات الصلة بالشركة صاحبة هذا السهم، وذات الصلة بالأسواق المالية والأوضاع الاقتصادية. ان عدم بروز هذه الاستجابة أو ضعفها أو تأخرها في الكثير من الأحيان في الأسواق المالية الخليجية يعود لعدة أسباب منها فنية ومنها اقتصادية. فالأسباب الفنية تتمثل أولاً في قلة توافر تلك المعطيات والحقائق بالدرجة الكافية، وثانياً غياب المؤسسات والأجهزة المتخصصة التي تقوم بربط تلك المعطيات والحقائق ببعضها بعضاً وإبراز تأثيرها أمام المستثمرين بصورة متساوية وعادلة، وثالثاً عدم وجود لوائح تنظيمية وقانونية كافية لمنع المضاربات الضارة واستغلال المعلومات الداخلية، ورابعاً غياب الأنظمة والمؤسسات التي تحمي الأسعار من المضاربات الضارة وتسهم في إعادتها للمستويات العادلة مثل صناع السوق. اما بالنسبة للأسباب الاقتصادية، فلقد اتضح في الماضي ان توافر السيولة لدى الأفراد مع محدودية الأوراق المالية المعروضة خصوصاً ومحدودية فرص الاستثمار المتوافرة عموماً قد اسهم في دفع أسعار الأسهم الى مستويات عالية لا يمكن تبريرها وفق منهجية المدخل الاساسي في التحليل. ومن الأسباب المهمة هو ضعف الترابط بين أداء الأنشطة الاقتصادية ضمن الاقتصاد الوطني الواحد لأسباب عدة لا يمكن التوقف أمامها هنا وسيطرة تأثير أداء نشاط اقتصادي بذاته (تصدير النفط) على الأداء الاقتصادي ككل. كذلك فإن ضيق قاعدة المتعاملين في سوق الأوراق المالية سواء كبائعين أو مشترين يحول دون اتمام آلية تسعير الأوراق المالية المتداولة بصورة سليمة، إذ يؤدي ذلك إلى استفراد نفر قليل بتحريك أسعار الأسهم وفقاً لحسابات خاصة بهم، كذلك إلى ضعف سيولة السوق ما يضطر معه بعض البائعين أو المشترين للقبول بأسعار لا تمثل القيمة الحقيقية للورقة المالية المعروضة. وأخيراً، يمكن القول ان ما أشرنا إليه من أسباب تعوق التشغيل السليم لآلية تسعير الأسهم في أسواق المال الخليجية تكشف في الوقت نفسه عن الإجراءات المطلوب اتخاذها لتجاوز هذا الوضع. ان البداية الصحيحة تكمن في تعميق الوعي الادخاري والتوظيفي بمختلف وسائل التوعية والاتصال، بما في ذلك مناهج التربية والتعليم التي تعزز مفاهيم الادخار والاستثمار ومروراً باتخاذ الإجراءات والتشريعات الضرورية لتوسيع قاعدة السوق سواء من حيث المتعاملين أو الأوراق المتداولة وتلك الخاصة بحماية المستثمرين المتعاملين فيها وانتهاءً بالسياسات الخاصة بالاقتصاد والمال والنقد مع ضرورة صدور عدد من المؤشرات الدورية التي تبين حال الاقتصاد ومستوى ادائه، ما يعين المستثمرين على تحديد توجهاتهم المستقبلية.
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1187 - الإثنين 05 ديسمبر 2005م الموافق 04 ذي القعدة 1426هـ