العدد 1186 - الأحد 04 ديسمبر 2005م الموافق 03 ذي القعدة 1426هـ

النوعية في التربية

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

هل سيؤدي التقويم الشامل «لجودة التعليم» فعلاً إلى تحقيق الإصلاح النوعي للتعليم وتطويره بحيث يلبي احتياجات التنمية الشاملة والمستدامة في مملكة البحرين؟ الإجابة على السؤال، ربما نحصل عليها من الخلاصة المثيرة التي تناولها المؤتمر التربوي الذي نظمته في المنامة وزارة التربية والتعليم بشأن التقويم الشامل «لجودة التعليم» في أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول ،2005 ولاسيما عند مقاربة الواقع ومحاور المؤتمر التي ركزت على تعريف «مفهوم جودة التعليم»، وفاعلية مناهجه وطرائق التدريس ونظم القياس والتقويم التربوي للطلبة وتدريب المعلمين، وفحص السياسات والتخطيط الاستراتيجي في ضوء المتغيرات العالمية، فضلاً عن تقويم الكفاءة التنظيمية على مستوى التنسيق والاتصال بين مختلف الإدارات والوحدات بالوزارة، واللامركزية وآليات ضبط كلفة التعليم بالوزارة. كشفت الحوارات أثناء المؤتمر عن مواطن ضعف، تمثلت في انعدام وجود خطة تربوية واضحة، وتداخل الصلاحيات والمسئوليات الإدارية، وتضخم وندرة للخبرات النوعية ذات العلاقة بالمناهج، وعدد حصص لا يستوعب التطورات المتلاحقة، كما لا يغطي مضمون المنهج، وهناك ضعف توافق ما بين مناهج التعليم وحاجات المجتمع المحلي، وسوء توزيع الأوزان على أعمال الفصل والامتحانات. كل ذلك ذكرته الصحافة المحلية التي غطت فعاليات المؤتمر، يضاف إليها وقائع ورشة «تطوير التعليم والتدريب» التي عقدت في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، التي عرضت فيها الوزارة رؤيتها عن كون مخرجات النظام التعليمي الحكومي أقل من الدول المقارنة، بسبب مناهج التدريس، ونوعية طرائقه الضعيفة، وضعف تدريب المعلمين ومعيار قياس أدائهم ­ «الوسط»، 1 ديسمبر/ كانون الأول الجاري ­ كل ذلك، ومن دون شك يبعث على الدهشة، ويستوجب المزيد من كشف الأغطية عن مفهوم «جودة التعليم» ومؤشراته، بيد أن التحدي الفكري الذي أطلقه المفكر التربوي نخلة وهبة في كتابه «مسألة النوعية في التربية» ،2003 والذي بين فيه عدم قبوله بالاستخفاف بالمقولات والعناوين المتداولة، ولاسيما المتعلقة بمعايير «الجودة» وتحسين «النوعية»، ودعوته إلى تخطى السطحية بشأنها، وإثارة الشك والاستفزاز والتحليل المقارن للمفردات ورصد الآثار الجانبية السلبية لاستخدام تلك المفاهيم من قبل المروجي لها. أقول لا ريب إن ما جاء في كتابه يدعو القارئ لمقاربة أبرز عناصره وما تم التداول بشأنه عن «مفهوم جودة التعليم»، فالاطلاع ربما يمنحنا إجابة موضوعية وشافية للسؤال المنتصب أعلاه. الكتاب يستند على الأفكار الرئيسية الآتية: ­ الحديث عن «النوعية» وتداولها في الأدبيات التربوية الدولية والمحلية، ومن دون تعيين حدود دلالات المفهوم، أصبح «موضة» الخطاب التربوي الذي يطرح نفسه إصلاحياً ومستقبلياً، وكانت غالبية الدول العربية حلت كلياً مشكلة تأمين المقعد الدراسي لجميع أبناء الفئة العمرية القابلة للتمدرس، ولم يبقى أمامها لكي تكتمل «إنجازاتها التربوية، سوى الاهتمام (بنوعية) التربية وتحسينها، إن الخبرة اليومية المعاشة تؤكد اضطراب سلوك وزارات التربية والتعليم العربية حيال موضوع النوعية. ­ مفهوم «النوعية» سحر منتجي الخطاب التربوي بحيث أمسى لازمة حتمية وإطاراً عاماً لمعظم مشروعات التطوير والإصلاح الجارية والمستقبلية، فالساحة تزدحم بالمفاهيم التربوية المنحدرة من فلسفات اجتماعية واقتصادية متعددة ومتناقضة أحياناً، ومدلولاتها توحي بعناوين سياسات تربوية تتفاوت وضوحاً والتزاماً بقضايا العوز التربوي، فمفاهيم مثل: إلزامية التعليم، مجانيته، تكافؤ الفرص، ديمقراطية التعليم... إلخ، شغلت ساحة الإصلاح لزمن ما، ويبدو أن الغلبة هذه الأيام لمفهوم «نوعية التعليم». فالمشترك ما بين هذه المفاهيم انها من بنات المجتمع الدولي «المنظمات الدولية»، ودخلت على الخطاب التربوي الإصلاحي بغطاء ودفع دوليين. طبعاً لا اعتراض على فائدتها ونبلها إلا ان حظوظ نجاحها في الدول النامية ضعيفة، والسبب يكمن في التعاطي معها كملهاة من قبل الأنظمة التربوية لهذه الدول، إذ يمنحها مخرجاً لراحة الضمير والانخراط في التيار التربوي الذي تتولى إدارته المنظمات العالمية، كما تمنح مواطنيها خطاباً تربوياً مواكباً للخطاب التربوي الدولي مع علمها المسبق بصعوبة وباستحالة تطبيق مضمون الخطاب على المستوى المحلي، فتبني المفاهيم التربوية الدولية يسمح لصناديق التمويل العالمية بالتدخل المباشر وفرض التوجهات والنماذج الذهنية والفكرية التي تريدها الدول الصناعية. ­ لابد من اعتماد أكثر من سبيل لمقاربة الظاهرة الواحدة، فالرقم والكيف توأمان حقيقيان ويتعاضدان في إنتاج ما يسمى بـ «الجودة»، إن المعرفة السطحية والمهارات الأساسية الأولية لا تكفي لتحقيق جودة عالية في الخدمة المنتجة، حتى لو كانت البيئة المحيطة على درجة متقدمة من الحداثة التكنولوجية، والمطلوب تمثل الإتقان وهاجس تجاوز الذات والعمل الجاد. هناك اختلاف بين المواصفات، فالعادي في ثقافة ما، يعتبر إنجازاً في ثقافة أخرى، أو فعلاً مشيناً في ثقافة من نوع ثالث، وعليه فإن مستويات مفهوم «الجودة» تتغير بتغير معطيات المجتمع وتوقعاته عبر الزمن داخل الثقافة الواحدة، ومفهوم الجودة هنا لا يعني «العادي» أو المقبول، كما لا يعني «الندرة». ­ غالبية الأنظمة التعليمية العربية تربي عقول أبنائها استناداً على تنميط استخدام تلك العقول وذلك بتقنين هذا الاستخدام، الخطورة هنا تتم بعقلنة استخدام العقل، وبالتالي يتحول الفرد العقلاني إلى فرد ممسوح الشخصية، لأنه يتجنب إبداء رأيه ليظل موضوعياً ويأنف اتخاذ موقف محدد لكي يحافظ على علمية وجهة نظره، هذا في ظل نشاط الفيروس الإيديولوجي كلاعب أساسي بدءاً من لحظة تماهي العقلانية بالعلمية. ­ وفي مسألة مؤشر «الجودة» وثباته كأداة، فإن تشابه النتائج لا يعني البتة ثبات كفاءة الأداة بقدر ما يعني ثبات معارف الطلبة، أي عدم تقدمهم خلال الفترة الزمنية التي فصلت جلستي تمرير الاختبار. والمؤلف يشير إلى ان «المؤشر التربوي» يتماثل مع البرهان، فهو لا يتكون بذاته إنما بإرادة خارجية واضحة الهدف والتوجه، ليس له مصدر مادي طبيعي وثابت ينتجه، إنما يصنع عند الحاجة وبحسب الطلب بعد وقوع الحدث وبناء على إرادة واعية بضرورة تعقبه وإن مدته لا يجب أن تتجاوز سنة. لكنه في الوقت ذاته يثير الشكوك بشأن ­ أية المؤشر التربوي ­ بالسؤال عن أغراضه: هل هو لتشخيص حال النظام التربوي؟ أو تحديد مواقع التدخل لإصلاح النظام؟ أو لعب دور جرس الإنذار من دون تعين مصدر الخلل وأسبابه؟ أم الاطمئنان على حسن سير عمل النظام التعليمي وتصويب مساره عندما تضعف إنتاجيته وتتدنى جودته؟ أم أنه يستخدم كأداة لتقويم بعض الأنظمة التعليمية ومنحها الوسيلة الشرعية لطمس بعض تقصيرها؟ ­ يحدد السمات المشتركة «لمؤشرات الجودة، لكي توصف بأنها نوعية ومنها: إنها تفتيتية، لا تلتفت إلى سيرورة الفعل بل تركز على حضور ­ غياب أحد عناصر البيئة التي يجري داخلها الفعل (العملية التعليمة). وانعزالية، لا تستطيع الانطلاق لأكثر من قضية واحدة وخصوصاً بالنظام التربوي، ولا توجد علاقة إنتاج متبادلة حتمية بين (السبب/النتيجة) أو أية علاقة عضوية، وهي غير حيادية، كما انها تراهن على وفرة المال، والمعلمين، وتأهيلهم، والتجهيزات، وهنا يشدد على ان مؤشر الأنفاق على التعليم لا يعني شيئاً محدداً، إذا لم يؤول داخل كامل الوضعية التي تكوّن النظام التعليمي، فبعض دول العالم الثالث تنفق على التعليم أكثر ما تنفقه بعض الدول المتقدمة، وهذا بالطبع لا يعني ان حال التعليم فيها أفضل. ­ بنية المؤشر التربوي المتداول، تعبر رمزيا عن تجريد الواقع من خصوصيته وصبه في قالب صغير واحد، وبالتالي لا يمكن لأي مؤشر المساهمة في تحسين الخدمة التربوية طالما إنه لا يهتم بأي مكون من مكونات الخدمة التربوية، ولكونه أيضاً يتوقف بعد تنفيذ عملية القياس خارجها، لذلك فهو، عاجز كمؤشر عن التأشير عن جودة الخدمة التربوية لعدم دخوله في التفصيلات الدقيقة سواء أكان على مستوى الفرد أو الوحدة التربوية، فعدد الطلبة في الصف، أو مستوى شهادة المعلم، أو حال تهيئة المبنى، لا يمكن أن تدل على مدى جودة التعليم والتعلم. الباحث هنا يثير أسئلة مهمة: هل الظروف الصعبة سيئة بالمطلق أم أنها في كثير من الأحيان تكون أحد المحفزات لتعلم فعال وعميق؟ هل المهمات وعي المسئولين والمربين بتدني مستوى التجهيزات مثلاً؟ أم ان الاهم: كيف استطاع المعلم والمتعلم استخراج أقصى الممكن من التجهيزات المتوافرة. وخصوصاً إذا كان المتيسر الحاضر يشكل نقلة نوعية لما سبقه؟ ­ استنتج صعوبة التعامل مع المنتج النهائي للمدرسة على انه سلعة، فالمدرسة لا تصنع سلعة، بل تقدم خدمة، وهناك فرق ما بين المدرسة، وسائر المؤسسات الخدماتية (الفندق، المصرف، شركة الطيران) بصفتها مواقع إنتاج خدمات استهلاكية، فبينما ينتهي الإنتاج في تلك المؤسسات عند لحظة انتهاء عمليات صنع الخدمة، فإن المدرسة تتابع عمليات الإنتاج للخريج. وفي السياق أوضح سمة الفروقات، بالمقاربة المثيرة ما بين خدمة الفندق والخدمة التربوية التي تقدمها المدرسة للطالب «الزبون»، فمن ناحية المدرسة فإن الهدف ليس تقديم «ترفيه» للطالب، بل إلى إدخاله في وضعية عمل جدي يتطلب تركيز ومثابرة، وبالتالي لا قيمة مضافة مباشرة، إنما إفادة حتمية مؤجلة، بينما يستنفد زبون الفندق الخدمة المقدمة له بمجرد فتح صنبور المياه. دخول الطالب إلى الصف، لا يعني ضمان استفادته من المعلم، حتى مع افتراض إصغائه ومشاركته في النشاط. زبون الفندق ينتفع فعلياً من الخدمات بمجرد تسجيل اسمه على لائحة نزلاء الفندق، بينما لا يوفر تسجيل التلميذ فرصة الانتفاع من الخدمة التعليمية من دون التفاعل معها وتمثل الخدمة التربوية وقيمها والانضباط داخلها والانتظام، كما ان الخدمة التربوية متكاملة ويصعب تفتيتها. في الفندق الزبون يحدد حاجاته من كم الخدمات وطبيعتها، وتوقيتها، بينم

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1186 - الأحد 04 ديسمبر 2005م الموافق 03 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً