الحديث عن «تقنين أحكام الأسرة في مملكة البحرين الواقع والتحديات» يتطلب طرح الموضوع بكل شفافية وصدقية، كما يتطلب كشف الأمور بما هي عليه حقيقة في الوقت الراهن، حتى نتمكن من دراسة الواقع دراسة سليمة ونعرف التحديات بشأنه ونواجهها أو نسعى إلى تذليلها أو الرد عليها بشكل سليم أيضاً، كل ذلك يجب ان يتم متماشياً مع الرؤية الواضحة بالنسبة إلى المبدأ الذي يتبنى موضوع «التقنين ضمن الأطر الدستورية والتشريعية والقانونية المنظمة لآلية التشريع في المملكة باعتباره هدفاً أساسياً بحد ذاته في هذه المرحلة». وباعتبار أن القانون المستهدف وما سيحتويه من مواد وتشريعات وإن كانت تعتمد الشريعة مصدراً رئيسياً أو حتى وحيداً لها، فهو في البداية والنهاية يجب أن ينظر إليه باعتبار أنه نتاج جهد بشري وإنساني يجب أن يهدف إلى إرساء المقاصد التي أرستها الشريعة في العلاقات الأسرية التي يجب أن تبنى على «المودة والرحمة»، «لا ضرر ولا ضرار»، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» وغيرها. وأنه من ثم يجب أن يكون في نهاية الأمر وسيلة قادرة على تحقيق الغرض منها في كل الأوقات، ما يعني أيضاً أن القانون يجب أن يكون قادراً على استيعاب ما يدور في المجتمع وما يحدث فيه من مستجدات. إن تحديد تلك المنطلقات في التعامل ووضوح الرؤية المتعلقة بالموضوع أمر مهم وضروري، حتى نتمكن من تحديد المطلوب بشأنه سواء المرحلي أو العام، وحتى تكون قراءتنا للواقع مبنية على تلك الرؤية والهدف أو الأهداف، وحتى يمكننا تحديد التحديات وكيفية مواجهتها بناء على تلك الرؤية وتلك الأهداف. وهو الأمر الذي أرى أنه يجب أن تتضافر جميع الجهود المؤيدة للتقنين من أجل تحقيقه في هذه المرحلة، وأن تكون هذه الورشة جزءاً من الفعاليات الأخرى التي تدور حول موضوع الأحكام الأسرية ومبدأ التقنين ضمن آلية التشريع الدستورية، بحيث تخلق كل الجهود كماً تراكمياً في المعرفة وفي المواجهة الايجابية للتحديات والوصول لتحقيق الهدف.
لمحة مختصرة بشأن تقنين أحكام الأسرة في مملكة البحرين
باختصار شديد لبيان الواقع الراهن بالنسبة إلى قوانين الأسرة في مملكة البحرين يمكننا القول انه لا يوجد قانون للأحوال الشخصية أو لأحكام الأسرة في مملكة البحرين حتى تاريخه، على رغم أن المطالبة الشعبية المنظمة بدأت منذ ،1982 مع تشكيل «لجنة الأحوال الشخصية» التي تشكلت بمبادرة من الجمعيات النسائية العاملة في ذلك الوقت مع عدد من الشخصيات المستقلة والمؤيدة لصدور القانون. وجاء تشكيل اللجنة بناء على ما لاحظه مؤسسوها من مشكلات تعاني منها الأسرة البحرينية عموماً والمرأة والطفل خصوصاً بسبب غياب القانون المنظم للعلاقات الأسرية والتزامات وحقوق أفرادها المتبادلة في مراحلها المختلفة، وإفرازات غيابه السلبية على الأسرة وعلى الأحكام أو القرارات التي تصدرها المحاكم الشرعية عندما تفصل في المنازعات المحالة إليها والتي كان ومازال يغلب عليها انحياز الثقافة الذكورية التي هي ثقافة المجتمع السائدة. كما أن غياب القانون جعل أحكام المحاكم الشرعية بمنأى عن الرقابة القانونية من محكمة التمييز، بحيث تصبح الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف الشرعية هي أحكام نهائية لا يمكن الطعن فيها بعد ذلك بأي شكل من الأشكال حتى وإن كانت صادرة بالمخالفة لأحكام الشريعة باعتبارها النظام الواجب التطبيق. كما أن غياب القانون أدى إلى وجود خلل كبير وواضح في فصل سلطة التشريع عن سلطة القضاء، إذ أصبح القاضي هو من يضع ويحدد التشريع الذي يراه ملائماً للفصل في النزاع المنظور أمامه أو في إصدار أي قرار بشأنه، ثم يفصل أو يقرر بناء على ذلك. وأدى هذا الأمر مرة أخرى إلى تحيز الأحكام إلى ثقافة القضاة وموروثهم الاجتماعي فأصبحت الأحكام تصدر من دون أي تسبيب شرعي أو قانوني يحكمها، أو بالاستناد إلى الأحكام الفقهية التي تتناسب مع تفكير وثقافة القاضي. وساهم هذا الأمر في إيحاد حال عامة متأصلة من غياب الثقة بين المتقاضين والقضاة خصوصاً، وحال عامة من غياب الثقة بالمحاكم الشرعية بين الناس. وواجه موضوع تقنين الأحوال الشخصية، أو تقنين أحكام الأسرة، من بعده معارضة واسعة منذ بداية طرحه، وشملت المعارضة الحكومة والقضاة والدينيين من كلا المذهبين لسنوات طويلة. وفي بداية الألفية الجديدة تغير الموقف الرسمي وتبنت الحكومة دعم موضوع التقنين لأحكام الأسرة فقط. إذ صدر أمر ملكي بتشكيل لجنة من عدد متساو من القضاة الشرعيين من كلا المذهبين إلى جانب ثلاث محاميات لهن خبرة ودراية في الترافع أمام المحاكم الشرعية بغرض إعداد مسودة القانون، وقد باشرت اللجنة أعمالها وقامت بتدارس المواد التي يجب أن يتضمنها مشروع القانون والأحكام الشرعية المتعلقة بها واختيار أنسبها إلى حاجة الناس في الوقت الحاضر، وكانت اللجنة حريصة وهي تعمل على إعداد مشروع القانون الموحد الذي ينظم الأحكام الأسرية في البحرين على إدراك الاختلاف في بعض الأحكام بين معتنقي المذهب الجعفري ومعتنقي المذهب السني، بحيث أفردت مواد خاصة ببيان تلك الأحكام وتأكيدها بالنسبة إلى كل مذهب، وقد كانت طبيعة تشكيل اللجنة التي ضمت ثلاثة قضاة من كل مذهب تهدف إلى تحقيق ذلك بحيث لا يلزم مذهب بأمر لا يتماشى مع ما يؤمن به، وأنهت اللجنة عملها وأعدت مسودة المشروع الأولية التي رفعت إلى وزير العدل، إلا أن المواجهة التي قوبل بها الموضوع ووجود موضوعات أخرى في أجندة الحراك السياسي سواء الرسمي أو الشعبي جعلا موضوع تقنين أحكام الأسرة يتنحى إلى الخلف، وتوقفت اللجنة عن اجتماعاتها بعد أن أصبحت لا تعرف أمراً عن مشروعها. يذكر أنه بعد قراءة الحكومة والمجلس الأعلى للمرأة لواقع موضوع التقنين، ورغبة منها في تذليل أوجه المعارضة تم تعديل هدف التقنين بحيث اقتصر على أحكام الأسرة فقط من دون أن يشمل كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية أي تقنين مجموعة القواعد الشرعية التي تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم بسبب الزواج والطلاق وآثارهما من حيث الحقوق والواجبات التي تنشأ عن هذه العلاقة في جميع مراحلها، وهو بذلك ينظم الرابطة الزوجية وما ينشأ عنها من مصاهرة وولادة وولاية وحضانة وحقوق متبادلة باعتبار أن غالبية الشكاوى تنشأ عنها وكونها ذات طابعية نفسية واجتماعية واقتصادية، إلى جانب أن الأحكام الشرعية فيها متقاربة نسبياً في المذهب الجعفري والمذهب السني مقارنة بغيرها من أمور الأحوال الشخصية الأخرى كالمواريث والوصايا والهبة والوقف. وقد لاقى ذلك توافقاً من مؤيدي تقنين الأحوال الشخصية، بحيث أصبحت الحركة المؤيدة للتقنين تدعو إلى تقنين أحكام الأسرة فقط وليس كل الأحوال الشخصية. ويبدو أن هذا الأمر لقي استحساناً لدى بعض المعارضين الذين عدلوا عن موقفهم إلى تأييد الدعوة إلى التقنين. ذكرنا أن المعارضة سبقت الدعوة إلى التقنين، بل إن المعارضة هي السبب والدافع وراء تنظيم مؤيدي التقنين حركتهم بإنشاء لجنة الأحوال الشخصية التي سبقتها جهود متعددة من قبل الجمعيات النسائية والشخصيات الناشطة في مجال حقوق المرأة التي كانت تدعو إلى تقنين الأحوال الشخصية. وأخذت المعارضة منذ البداية سواء معارضة مبدأ التقنين من حيث الأصل، أو المعارضة لآلية التقنين بعد ذلك صبغة المعارضة الدينية، ونصّبت نفسها المدافع عن الدين أو الطائفة التي تنتمي اليها. ولم تقتصر المعارضة في البداية على طائفة أو مذهب واحد، إذ جاءت معارضة التقنين من المذهب الجعفري ومن المذهب السني أيضاً، أما موقف الحكومة فقد كان سلبياً في أحسن حالته تجاه إصدار القانون وابتعدت عن تقرير أمر صدوره وكأن الموضوع لا يعنيها، وأمام تزايد الضغط الشعبي العفوي والمنظم، والكشف عن واقع ما يدور في بعض المحاكم الشرعية وما يصدر عنها من أحكام وقرارات هي أبعد ما تكون عن روح الشريعة الإسلامية وأثر ذلك على الأسرة البحرينية عموماً وخصوصاً المرأة والطفل، ومع إقرار الجميع بوجود واقع غير مقبول ويجب التصدي له وتعديله بدأت المعارضة في تغيير بعض الأمور في موقفها. بالنسبة إلى الحكومة غيرت تجاه التقنين، فبعد أن كانت تقف مع المعارضين أو انها بعد أن كانت تراعيهم، قامت بتبني موضوع التقنين من خلال المجلس الأعلى للمرأة ومن خلال تشكيل لجنة مختصة لإعداد قانون أحكام الأسرة صدر أمر تشكيلها بقرار من الملك، إلا أنها على رغم هذا التغيير في موقفها لم تحاول في أي وقت من الأوقات الضغط على المعارضة أو الوقوف ضدها. وهو ما أدى إلى توقف عمل لجنة إعداد مشروع الأحوال الشخصية، كما أن التصريحات الرسمية التي كان آخرها بيان وزارة الشئون الإسلامية الصادر في 10 نوفمبر / تشرين الثاني 2005 يؤكد أنها (الوزارة) «على ثقة تامة بأن السلطة التشريعية لن تقر أي قانون ليس عليه توافق غالبية المواسطنين بما في ذلك قانون تنظيم الأسرة». وجاء هذا التصريح على خلفية المسيرة الجماهيرية التي خرج فيها عشرات الألوف من المواطنين المنتمين إلى المذهب الجعفري بتاريخ 9 نوفمبر ،2005 بدعوة من المجلس الإسلامي العلمائي تحت شعار: «نرفض قانوناً للأسرة يخالف الشريعة اليوم أو غداً». ويبدو أن الحكومة قررت ترك أمر التصدي لموضوع «الأحكام الأسرية» من جانبها إلى المجلس الأعلى للمرأة الذي تبناه بقوة من خلال طرحه للحملة الوطنية لإصدار قانون الأحكام الأسرية التي دشنت قبل شهرين، وكأن التقنين أمر نسائي فقط وعلى النساء التصدي له. من جانب آخر فإن المعارضة من المذهب السني وبعد تغير الموقف الرسمي لم تختر الصدام ومواجهة الموقف الرسمي أو الشعبي المؤيد للتقنين، وتركت أمره لغيرها وإن كانت تخرج بعض الآراء الحادة هنا وهناك ضد مبدأ التقنين أو برفع شعار «الضمانات الخاصة»، الذي بات شعار المعارضة في الوقت الحاضر بعد أن تجاوزت المعارضة مبدأ التقنين من حيث الأصل. وساهم في ذلك وجود الكثير من الشخصيات الدينية البارزة من المذهب السني المؤيد للتقنين منذ البداية، إلا أنها لا تختلف في المطالبة بتأكيد الضمانات الخاصة عند تعديل القانون ضمن القانون. وأود هنا أن أشير إلى ما تضمنه «مشروع الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية بتنظيم الزواج والطلاق والنفقة والحضانة طبقاً للمذهب السني» الذي كان يناقش في اللجنة المكلفة إعداد مشروع قانون الأحكام الأسرية من مواد تتعلق بالضمانات وهي المادة (141) من المشروع وتنص على أنه: «في حال إجراء أي تعديل على هذا القانون يجب الرجوع فيه إلى القضاة الشرعيين». والمادة (142) التي تنص على أنه: «يجب ان يتولى الفصل في هذا القانون قضاة من أهل الشريعة». أما بالنسبة إلى المعارضة من المذهب الجعفري فإن الأمر يختلف تماماً، ففي الوقت الذي أيد الكثير من رجال القضاة والدينيين التقنين ورأوا فيه ضرورة، خرجت المرجعية الدينية لتعلن موقفها المبدئي برفض مبدأ التقنين من حيث الأصل، ثم عدلت موقفها إلى التقنين مع ما أسمته بضرورة توافر «الضمانات الدستورية» لقبول مبدأ التقنين، ولم تعتمد المعارضة هنا أسلوب الإنصات والحوار وتبادل الفكر بالفكر في موضوع التقنين، بل اعتمدت سلطتها الدينية لدى المنتمين إلى المذهب الجعفري في فرض موقفها من التقنين، ولجأت إلى الخطاب الديني الذي يجعل نفسه وصياً على ضمائر البشر ويبعدهم عن الواقع واحتياجاته بدعوى أن الأمر في مجمله يهدف إلى الابتعاد عن الدين أو أنه سيؤدي إلى إنكار خصوصية المذهب الجعفري وغير ذلك من التبريرات التي هي في الأصل اتهامات تجد صداها من حال انعدام الثقة التي ترسبت في ضمير وعقل الغالبية من معتنقي المذهب الجعفري والذين هم في غالبيتهم من أبناء القرى الفقيرة وممن يستشعرون بالتمييز الطبقي والطائفي في حياتهم اليومية. وجعلت هذه المعارضة من الدين والانتماء المذهبي وسيلة لها وأداتها في المواجهة، إذ انها تنطلق من وصم مؤيدي التقنين بالعلمانيين أو بمؤيديهم، كما أنها جعلت تشكك في مقاصد مؤيدي التقنين الآنية والمستقبلية أيضاً، بحيث ناصبتهم العداء منذ البداية ورفضت مبدأ الحوار واعتمدت أسلوب المواجهة والتحدي والتهديد وتأليب الشارع وتأجيج النفوس واستغلال سلطتها الدينية في وسم معارضة مشروع التقنين بأنه «واجب شرعي» دعت إليه المرجعية الدينية التي لا يرجع إلى أمر بعد أمرها. وقالت إن أية أسرة تؤسس بناء على القانون في حال صدوره بعيداً عن ضماناتها الموضوعية من جانبها ستكون مؤسسة على أساس غير شرعي. كما أن المعارضة من المذهب الجعفري اتخذت من قدرتها على التأثير أو بمعنى أدق من سلطتها على أبناء طائفتها قوة تلوح بها في وجه مؤيدي التقنين بالآلية الدستورية المقررة للتشريع، وقد كان الحشد التاريخي لاعتصام الأربعاء 9 نوفمبر ،2005 تلويحاً واضحاً بتلك القوة وهو ما جعل الحكومة تصرح في اليوم التالي بأنها لن تفرض أي قانون لا يرتضيه الناس حكماً لهم. وفي هذا الصدد فإننا نقدر موقف المجلس الأعلى للمرأة الذي قام بالرد العلمي والقانوني على تلك الضمانات التي يطالب بها المجلس الإسلامي العلمائي ودعوته إلى الحوار المفتوح بشأنها وبشأن كل ما يتعلق بموضوع التقنين إذ ان انفتاح العقل والحوار المتمدن هو الكفيل بتقارب الآراء والمواقف وإزالة أي شكوك.
في بيان واقع الحركة المؤيدة للتقنين
دراسة الواقع الراهن لموضوع قوانين الأسرة في مملكة البحرين تتطلب دراسة كل الأبعاد والأطراف والأمور المعنية به. ومن ثم فإن إدراك طبيعة المعارضة وأسبابها وآلية مواجهتها أمر ضروري من أجل معرفة التحدي أمام الطرف الآخر وتحديد موقفه من تلك المعارضة وأسلوب التعامل معها بإيجابية يتحقق معها الهدف الوطني العام وهو وحدة أبناء الوطن في حقوقهم وواجباتهم. ولا يتحقق ذلك إلا من خلال تضافر الجهود بين مؤيدي التقنين الشعبي الذي تقوده لجنة الأحوال الشخصية التي تمثل الجمعيات النسائية الشخصيات المستقلة من النساء والرجال والرسمي الذي يقوده المجلس الأعلى للمرأة، إلى جانب دور لجنة العريضة النسائية التي برزت أخيراً. إن الملاحظة العامة على الحركة المؤيدة هو ضعف التنسيق بينها، الذي قد يعود في رأيي إلى «وجود بعض الحساسيات» مصدرها طبيعة الجهة «رسمية»... «شعبية»، وأشير في ذلك إلى تصريح الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة عن ذلك بالنسبة إلى الحملة الوطنية لإصدار قانون الأحكام الأسرية إذ ذكرت أن المجلس خاطب 41 جمعية من مؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في الحملة الا أنه لم يتلق استجابة ايجابية إلا من ثلاث جمعيات فقط. إلى جانب ذلك فإن اختلاف الأساليب المعتمدة لدى مؤيدي التقنين لتحقيق أهدافهم ساهم أيضاً في غياب التنسيق، وأشير هنا خصوصاً إلى عدم توافق لجنة الأحوال الشخصية وغيرها من الجمعيات مع بعض الأساليب التي اعتمدتها لجنة العريضة النسائية من توجيه اتهامات ورفع شعارات استغلتها المعارضة ضد مؤيدي التقنين، ما أدى إلى أن تكون هناك أجندة خاصة لكل جهة المشترك بينها محدود للغاية ويتم في حدود ضيقة وبشكل حذر وهو أمر بالتأكيد يساهم في إضعاف الحركة وتشتيت جهودها وتضارب شعاراتها في بعض الأحيان... وهو ما نرى أنه أكبر تحد أمام المؤيدين في هذه المرحلة. التحدي الآخر هو قدرة الحركة المؤيدة للتقنين هنا على إيجاد حركة جماهيرية عريضة مؤيدة لها بالكيفية التي تمثلها المعارضة أو بكيفية قريبة منها على أقل تقدير... وهو ما أرى يمثل أكبر تحد لها باعتبارها حركة، إذ يجب ان تنتقل الحركة إلى الناس بأجندة مستقلة وواضحة في تحقيق أهدافها. ويجب ألا يكون الأمر نابعاً من المقارنة فيما يمكن حشده هنا أو كما تحاول المعارضة جرها إليه وذلك عندما تلوح بقوتها وقدرتها على تسيير الناس، فهو أمر لا يملكه المؤيدون... هم لا يملكون السلطة على الناس ولا يستمدون قوتهم من فرض المواقف عليهم... ولكنهم يملكون الفكر وهو أمضى وسيلة لديهم، لذلك عليهم التمسك به وبالدعوة إلى الحوار المتمدن الذي ينطلق من مبدأ الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية والابتعاد عن تسيس أمور الناس في أخص خصوصياتهم وأكثر الحقوق لصقاً بهم. الأمر الآخر هو أن المؤيدين لموضوع التقنين هنا اتخذوا من واقع المحاكم الشرعية سواء بالنسبة إلى آلية عملها والترافع أمامها أو ما يتسببه غياب المحاكم الشرعية المستعجلة ومحاكم التنفيذ المختصة وتزايد كم القضايا ومحدودية المحاكم من تأخير في الفصل في المنازعات أو ما يصدر عنها من أحكام متحيزة إلى الموروث الاجتماعي للقضاة وموقفهم من المرأة وحقوقها في المنظومة الأسرية، إلى جانب ما تعانيه الأسرة البحرينية من مشكلات أخرى تتطلب التدخل بالنصح والإرشاد سبباً في دعم موقفهم المؤيد لإصدار القانون، إلى جانب الأسباب الفكرية الأخرى من أهمية التشريع المكتوب لتسهيل الأمور بالنسبة إلى المتقاضين والقضاة وتفعيل دور الرقابة على تطبيق أحكام القانون في المحاكم الشرعية... وهي في كل ذلك كانت تؤكد وتتمسك بأن المجتمع البحريني لن يرتضي في أي وقت بقانون ينظم أحوال الأسرة تكون أحكامه متعارضة مع الشريعة وما تتضمنه من ثوابت ومقاصد. وقد ردت المعارضة على ذلك بأن كل تلك المشكلات لن تحل بالقانون وأن أسبابها لا تعود فقط إلى غيابه بل لأسباب أخرى وهو ما أود تركه للجلسة المقبلة عند الحديث عن إصلاح القضاء الشرعي. الأمر الآخر هو ما يدور الآن من رأي يقول هل نحتاج إلى قانون واحد أم إلى قانونين؟ ومن واقع فعلي فإن هناك مشروع القانون الموحد والمعد من قبل اللجنة التي عينت بأمر ملكي (ولا نعلم مصير هذا المشروع وأين أصبح)، وهناك مشروع آخر لتنظيم أحكام الأسرة لدى المذهب السني قدم إلى البرلمان، (لم أطلع عليه ولن أتمكن أن أدلي بأمر بشأنه) وذلك على خلفية أن أبناء هذا المذهب يريدون التقنين وإذا كان أبناء المذهب الجعفري غير مقتنعين بذلك الآن فأمرهم متروك لهم. وهناك مشروع ثالث تم إعداده من المرجعية الدينية لدى المذهب الجعفري وتم نشره في الصحف المحلية. وفي رأيي انه من الخطورة أن يتم التعاطي مع الموضوع من منظور طائفي بحت، فالحقوق بجب أن تكون مقررة لأبناء الشعب الواحد على نحو واحد من دون أن يعني ذلك تغليب طائفة أو مذهب على آخر، فالإسلام واحد وهو دين الجميع والاختلافات المذهبية قلت أو زادت هي من اجتهادات البشر ولكل الحق في التمسك بما يؤمن به من دون أن ننسى أن الأصل واحد، وقد حرص مؤيدو التقنين على التمسك بذلك في كل وقت، فمشروع القانون الموحد أفرد مواد مستقلة بكل مذهب عند الاختلاف. كما أن هذا الوضع أفرز رأياً آخر عبر عن ذلك وهو بإمكان أن يصدر القانون من ثلاثة أبواب مستقلة: الباب الأول للأحكام المشتركة والثاني والثالث للأحكام الخاصة بكل مذهب على حدة. إن التقنين لا يمكنه تجاوز الواقع ولا يمكنه أن يفرض مذهباً على آخر، بل على العكس من ذلك تماماً، فهو يقوم بيانه وتأكيده من خلال نصوص قانونية آمرة وواجبة التطبيق، كما ان تقنين أحكام الأسرة لن يؤثر على تقسيم القضاء الشرعي لدائرتين سنية وجعفرية، إذ إن التقنين وتقسيم المحاكم الشرعية أمران لا علاقة لأحدهما بالآخر كما أن مصدرهما التشريعي مختلف تماماً.
المقال ورقة عمل قدمت في ورشة عمل «حقوق المرأة وقوانين الأسرة في المنطقة العربية» عقدت في البحرين بين 19 و21 نوفمبر / تشرين الثاني الماضي
العدد 1185 - السبت 03 ديسمبر 2005م الموافق 02 ذي القعدة 1426هـ