العدد 118 - الأربعاء 01 يناير 2003م الموافق 27 شوال 1423هـ

مجلس التعاون والمطالب المستحيلة

عمران سلمان comments [at] alwasatnews.com

.

كما كان متوقعا صب الغاضبون والمتذمرون جام غضبهم على قمة مجلس التعاون الخليجي التي انتهت في الدوحة قبل أيام، وهو الشيء نفسه الذي يحصل كل عام، حتى ان البعض أدمن على إصدار شهادات «وفاة» كل سنة لمجلس التعاون، من دون طائل.

فهناك دائما محبطون، وهناك باستمرار تقييم سلبي لما ينتج عن القمة، حتى ليخيل للمرء أن دول الخليج هي دول عظمى تملك كل أسباب الإنجاز ومع ذلك فهي لا تفعل سوى إضاعة وقتها في الثرثرة والخلافات.

صحيح أن مجلس التعاون الذي تأسس قبل أكثر من 21 عاما، يملك من مقومات الوحدة الجغرافية والسياسية والثقافية ما يؤهله لاتخاذ خطوات أبعد تأثيرا في مسيرة التكامل والاندماج الخليجي، وان الخطوات التي اتخذت حتى الآن لا تعبر عن طموحات الكثير من الخليجيين.

وصحيح أن المجلس بحاجة إلى أن يضع لنفسه حدا أدنى من الأداء، وبما ينسجم مع مصالح دوله وشعوبه، لكن الصحيح أيضا هو أن سياسات ومواقف مجلس التعاون هي محصلة طبيعية لنوعية الديناميكية والحراك التي تعيشها المجتمعات الخليجية. فمجتمعاتنا أغلبها محافظ وتقليدي، يميل إلى الروتين والحياة الهادئة الرتيبة، ولا يمكن تصور حدوث نقلات كبيرة أو نوعية فيها في زمن قصير نسبيا، وحركة مجلس التعاون بالتالي تسير (كثيرا أو قليلا) وفق إيقاع حركة الشعوب الخليجية نفسها.

الأمر الآخر الجدير بالتوقف عنده، هو أن هناك من اعتاد على مطالبة المجلس باتخاذ مواقف سياسية راديكالية على المستوى العربي أو الدولي. ولا يُعرف لماذا يجب افتراض أن بمقدور دول الخليج أن تقوم بما عجزت وتعجز دول عربية كبرى عن القيام به!

إن هناك من يدعون إلى أن تتصدى دول المجلس وترفض استخدام الولايات المتحدة أراضيها أو قواعدها في الضربة المحتملة ضد العراق. ومن الناحية النظرية يمكن تصور حدوث ذلك، لكن على هؤلاء أن يشرحوا كيف يمكن ذلك من الناحية العملية.

إذا كانت دول كبرى وذات تأثير في السياسة الدولية لا تملك ولا ترغب في إغضاب الولايات المتحدة وكسب عداوتها، فلماذا على دول الخليج الصغيرة والضعيفة أن تفعل ذلك؟

إن عملية اتخاذ المواقف أو إطلاق الشعارات ليست سياسة بحد ذاتها، ولا تؤخذ من أجل المباهاة ودرء القيل والقال، وإنما لابد أن تعبر عن واقع الحال. وهذا الواقع يقول إن دولنا هي أبعد من أن تعتمد على نفسها في القضايا الكبرى كالدفاع والأمن، هذا قدرها ومن الخطأ أن تحمِّل نفسها ما لا طاقة لها به.

أنشأت دول الخليج قوة عسكرية مشتركة «درع الخليج»، وهي قوة متواضعة يمكن اعتبارها رمزية وتعبّر عن رغبة هذه الدول في أن يكون لها جيش موحد في المستقبل. لكن أحدا لا يتوقع أو يتوهم أن تتمكن هذه القوة مهما بلغ تسليحها أو عددها، من حماية دول الخليج أو الدفاع عنها في وجه قوى إقليمية كبيرة ومتمرسة في القتال. وقد أوضح غزو العراق للكويت وما تلاه من حرب الخليج الثانية ذلك.

قد يكون هذا الواقع مؤلما وقاسيا، لكنه الحقيقة. وهو واقع لا تنفرد فيه دول الخليج، وإنما هناك دول كثيرة في العالم تتشابه ظروفها مع ظروف دولنا تضطر بسببها إلى الاستعانة بالقوى الأجنبية بما في ذلك عقد اتفاقات الحماية والدفاع. ومثال ألمانيا وأوروبا عموما طوال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كما مثال كوريا الجنوبية واليابان واضحان.

نعود فنقول إنه من الطبيعي أن توجه إلى مجلس التعاون أو إلى قممه الكثير من الانتقادات بسبب سوء الأداء أو التقصير في تحقيق هذا المطلب التنموي أو ذاك. لكن من الخطأ تحميله فوق طاقته والطلب منه تحقيق مستحيلات تفوق إمكاناته، ويكفيه أنه تمكن من البقاء حتى الآن على رغم الهزات التي تعرض لها، بينما أخفقت التجارب العربية المماثلة. وقد قيل في الأثر رحم الله امرأ عرف قدر نفسه

العدد 118 - الأربعاء 01 يناير 2003م الموافق 27 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً