العدد 1178 - السبت 26 نوفمبر 2005م الموافق 24 شوال 1426هـ

الفلسطينيون يديرون معبر رفح لأول مرة في تاريخهم الحديث

فيما ينطلقون نحو الخارج وينتظرون الاستثمارات

محمد بوفياض comments [at] alwasatnews.com

شهد يوم الجمعة الماضي حادثا كبيرا في حياة الفلسطينيين بافتتاح معبر رفح الحدودي مع مصر جنوب قطاع غزة، ليكون للمرة الأولى في تاريخ الفلسطينيين تحت سيطرتهم. وفيما كانت آمال الكثيرين منهم أن يشكل نافذة لهم على العالم كي يعودوا الى وطنهم، فإن بنود اتفاق عمل المعبر ستكون بالمرصاد لغير المواطنين منهم. في الوقت الذي ذكرت مصادر فلسطينية لـ "الوسط" ان جميع المواطنين الخليجيين بإمكانهم زيارة القطاع والاستثمار فيه، وذلك بالتنسيق مع سفارات فلسطين في دول الخليج. وفي الحقيقة، أن اتفاق المعبر يكرس السيطرة الفعلية لسلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي على حركة تنقل الفلسطينيين، وخصوصا أن سلطات الاحتلال ستستمر في السيطرة الفعلية على حركة وتنقل أكثر من مليون وأربعمئة شألف فلسطيني من سكان القطاع إلى العالم الخارجي. وسبق أن أعلن في 15 الشهر الجاري عن توصل السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال إلى اتفاق ينص على فتح المعبر بحيث يتولى الفلسطينيون ومراقبون من الاتحاد الأوروبي إدارة الجانب الفلسطيني منه، على أن يتم نقل مقاطع بث حي من كاميرات مراقبة من خلال المراقبين الأوروبيين، فيما يراقب ضباط أمن فلسطينيون وقوات الاحتلال ما تنقله الكاميرات من غرفة تحكم على بعد عدة كيلومترات. فؤاد ربيع طالب جواز سفر فلسطيني، اعتبر فتح المعبر انجازا فلسطينيا وخصوصا أن بامكان الطالب الخروج للتعلم والمريض للعلاج ورجل الدين والمواطن للحج من دون الخضوع للمنع الاسرائيلي الذي كان يحظر على الشباب مغادرة القطاع. وذكر ربيع أنه تمكن يوم الاربعاء الماضي من العودة من الجزائر إلى القطاع بعد ان انهى تعليمه هناك، وحرمه الاحتلال من العودة للمشاركة في تشييع جثمان شقيقه محمد "20 عاما" الذي قضى مطلع العام الجاري. في المقابل، بدت الفرحة والسعادة واضحة المعالم على محمد رشاد الذي تمكن من العودة للقطاع لرؤية عائلته التي حرم من رؤيتها منذ خمس سنوات هي عمر الانتفاضة. ورشاد يحمل جواز سفر أردنيا لأنه نازح ولا يمكنه العودة من دون الحصول على تصريح زيارة، غير انه تمكن من العودة قبل افتتاح المعبر رسميا، مؤكدا أنه بعد العمل رسميا في المعبر لن يتمكن لا هو ولا أمثاله من العودة للقطاع من دون الحصول على تصريح زيارة وموافقة الجانب الاسرائيلي على ذلك.

الخليجيون والاستثمار

مدير الإدارة العامة للمعابر والحدود في السلطة الفلسطينية نظمي مهنا أكد ذلك قائلا انه سيتمكن كل مواطن فلسطيني يحمل جواز سفر وبطاقة شخصية فلسطينية من العبور عبر المعبر بحرية، وان كل من لا يحمل جواز سفر فلسطينيا لن يتمكن من العودة، وأن عودة هذه الفئة مرهونة بحصولهم على تصاريح زيارة من وزارة الشئون المدنية الفلسطينية بالتنسيق مع الجانب الاسرائيلي. وذكر مهنا لـ "الوسط" أن بامكان جميع المواطنين الخليجيين بمن فيهم البحرينيون زيارة قطاع غزة والاستثمار فيه، غير أن ذلك مرهون بالتنسيق مع سفارات فلسطين في كل دولة، كي يتمكن أي مواطن خليجي من الحصول على موافقة للقدوم إلى القطاع. وأضاف مهنا أن الإدارة الفلسطينية لمعبر رفح، استكملت جميع استعداداتها الفنية والتقنية لبدء استقبال المسافرين، وأن ثمة تعليمات واضحة وصريحة من الرئيس محمود عباس، ووزير الشئون المدنية محمد دحلان، إلى جميع العاملين في المعبر، بالعمل من أجل تسهيل حركة تنقل المسافرين ومساعدتهم، موضحا أن ثمة 124 عاملا فلسطينيا موجودون داخل المعبر، مهمتهم مساعدة المسافرين، ومعاونتهم، لتقليل معاناتهم قدر الإمكان. كما أوضح انه لن يحدث تغيير جوهري على آليات العمل، غير عملية تسريع الإجراءات، ما يقصر من وقت انتظار المسافرين، وأن ثمة مجموعة من الترتيبات ستضاف على الإجراءات المذكورة، وكلها تصب في مصلحة المسافر، من ناحية تسهيل إجراءات سفره. وفيما يتعلق بالتنسيق المصري الفلسطيني، أكد مهنا أن مستوى التنسيق جيد ومستمر، وأنه تم الاتفاق على مجموعة من الأمور خلال اللقاء الأخير الذي جمع الوزير دحلان والوفد المرافق له، مع عدد من المسئولين المصريين. وشمل الاتفاق إعفاء المواطنين ممن تقل أعمارهم عن 18 عاما أو تزيد على 40 عاما من الحصول على تأشيرة دخول إلى مصر، إضافة إلى الاستثناءات التي اعتمدها الجانب المصري في وقت سابق، وتشمل إعفاء فئات مختلفة من الحصول على تأشيرة دخول إلى مصر، مثل: السيدات والدارسين في المعاهد والجامعات المصرية، وحملة جوازات السفر الدبلوماسية، وإعفاء الوفود الرسمية ومرافقي المرضى المسافرين إلى مصر لتلقي العلاج، بموجب حيازتهم تحويلات مرضية من السلطة الفلسطينية، والأبناء القادمين بمرافقة والديهم، والتجار بموجب تنسيق من السلطة، وذلك وفقا للقواعد والضوابط المعمول بها، والتي تقتضي حمل الفلسطينيين جوازات سفر صالحة، وإقامة وتأشيرة عودة لحملة الوثائق الأخرى. وذكر مهنا أن عملية دخول الفلسطينيين بسياراتهم من خلال المعبر، قيد البحث والتشاور بين الأطراف المعنية، وقد يصبح ذلك متاحا خلال الفترة المقبلة، داعيا المسافرين الى إبداء أعلى درجات المسئولية، والتعاون مع الموظفين الفلسطينيين داخل المعبر، عبر اتباع التعليمات والنظم المعمول بها داخل المعبر وعدم مخالفتها.

المعبر الوحيد والمعاناة

ومعبر رفح الحدودي البري، هو الممر الوحيد الذي يربط قطاع غزة بالعالم الخارجي، وبقي مغلقا منذ 12 ديسمبر/ كانون الأول ،2004 باستثناء موافقة سلطات الاحتلال على فتحه لعدة أيام أو عدة ساعات، خلال الفترة الماضية، للسماح بعودة آلاف الفلسطينيين الذين كانوا عالقين على الجانب المصري، أو أمام سفر حالات استثنائية لبعض فلسطينيي القطاع بعد أن تضررت مصالحهم، وخصوصا المرضى والطلبة والعاملين في الخارج والمسافرين للعمرة والحج إلى الديار الحجازية. المحلل السياسي عبد القادر حماد أكد أن الفلسطينيين تكبدوا معاناة إضافية أمام استمرار إغلاق المعبر، وتحملوا أعباء مادية إضافية أثقلت عليهم بسبب ذلك، فيما عانى المسافرون ظروفا مأسوية وغير إنسانية، حرموا خلالها من التمتع بأبسط أنواع الخدمات التي تسد أدنى احتياجاتهم الأساسية، وخصوصا الأطفال والشيوخ والنساء. وذكر حماد أن الاتفاق يتيح السفر بحرية للفلسطينيين الحاصلين على بطاقة هوية فلسطينية، بينما سيحتاج موضوع غير الحاصلين على الهوية الفلسطينية إلى "بعض الوقت استثنائيا". ويتكون المعبر من ثلاث صالات كبيرة للمسافرين والقادمين والشخصيات المهمة، وممر خاص للبضائع الصادرة من القطاع إلى الخارج. وقد أعادت الطواقم الفنية الفلسطينية تجهيزها، بعد أن تركها جيش الاحتلال في حال دمار ومن دون أي معدات بعد الانسحاب في 12 سبتمبر/ أيلول الماضي.

الافتتاح بين التفاؤل والتشاؤم

الجانب المصري أكد ضرورة توفير حرية الحركة للمواطنين الفلسطينيين وتنشيط التبادل التجاري بما يكفل دعم الاقتصاد الوطني الفلسطيني. في المقابل، عبر وزير الشئون المدنية الفلسطيني محمد دحلان عن تقديره للجهود التي بذلتها مصر في هذا الإطار، مؤكدا أن السلطة ستبذل كل الجهود المطلوبة لضمان سير العمل في المعبر، مشيرا إلى أهمية المعبر بالنسبة إلى الفلسطينيين باعتباره الرئة التي يتنفس منها الشعب الفلسطيني ونافذة غزة إلى العالم الخارجي. الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبوردينة، قال إن الطاقم الأوروبي المكون من 70 ضابطا، والذي سيكون حضوره على المعبر خلال الأيام العشرة الأولى من تشغيله، بشكل كامل فقط، سيقلص تدريجيا ليصل الحد المتفق عليه، كما أن الكلمة الأولى والأخيرة على المعبر ستكون للطرف الفلسطيني، والوجود الأوروبي لن يكون بديلا عن الجانب الفلسطيني، ولا ممثلا عن الجانب الإسرائيلي، كما أنه لن يكون هناك أي حضور إسرائيلي. وأشار إلى أن العمل في المعبر، سيعيد الحياة والكرامة إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولاسيما أنه سيكون مفتوحا أمام حملة الهويات الفلسطينية، وأن افتتاحه يعتبر خطوة أولى باتجاه فتح المعابر الأخرى نحو الضفة الغربية والمطار والميناء، مؤكدا أن السلطة تريدها خطوة ناجحة من أجل أن تبني عليها مزيدا من الخطوات الناجحة. المبعوث الأوروبي لعملية السلام مارك أوت أكد بدوره أن افتتاح المعبر، وللمرة الأولى، يعتبر فرصة تاريخية للفلسطينيين، إذ سيراقب الفلسطينيون معبرهم بأنفسهم، قائلا: "إن هذا يوم مهم، لأنه بموجبه ستشعرون أن تغيرات قد طرأت على حياتكم، وستتمكنون من السفر والتنقل بحرية". واعتبر إدارة المعبر عملا مهما للدولة الفلسطينية، قائلا: "كل ما عملناه نحن الأوروبيين هو العمل على مساعدة الفلسطينيين على أن يمهدوا الطريق لدولتهم، ونحن سعداء أن نقوم بهذا العمل كشركاء... لأن معبر رفح هو المفتاح الرئيسي، ومفتاح بقية القضايا الأخرى". وبدوره أعرب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن أمله في تنفيذ الاتفاق وتحسن حال حرية حركة وتنقل الفلسطينيين، مشيرا الى ان هذا الاتفاق يعتبر خطوة إلى الأمام، وهو بهذا المفهوم إيجابي ولكن يبقى الأمر السلبي في استمرار خضوع المعبر من الناحية الفعلية لسيطرة السلطات المحتلة، وبقاء المعبر البري معبرا غير حر مع العالم الخارجي. وقال المركز في تقرير له إن صيغة الاتفاق تؤكد السيطرة الفعلية لقوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي على القطاع المحتل، والتي لم تنته بتنفيذ خطة الفصل عن قطاع غزة. وإن الاتفاق يحرم عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يقيمون في القطاع، ولا يحملون بطاقات الهوية، من حقهم في زيارة ولقاء باقي أفراد عائلاتهم المشتتة في الخارج

العدد 1178 - السبت 26 نوفمبر 2005م الموافق 24 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً