العدد 1177 - الجمعة 25 نوفمبر 2005م الموافق 23 شوال 1426هـ

هل اقتربت من المحظور؟

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

عادة أراقب نفسي رقابة ذاتية في كل مقال عشرات المرات، ليس تصحيحا ولا تنقيحا في المقال فحسب، بل حتى يكون لي شرف السبق في مراقبة مقالي قبل رقابة الآخرين، فأضع نفسي مكان بكر الصحافي، وزيد الديني، وعمر الأمني، وأضع نفسي احتراما لقارئي مكانه كي لا أمس مسلماته، ولا أخالف عاداته إلا بلطف وعناية لله فيهما رضا وللمجتمع هدى وصلاح. كان هذا ولايزال ديدني في كتابتي، غير أن مقال الأسبوع الماضي "أي اعتدال وأية وسطية"، ربما انعطف عن الجادة، واخترق الطوق الذي أسيج به كتابتي، فإن كنت فعلت ذلك واقتربت من المحظور، فقد كان ذلك حبا لوطني، وخوفا عليه من أن يمس أو يهان أو أن يفشل وتذهب ريحه، فيكثر الساخطون عليه، وتتداعى الأمم بقراراتها الدولية لتفتيته واستضعافه وتمزيقه. لقد تفاجأت حين فتحت بريدي الإلكتروني فوجدته معبأ بعشرات الرسائل. نعم، بعشرات الرسائل الغاضبة على الموضوع وما فيه من حديث واضح وصريح عن قناع الوسطية وستار الاعتدال الذي تمارس باسمه أعنف حالات الإقصاء والتهميش والتحريض التعبوي الكريه ضد مكونات المجتمع المختلفة. لقد عملت جاهدا أن أستوحي النقد الموجه لي من هذه الرسائل وأستخلصه في ورقة خصصتها لذلك، فما وجدت شيئا يمس الموضوع أو يتناول محتواه. وعلى كل تقدير، فإني أثمن الجهد الذي بذله هؤلاء المرسلون وأشكرهم جزيل الشكر على تفاعلهم ومتابعتهم مقالي، وسعيهم المشكور إلى التواصل معي وإسماعي آراءهم مباشرة وبكل صراحة وشفافية، أرجو الله أن تكون حالا دائمة لا انقطاع لها. كانت رسالتان من مجموع الرسائل متوافقتين مع الموضوع، أما الباقي فكانت في الضد تماما، ورسائل الضد هذه، كانت إما متحاملة بترسبات الماضي، والنقاشات التي لا جدوى منها في أمور يستحسن القول عنها إن كل فرد هو أقدر على حسمها ضمن منظومته الفكرية، أو كانت متهمة تحاول ربط ما أطرحه بتصرفات آخرين "دول وتكتلات وأفراد خارج سياج وطننا الحبيب"، ربما أساءت للأطياف الأخرى المتواجدة معها، وكأني ناطق رسمي باسمهم، أو مسئول عن تصرفاتهم أو راض عنها تماما، مع أن القرآن الكريم ينهى هؤلاء عن هذا الربط وتسرية العقوبة بقوله: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" "الأنعام: 164". أما الشكل الثالث من رسائل الضد فقد كان بأقلام ونبرات ممتلئة بالحقد والكراهية لوطننا كله ولمجتمعنا بأسره، ولم يعتد عليها مجتمعنا الطيب حتى وقت قريب، لذلك ارتأيت ألا أجيب عنها إلا بما قاله القرآن الكريم: "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل" "آل عمران: 173". ولكي أنطلق إلى ما يفيد القارئ، أقول إن ما أخشاه على وطني أولا هو أن نخدع من جديد بالشعارات ذات الطابع الديني من دون أن نتأمل في الفعل الخارجي والتوجيهات الميدانية والاستهدافات البعيدة لهذه الشعارات البراقة، تماما كما نحن الآن نجني ثمرة شعار الجهاد الذي وظف توظيفا خاطئا، وحرف عن مساره ليصل إلى الأعمال الإرهابية التي شهدتها بلادنا، ويشهدها العراق على مدار الساعة باسم الجهاد والمقاومة، وما تعرض له الأردن في الأيام الأخيرة. الوسطية والاعتدال شعاران دينيان يدغدغان المشاعر لأن معانيهما سامية وقيمة، لكن المهم أن نتأمل هذه الوسطية ومواقفها من كل شيء. لقد أمسك هذا التيار بالعصا من وسطها فلم يسلم أموره بتمامها للدولة ولم ينزلق في ممارسات إرهابية ضدها وضد المجتمع، بل أخذ يتحرك تارة في هذا الاتجاه وأخرى في الاتجاه المعاكس ليبقى قريبا وبعيدا من الاتجاهين "التسليم التام للسلطة - الممارسة الفعلية للإرهاب". طبعا لذلك أهميته، وقد تحدثت عنه في المقال السابق، لكن على صعيد الآخر "أي آخر في المجتمع يختلف معهم في الرأي"، فإننا لا نبصر في نهج العمل وأرض الواقع إلا التهميش والإقصاء، وأحيانا التكفير المبطن بواسطة الهمز واللمز، ناهيك عن طرق الدهاء التي تبقي مسافات كبيرة بين أطياف المجتمع ووجوداته المتعددة، فهل المحافظة على هذه المسافات واصطناع الحواجز، بل وترميمها أحيانا كلما أوشكت على التداعي وآلت للسقوط، هو من الوسطية والاعتدال؟ وهل قبض اليد وعدم بسطها للآخر والتداخل معه هو النهج الجديد للوسطية في بلادنا؟ إذا، فلنتأمل التطابق بين الشعار والممارسة حتى لا نخدع من جديد. أما ما أخشاه ثانيا على وطني ومجتمعي فهو أن يحتضن الإرهاب ضمن مسميات جديدة ويرعى رجالا بارعين يجيدون حياكة الألفاظ وصوغ التسميات، لكنهم فعلا يحرسون خنادق الإرهاب، وخصوصا حين يعود إليها روادها وقد أثخنتهم جراحات الحرب وأتعبتهم أزمات المطاردة والتتبع، وبدت قناعات الناس فيهم تنقلب رأسا على عقب. لو تأملنا المثال الأفغاني لوجدنا ذلك جليا وواضحا، فبعد الهزيمة التي تجرعتها "ميليشيات طالبان" راح مقاتلوها يبحثون عن ملاذات آمنة هيأتها لهم بعض القبائل الأفغانية وبعض القبائل والمدارس الدينية الباكستانية المتاخمة لحدود أفغانستان، الأمر الذي مكن عددا لا يستهان به من أفراد "الميليشيات الطالبانية" من الاختباء والاحتماء، كما مكن أعدادا من المقاتلين العرب من الفرار ليستأنفوا نشاطهم من جديد في مناطق أخرى من العالم ليس آخرها العراق ولا الأردن. إن الاحتفاظ بنسخة طبق الأصل - ولكن تحت مسمى جديد - هي تكنولوجيا النظم المعلوماتية وأجهزة الحاسوب المتطورة، التي تحتفظ بنسخ آمنة يمكن الاستفادة منها إذا تلفت النسخة الأصلية أو تعرضت للاستهداف، نعم ربما تحتاج إلى تنشيط بسيط كي تعود إلى العمل وتحل محل النسخة التالفة.

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1177 - الجمعة 25 نوفمبر 2005م الموافق 23 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً