لقد أخذت مسيرة الأربعاء "التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني" نصيبها الوافر من التحليل باعتبارها أكبر مظاهرة في تاريخ البحرين. البعض نجح من خلال وضع يده على الحقيقة والبعض الآخر تحفظ في حين أن البعض لم يجانب الصواب في تحليله، وهذا ناتج طبعا من الصدمة الحقيقية التي أعقبت المسيرة. في المسيرة خرج عدد كبير من المواطنين ليوصل كلمته في الشارع، رجالا ونساء، صغارا وشيوخا، أكدوا أهمية توافر ضمانات دستورية تحمي قانون أحكام الأسرة من التغيير أو التبديل لاحقا، بعد التصديق عليه. إلى جانب تأكيد أهمية إقراره من قبل المرجعية الدينية العليا ليطمئن الناس. وهذا ما تم التأكيد عليه خلال المسيرة، ولم يكن الأسلوب المتبع حيالها تحشيد الشارع. ويخطئ من يعتقد بأن ضخامتها جاءت من خلال التحشيد، إذ لا أعتقد بأن أحدا من المشاركين فيها لم يكن مقتنعا بالدور الذي يقوم به والهدف الأساس الذي من أجله شارك في المسيرة، فقد جاء هذا التجمع الكبير بعد عدد كبير من الندوات واللقاءات والمحاضرات التوعوية المتعلقة بقانون أحكام الأسرة. ويخطئ أيضا من يعتقد بأن هذه الآلاف المؤلفة التي خرجت إلى الشارع كانت تقف حائلا وعائقا أمام إصدار القانون لأنهم لا يرون أهميته وحاجته. بل أعتقد أن الجميع يتفق على أهميته، ولكن الاختلاف يأتي من خلال آلية الإصدار وكيفية الإقرار، إلى جانب توافر ضمانات دستورية تحميه من التغيير والتبديل في المستقبل، إذ لا أحد يضمن الظروف في الوقت الذي تغير فيه دستور البلاد نفسه بين عشية وضحاها، بعد التوقيع على ميثاق العمل الوطني. من هنا يتبين أن التوعية وليس أي أسلوب آخر كان وراء المشاركة الواسعة للجمهور. والحقيقة ان المشاركين خرجوا تلبية لنداء علماء الدين، بينما كانت بعض الأطراف الإعلامية تحاول تشويه الحقيقة بشكل أو بآخر، وسعى البعض إلى تحديد الرقم بحدود ،14000 بينما ذهبت تقديرات أخرى إلى الرقم ،150000 ويبدو ان هناك جهات حذفت صفرا من أعداد المشاركين. في مقابل ذلك، كانت أعداد المسيرة المؤيدة لإصدار القانون بالعشرات عند الكورنيش، ولكن بقدرة قادر تحول الرقم إلى مئات. شاهدوا كيف يلعب الصفر الذي لا قيمة له حينما يريد البعض أن يقول غير الحقيقة، والواقع يقول إن الصفر الذي أخذ من المسيرة الأولى أعطي للمسيرة الأخرى. الرقم له أهميته، إذ يعتبر دلالة على نجاح أية فعالية، إلا أن المشاركين رسموا لوحة غاية في الإبداع والأهمية، إلا أن الأهم هو ما كان يحمله المشاركون من تطلعات وأهداف يرجون تحققها من خلال حوار حضاري راق بين أصحاب القرار والاطراف المعنية، لا من خلال السكوت أو المناورة على أمل ألا تتحرك العربة إلى الأمام، بعيدا عن أي حوار أو توافقات. على أن أهم نقطة لم تأخذ حقها في الرد على الاتهامات التي وجهت إلى المرأة المشاركة في مسيرة الأربعاء، انها نعتت بنعوت لا تخلو من التطرف والعنف، والمؤسف أن تخرج هذه المرة من أفواه نساء. وكم هو مؤلم حينما تصف المرأة أختها المرأة، تحت أي ظرف، بالجهل وعدم الوعي بأهمية مطالبها، أو أنها في واد آخر غير الوادي الذي يفترض أن تكون فيه، حينها تشعر المرأة بالغصة والضجر والامتعاض. وباعتباري واحدة من النساء المشاركات في المسيرة، لتسمح لي أخواتي بالترافع عنهن، وليعلم الجميع أن الشارع النسائي الملتزم ومن ضمنه المشاركات في المسيرة، هو قطاع مثقف ومطلع وواع جدا، ومتابع جيد ويعلم بتفاصيل الأمور، وبالتالي فإن مشاركتهن في المسيرة تأتي لقناعتهن التامة بأهمية توافر ضمانات دستورية لصون القانون من التغيير، وبالتالي صون أنفسهن، ولو كن جاهلات لأصررن على أهمية إصدار القانون من دون توافر ضمانات دستورية مطمئنة. وبالتالي لا يجوز خلط الأوراق، فالنساء الكثيرات المشاركات هن بأمس الحاجة إلى توافر قانون لأحكام الأسرة، ولكن لا يرضيهن أبدا إلا أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد لإصدار القانون. والسرعة هنا معيار ليست له قيمة، فما الفائدة مثلا من الحصول على قانون اليوم، ولكنه يدخلنا في مشكلات لا حصر لها في المستقبل؟ عملية الاستعجال في إصدار قانون لا يحظى بقبول علماء الدين يمثل منزلقا لا يمكن الركون إليه. والنساء المشاركات في المسيرة واعيات جيدا بخطورة هذا المنعطف، لذلك خرجن للمطالبة والتأكيد على الاشتراطات المطلوبة للقانون. وفكرة الإصرار على توافر الضمانة الدستورية ليست بدعة، وإنما مطلب يجب أخذه في الاعتبار لا أن يتم تجاهله، وخصوصا أن القانون لا يخدم المرأة فقط وإنما الرجل أيضا، ولكن المرأة هي الحلقة الأضعف وبالتالي المتضرر الأكبر، ليعلم من يساوره الشك في القطاع النسائي الذي شارك في المسيرة أنه قطاع غير مجبر بل كان مخيرا بين إبداء وجهة نظره أو البقاء في البيوت، بدليل أنه لم تكن هناك عقوبة يخشينها من الامتناع عن الحضور.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1176 - الخميس 24 نوفمبر 2005م الموافق 22 شوال 1426هـ