لا شك ان الحديث عن موضوع التخصيص يرتبط في الوقت الحاضر بالتوجهات الحثيثة من اجل تحسين كفاءة اداء النشاط الاقتصادي، كما يرتبط بالجهود المتواصلة الهادفة الى توفير أرضية ملائمة كي يقوم القطاع الخاص بلعب دور اكبر في التنمية الاقتصادية. وبغية تنشيط وإغناء الحديث عن موضوع التخصيص، لا بد أن يطال الحديث الحوار بشأن القضايا الحساسة المتصلة به، وهي باعتقادنا أربع قضايا رئيسية، القضية الأولى وهي قضية شكل ملكية وادارة الشركات المخصخصة والامتيازات الممنوحة لها، والقضية الثانية هي موضوع العمالة والقضية الثالثة هي اسعار الخدمات المخصخصة والقضية الرابعة آليات الرقابة على الشركات المخصخصة. ونحن نحاول هنا ان نتناول هذا القضايا بضوء تجارب التخصيص في بلدان العالم. واذا ما اردنا الحديث عن القضية الاولى، نقترح الاطر العامة التي سبق للأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي أن اقترحتها ان يتم اختيار الشركة المناسبة التي ستتم اناطة تمويل وادارة المشروع بها من خلال مناقصة مفتوحة يدعى لها اكبر عدد من الشركات. كذلك تأخذ الشركة التي تؤسس لمشروع التخصيص شكل شركة مساهمة عامة تطرح ما لا يقل عن 40 في المئة من اسهمها للاكتتاب العام، ولا تقل نسبة المشاركة الوطنية فيها عن 51 في المئة. وتقترح الاطر كذلك ان يتم التعامل مع الشركات التي تؤسس لمشروعات التخصيص والتي لا تمنح ضمانات حكومية لشراء منتجاتها أو جزء منها، معاملة الشركات الصناعية من حيث ضريبة الارباح والرسوم الجمركية. وتدعو المقترحات كذلك ألا تمنح الحكومة لمشروعات التخصيص اية قروض ميسرة أو قروض من دون فوائد الا في اضيق الحدود. وفيما يخص هذه القضية، فإننا ومن خلال استعراض تجارب التخصيص في الكثير من بلدان العالم يجب ان نؤكد أن قرار التخصيص هو قرار سياسي في المقام الاول، أي انه يصدر من اعلى سلطة سياسية في البلاد لكي يأخذ صفة التنفيذ الجدي والشامل وبحيث يحدد هذا القرار الجهات التي ستتولى الاشراف على تنفيذه مع اعطائها الصلاحيات اللازمة للقيام بذلك والقطاعات والانشطة التي سيشملها قرار التخصيص. ان القرار السياسي الذي يعطي الضوء الاخضر لتنفيذ هذه الخطوة ضروري وخصوصا في الدول النامية نظرا إلى احتمال غياب المؤسسات الدستورية والتشريعية أو التنفيذية التي تملك السلطات الفعلية لاصدار مثل ذلك القرار. وفي المقام الثاني، فإن قرار التخصيص يجب ألا يمثل خطوة معزولة وقائمة بذاتها، بل ان يمثل جزءا من برنامج للاصلاح الاقتصادي. ان التخصيص ليست عصاة سحرية تشفي علل المجتمع الاقتصادية والاجتماعية. فهذه الخطوة تهدف في جوهرها الى توسيع مشاركة القطاع الخاص في ادارة المؤسسات الاقتصادية القائمة وذلك بهدف تحسين كفاءتها وانتاجها، الا ان هدف الدول النامية ومنها الدول الخليجية يجب ألا ينحصر في تحسين ما هو موجود من مؤسسات وانشطة فقط بل وتوسيعها وزيادتها كما ونوعا. بالاضافة الى ذلك فإن برامج الاصلاح الاقتصادي يجب ان تطال السياسات النقدية والمالية والتسعيرية والتجارية والقانونية، وهي جميعها سياسات وعناصر تمثل خطوطا متوازية احيانا، ومتشابكة احيانا اخرى مع برنامج التخصيص. وفي ضوء ذلك كله فإن تحديد ملكية وادارة الشركات المخصخصة، وكذلك طبيعة الامتيازات الممنوحة لها يجب ان يتم في ضوء الاعتبارات السياسية والاقتصادية المذكورة اعلاه، أي الاطار السياسي الاقتصادي الكلي لبرامج التخصيص، وهذا الاطار للاسف لم تقم الكثير من دول المنطقة بتحديده ومنهجته
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1172 - الأحد 20 نوفمبر 2005م الموافق 18 شوال 1426هـ