لست رجل دين ولا أدعي لنفسي أنني أفهم شيئا يذكر في الفقه والشرع، بالتأكيد هناك الكثيرون من الناس سيقولون لي مادمت لا تفقه شيئا في الأمور الشرعية فدع الأمور لأهلها ولا تقحم نفسك في شئون لست أهلا لها! الساحة الشيعية هذه الأيام تغلي، مجبر أن أقول ساحتنا الشيعية فهي دائمة الغليان في كل شيء وكأنها ساحة خاصة تهم أبناء هذا المذهب دون سواهم، حتى في قانون الأحوال الشخصية يريد الشيعة قانونا خاصا بهم مصدقا عليه من المرجعية الشيعية في النجف الأشرف. ولا يحق لأحد تعديل هذا القانون إلا بموافقة من تلك المرجعية. لم يقل لنا علماؤنا الأفاضل أين يختلف الشيعة عن إخوتهم من المذاهب الأخرى في المسائل المتعلقة بالزواج والطلاق والنفقة وما يتبع ذلك من أمور وقضايا ذات صلة، وأين يختلفون. لم يقولوا لنا لماذا لا يصدر قانون موحد وتفرد بنود وفصول خاصة لما يختلف عليه. لم يقل لنا رجال الدين قاطبة ومن كل المذاهب أين هم طوال هذه العقود من الحلول الشرعية في حل مشكلات الأسرة؟ عندما نرى ونسمع عن الكثير من المشكلات وبصراحة، نجد أن رجال الدين وبما يقررونه سببا في عدم إيجاد الحلول المنصفة لقضايا المرأة وقضايا الأسرة كل ذلك باسم الدين، ويجعلون أنفسهم فوق النقد! مخطئ من لا يلتمس العذر كل العذر لقضاة المحاكم الشرعية عندما يتأخرون في الفصل في قضايا الأسرة والميراث والوقف ومختلف القضايا الشرعية، لأنهم ببساطة ليسوا هم السبب في التأخير، فهم لا يستطيعون الفصل فيما هو معروض عليهم إلا بعد أن يحصلوا على الحكم الشرعي من المرجعية الشريفة في النجف أو في قم، فهم أناس غير مؤهلين ويجهلون أحكام الشرع، لذلك فهم مضطرون إلى إحالة تلك القضايا إلى تلك المرجعيات حتى يحصلوا على الحكم الشرعي اللازم، إذ لا توجد لديهم نصوص شرعية يستندون إليها في قضائهم! أعتقد أنها ضجة مفتعلة اختلقها البعض ربما لأسباب سياسية، وربما التمس بعض العذر لهم، فالسلطة هنا وهي طرف أساسي وبسبب سياساتها التمييزية جعلتهم يتهيبون كل الإجراءات وجعلتهم يشعرون بأن السلطة تريد أن تشطب خصائصهم كطائفة، وفي هذا التفكير خلط لا محل له. هل نحن محتاجون إلى موافقة من المرجعية الدينية في النجف الأشرف أو قم المقدسة على نصوص تتعلق بأحوال الأسرة معدة من رجال شرع معتبرين؟ لماذا لم ينتبهوا طوال العقود الماضية ويقوموا بإعداد نصوص تتوافق مع المذهب ويأخذوا رأي المرجعيات فيها؟ لماذا لم يقوموا بمناقشة مسودة القانون المقترح حتى يبينوا لنا أين تختلف نصوص هذه المسودة مع الشرع حتى يدافع الناس عن النصوص الشرعية ويقفوا ضد ما هو مخالف للمذهب والشرع؟ الجيد أن هذا الحادث جعل النصوص والقضايا التي تعاني منها الأسرة في الزواج والطلاق تحت نظر من يريد أن يناقش تلك النصوص وتلك القضايا بعيدا عن الجمود. بالتأكيد أن من سيناقش تلك النصوص وتلك القضايا سيوصم بالكفر والعلمانية وهي تهم معلبة جاهزة. لقد اطلعت على مسودة للأحكام الأسرية معدة من قبل بعض العلماء الشيعة، كما اطلعت على كتاب للإمام الخميني رحمة الله عليه اسمه "تحرير الوسيلة" يتناول فيه الكثير من القضايا المتصلة بالموضوع، بل وجدت أن كثيرا من نصوص تلك المسودة تتوافق مع النصوص التي أوردها الإمام الخميني. في الستينات من القرن الماضي أتذكر صبية جميلة وقتها لم يتجاوز عمرها الثالثة عشرة، تقيم مع أمها وزوج أمها، كان زوج أمها مدينا بمبلغ ما لأحد التجار الذي يبلغ من العمر ستين سنة أو يزيد، تم بيع تلك البنت لذلك التاجر مقابل أن يتخلى عن الدين المستحق له بذمة زوج الأم! وهذا مثال من آلاف الأمثلة والقصص المأسوية التي تحدث للمرأة وللأسرة وللأسف باسم الدين، ولا أشك أن رجال الدين على علم بها، فما الذي عملوه؟ أعود لمسودة القانون، فهو لم يحدد السن الذي يمكن تزويج البنت فيه، ولم يحدد الفارق المقبول بين سن الزوج وسن الزوجة. يا ترى هل من المقبول أن نزوج فتاة لم تتجاوز التاسعة من عمرها وربما تكون رضيعة على عجوز تجاوز الستين؟ نطمح أن نحصل على إجابة شافية ونص مقبول في أي قانون قادم يحدد السن المقبول والفارق المعقول. بالتأكيد أن أحد أهداف الإسلام النبيلة من الزواج هو تكوين أسرة سليمة تكون لبنة قوية في المجتمع المسلم، وأن هكذا زواج بالتأكيد لا يحقق هذا الهدف النبيل. وعلى صلة بهذا الموضوع يقول الإمام الخميني في الصفحة رقم 221 "المسألة 12" من كتابه "تحرير الوسيلة"، الجزء الثاني: "لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان النكاح أو منقطعا، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة، ولو وطأها وقبل التسع ولم يفضها لم يترتب عليه شيء غير الإثم على الأقوى، وإن أفضاها بأن جعل مسلكي البول والحيض واحدا أو مسلكي الحيض والغائط واحدا حرم عليه وطؤها أبدا، لكن على الأحوط في الصورة الثانية، وعلى أي حال لم تخرج عن زوجيته على الأقوى، فيجري عليها أحكامها من التوارث وحرمة الخامسة وحرمة أختها معها وغيرها، ويجب عليه نفقتها مادامت حية وإن طلقها بل وإن تزوجت بعد الطلاق على الأحوط، بل لا يخلو من قوة، ويجب عليه دية الإفضاء وهي دية النفس، فإذا كانت حرة فلها نصف دية الرجل مضافا إلى المهر الذي استحقته بالعقد والدخول، ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولم تثبت الدية، ولكن الأحوط الإنفاق عليها مادامت حية وإن كان الأقوى عدم الوجوب". يا ترى هل يمكننا أن نقبل هكذا نص أو هكذا فعل باسم الشرع؟ نرى أن فيه الكثير من الإهانة للنفس البشرية التي كرمها الله، ما هو ذنب هذه الرضيعة المسكينة حتى تتعرض لهذه المسلكيات؟ من هو الأب الذي سيقوم بتزويج هذه الرضيعة لمثل هذا الوحش؟ بالتأكيد أنه سيتسلم ثمن البيع. نتمنى من رجال الدين أن يثقفوا جمهورهم ونحن معهم بمثل هذه القضايا حتى يستطيع هذا الجمهور وهو يحتشد في المسيرات أن يعرف لماذا هو مشارك، بدلا من أن يقال له إن المشاركة واجب شرعي للدفاع عن الدين. أعتقد أن هذا النص يتناقض مع الفقرة "د" من المادة "6" من الفصل الأول من أحكام الأسرة وفقا للمذهب الجعفري المرفق بمسودة الأحكام الأسرية، إذ تنص هذه الفقرة على أنه "يشترط في صحة الزواج رضا الزوجين"، إذ نتساءل: كيف يمكن الحصول على رضا الزوجة التي لم تبلغ التسع سنوات، وربما هي رضيعة؟! نعتقد أن المسلمين جميعا محتاجون إلى تنظيف تراثهم من الكثير من الآراء التي تسيء إلى الإنسان وتسلبه إنسانيته وآدميته، وبالتالي تسيء إلى الإسلام برمته. أعود إلى المسودة المشار إليها التي نصها يتفق تماما مع ما جاء في كتاب الامام الخميني، والتي تنص على جواز أن يجمع الرجل بين زوجته وعمتها وخالتها "يجوز التزوج بعمة الزوجة أو خالتها وإن لم تكن الزوجة راضية بذلك"، المادة "17" فقرة "ب" من المسودة. بعد أن قرأت هذا النص وليسمح لى رجال الشرع الفضلاء توقفت أمامه كثيرا، وقمت بإجراء استفتاء شفوي بين الكثيرين من معارفي وأصدقائي وزوجاتهم والكثير منهم محسوبون على المسيرة الكبيرة التي تقدمها رجال الدين، ولم أجد من بينهم من كان يقبل بذلك، ولم أجد منهم من كان على علم بأن ذلك يجوز في المذهب الجعفري. كما قلنا فإن الإسلام يهدف من الزواج إلى خلق مجتمع قوي متماسك، فهل الجمع بين الزوجة وعمتها وخالتها يؤدي إلى مجتمع قوي متماسك؟! هكذا زواج بكل تأكيد سيؤدي إلى حرب في وسط الأسرة الواحدة وإلى تمزق اجتماعي وأسري لا حد له. نقول: إن تعدد الزوجات في كثير من حالاته يؤدي إلى تفكك الأسر وضياع الأولاد وفسادهم، فكيف بزواج يجمع بين الزوجة وعمتها وخالتها! لم نجد في مجتمعنا حدوث مثل هذه الزيجات كما أننا لم نقرأ في تاريخنا الاسلامي حدوث مثلها. ربما يكون هذا الزواج مشروطا بشروط لم نتبينها، ربما يكون هذا النص غير مقبول في الأحوال العادية ويكون مقبولا في أحوال استثنائية، كأن تكون هناك قلة من الرجال وكثرة من النساء يستدعي فيه الحال أن يجمع الرجل بين زوجته وخالتها وعمتها. جاء النص مطلقا وغير مقيد، نريد أن نتفهم الحكمة منه حتى يستطيع المنتمي للمذهب والمؤيد لهذا النص أن يدافع عنه. كيف لإنسان ما أن يتصور نفسه يتزوج عمة زوجته أو خالتها زواجا دائما أو منقطعا؟ بالتأكيد ستكون هذه الزوجة مسلوبة الإرادة عندما تقبل العيش مع مثل هذا الزوج. يقول الإمام الخميني في الصفحة رقم 221 "المسألة 11" من كتابه "تحرير الوسيلة"، الجزء الثاني: "المشهور الأقوى جواز وطء الزوجة دبرا على كراهية شديدة، والأحوط تركه وخصوصا مع عدم رضاها". نسمع عن الكثير من المشكلات والقضايا التي تعرض على المحاكم سببها قيام بعض الأزواج بوطء زوجاتهم دبرا استنادا إلى هكذا نصوص. ألا يشكل هكذا نص إهانة للمرأة وسلبا لإحساسها بالكرامة، مع أن الإسلام كرمها وأعزها ورفع من قدرها. أفادني هنا أحد الاخوة القانونيين المهتمين بقانون ينظم أحوال الأسرة بأن ذلك ليس موجودا عند الشيعة فقط، بل هو موجود لدى مذاهب أهل السنة، وزودني بصور عن صفحات من كتاب عنوانه: "فقه الجنس" لأحمد الوائلي، وبحسب اعتقادي فإن الكاتب هو أحد رجال الدين الشيعة، يذكر في مؤلفه هذا أدلة يقول إنها تؤكد جواز وطء المرأة من دبرها عند أهل السنة، وأود بهذا الخصوص أن أقول إنه حتى لو كان ذلك موجودا عند أهل السنة فإن الاعتراض على ذلك لا يختلف. ربما تكون مثل هذه الممارسات موجودة حتى عند غير المسلمين، لكن ذلك لا يعني التسليم بقبولها وصحتها. نتمنى أن يكون قانون الأحوال الشخصية واضحا في هكذا مسائل، كي يتم وضع حد للممارسات التي تحط من شأن المرأة وقدرها. جاء في الفقرة "ج" من المادة "15" من المسودة: "لا ينعقد زواج المسلم بالكتابية في النكاح الدائم وينعقد بها في المنقطع". من الكتابية المقصودة في هذا النص؟ البعض يرى أنه لا يوجد الآن كتابيون ويعتبرون أن من يسمون بالكتابيين الآن هم كفار؟ وإذا كان النص يقر بأن الكتابية مؤمنة، فلماذا يتم اضطهادها
العدد 1170 - الجمعة 18 نوفمبر 2005م الموافق 16 شوال 1426هـ