يبدو أن السيدة الفاضلة لولوة العوضي وهي الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة تصر على أن تطرح الحوار والجدل والجدل المضاد على صفحات الصحف كبديل عن الحوار الجاد المثمر بين طرفي النزاع بشأن إصدار قانون أحكام الأسرة، في وقت يدعي الطرف الرسمي توجيه رسالة للحوار الصادق مع المجلس الإسلامي العلمائي، ما يشككنا في جدية الحوار أصلا. وهو السلوك نفسه الذي انتهجه المجلس ذاته عندما أعلن عن رغبته في الحوار مع العلماء في حين انه قام بملء شوارع البحرين لافتات وإعلانات كلفت موازنة الدولة الكثير. ولعله من المناسب في هذا المقام التذكير بأمر غفل عنه عدد من الكتاب أو تغافلوا عنه وهو أن العلماء لم يطالبوا بقانون للأحكام الأسرية غير قابل للتعديل مستقبلا، وذلك لأن الظروف الحياتية قد تتطلب تعديل بعض المواد في القانون، وبالتالي فإن العلماء طالبوا بإضافة مادة في الدستور جامدة غير قابلة للتعديل، تنص صراحة على أن قانون أحكام الأسرة يجب أن يظل وفق الشريعة الإسلامية دائما، وأن من يمضيه هي المرجعية العليا في النجف "فيما يتعلق بالمذهب الجعفري". وبالنسبة إلى رد السيدة العوضي في مقالها ليوم أمس الأول "الثلثاء" والتي تستشهد بمواد المذكرة التفسيرية للدستور في وجود الضمانة الدستورية لإصدار قانون احكام الأسرة، فإنه من المناسب قبل الشروع في مناقشة هذا الطرح، ان نوضح أن هذا الدستور الجديد للعام 2002م ومذكرته التفسيرية كانتا نتاج اجتماعات غرف مغلقة وبعيدا عن مساهمات أهل البحرين من ذوي المعرفة القانونية والدستورية والقوى الوطنية بجميع توجهاتها، والتي أدى الإعلان عنهما من طرف واحد فقط "الحكم" وخلافا للمبدأ التعاقدي في إصدار الدساتير وكذلك لما نص عليها الميثاق صراحة إلى حدوث احتجاج شعبي وعلمائي كبير لازالت تداعياته مستمرة حتى الآن، من مقاطعة للإنتخابات النيابية واستمرار احتجاجات المواطنين في الشوارع احتجاجا على ذلك، فضلا عن شكوى مستمرة من قبل النواب من صعوبة ممارسة العمل البرلماني لضعف الصلاحيات. إن طريقة البحث عن دليل هنا ودليل هناك في مذكرة تفسيرية ونص في دستور هنا والشروع في تفسيرها وفقا لم يريده المجلس الأعلى للمرأة مستفيدة من مطاطية العبارات لا ينم في الواقع عن رغبة حقيقية في الاستجابة لمطالب ما يربو على مئة وخمسين ألف مواطن تظاهروا في الأسبوع الماضي والمضي في العناد من أجل إقراره بالآلية الحالية في تشريع القانون والتى تتيح للحكم التدخل بشكل مباشر في توجيه التشريع كما يعلم الجميع وكما يقر بذلك السادة النواب حينما يقولون صراحة إنه في حال رفضهم تمرير قانون ما فإن الحكومة ستمرره من خلال المجلس المعين وهي تصريحات منشورة. وبناء عليه فإن عدم تقديم الضمانة المجزية على بقاء قانون أحكام الأسرة شرعية وهي أحكام الله وشرعه وأحكامه الفقهية من طلاق وزواج ونفقة، فإن لنا الحق في التردد والتهيب والتخوف من الجانب الآخر في أنه يضمر النية والتوجه إلى تغيير هذه الأحكام مستقبلا، وذلك عن طريق الآليات المتبعة ولن تنفع حينئذ هذه الوعود والتفسيرات والتبريرات، ولعله من المناسب الاشارة دائما للوعود السابقة التى طرحت والتي لم تجد على أرض الواقع إلا غير ذلك. وأما فيما يتعلق بما استشهدت به الكاتبة من المذكرة التفسيرية ودستور العام 2002 فإنه يجدر بنا أن نبين أن هناك فرقا واضحا بين عبارة "الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع" بحسب الدستور وبين عبارة "الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي أو المصدر الوحيد للتشريع"، إذ إنه بحسب العبارة الثانية نوافق على ذلك ولو على المستوى النظري، كما أن المذكرة التفسيرية تقول بالرجوع لمصادر تشريع أخرى بسبب احتمال حصول أمور لم يضع لها الفقه الإسلامي حكما، وفي هذا دليل على احتمال تخطي الشريعة الإسلامية، على رغم ان قناعتنا بان النظر في القضايا المستحدثة هو من إختصاص الفقهاء في مجال استنباط الحكم المطلوب، وللكاتبة أن تأتينا بأمر واحد ليس له حكم في شرع الله تعالى. كما أن زعم الكاتبة بأن الحاجة قد تدفع المشرع للتقنين من مصادر أخرى غير الشريعة الإسلامية وذلك مسايرة لمتطلبات العصر، تعتبر مغالطة خطيرة، ودليل آخر على ما ذهب إليه العلماء من تخوف ومطالبة بالضمان، وهو كذلك مرفوض عند علماء المسلمين قاطبة، فالإسلام دين الحياة، وهو صالح لكل زمان ومكان، ولا خلاف بين المسلمين جميعا على ذلك وإن اختلفت الاجتهادات في بعض الأمور. وأما بالنسبة لما جاء في المادة "6" والتي استشهدت بها الكاتبة ونصها: "تصون الدولة التراث الإسلامي"، فيكفي لوهنها أن كلمة "تراث" مازالت محل أخذ ورد، ولها أكثر من تفسير ويكثر حول مفهومها الاختلاف، فقد لا تفرق بين ما يجب حفظه وصيانته لأنه من أصل العقيدة أو الأحكام أو المفاهيم، وبين ما هو مجرد عادات وتقاليد يجوز التخلص منها، كما أن المواد الدستورية يصعب التحقق من تنفيذها على ارض الواقع العملي، والحكم على ذلك أمر نسبي ومختلف عليه، فالمادة "5" تتحدث عن ضمان المتعطلين عن العمل، وهذا غير موجود، والمادة "18" تتحدث عن المساواة بين المواطنين، بينما التمييز الطائفي لا ينفيه منصف، والمادة "9" بند "و" الذي يوجب على الدولة العمل على توفير السكن لذوي الدخل المحدود..الخ. هذه المواد وغيرها من المواد كلها منتهكة بنسبة كبيرة على صعيد الواقع، وبالتالي لا ينبغي اللجوء لمثل هذه المواد التي تعتبر أسسا ومبادئ عامة، فهذه المواد تحتمل أكثر من تأويل من جهة، ومن جهة أخرى، يصعب قياس مدى التزام الدولة وباقي الأطراف المعنية بتطبيقها. وذكرت الكاتبة المحترمة وجود ما أسمته بالرقابة السابقة على إصدار القوانين إذ تخول المادة "17" الملك "... أن يحيل إلى المحكمة ما يراه من مشروعات القوانين قبل إصدارها، لتقرير مدى مطابقتها للدستور". وهذه ليست ضمانة، فذلك حق لجلالة الملك وليس واجبا عليه وما حدث بالنسبة لقانون الجمعيات السياسية مثال واضح لعدم القيام بذلك رغم احتجاجات أقطاب المعارضة وكبار علماء البلد على مناقضته للمادة "31" من الدستور في تحديده لجوهر الحق والحرية. وأما ذكرها للمادة "33" التى تنص على "أن الملك هو الحامي الأمين للدين والوطن"، فنود أن نشير إلى أن المادة "70" من الدستور تمنع إصدار أي قانون حتى لو أقره المجلس الوطني ما لم يصدق عليه جلالة الملك.. وبالتالي فإن كل ذلك لا يعد ضمانة حاسمة وواضحة، ما يؤكد حقنا في المطالبة بضمانة غير قابلة للتعديل تلزم بشكل واضح كل الأطراف وكل السلطات بوجوب أن يكون قانون الأحكام الأسرية وفق الشريعة الإسلامية، ابتداء واستمرارا. وفيما يتعلق بعرض قانون الأحكام الأسرية على البرلمان والمحكمة الدستورية لإقراره أو تغييره الآن أو مستقبلا، فإنه يجدر بنا التأكيد على أنه لا يصح إلزام أهل الديانات والمذاهب الأخرى بتصويت المجلس الوطني، سواء كان هؤلاء المواطنون أقلية أو أكثرية، والمحكمة الدستورية ليست الطرف المختص لتقرر أي تغيير للقانون قبال أحكام الشرع، فهذا شأن الفقهاء والمراجع كل حسب مذهبه، فهم المختصون بهذا الشأن، وهذا ما دفع العلماء للمطالبة بالضمانة الدستورية لأي تعديل مستقبلي في قانون الأسرة بأن لا يتم إلا بموافقة كبار علماء البلد، وبإمضاء وتصديق المرجعية العليا في النجف فيما يتعلق بالمذهب الجعفري. وأما فيما يتعلق بإدعاء الكاتبة بتنزه المشرع عن التكرار في ذكر مصدر التشريع لقانون أحكام الأسرة رغم ذكر أن الاسلام مصدر رئيسي للتشريع في النص الدستوري فإننا نتساءل: وماذا بخصوص البند "د" من المادة "5"، ونصه: "الميراث حق مكفول تحكمه الشريعة الإسلامية"، فلماذا التأكيد على أن الميراث تحكمه الشريعة لو كان الأمر كما ذهبت إليه الكاتبة؟ ومثال آخر ما جاء في الدستور العراقي الجديد، فالمادة "2" منه تنص ضمن ما تنص عليه، أن "الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع"، وإنه "لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام"، كما ان الدستور العراقي نفسه وفي المادة "39"، تنص وبكل وضوح على الخصوصية المذهبية والدينية في شأن الأحوال الشخصية، وهذا نصها: "العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون". بعد كل ذلك، نتساءل: أين هي الضمانة الدستورية
العدد 1168 - الأربعاء 16 نوفمبر 2005م الموافق 14 شوال 1426هـ