لم يكن بوسع الكثير من الإعلاميين العرب وعلى رأسهم بعض صحافيينا المولعين بـ "شهامة" الزرقاوي ومقاومته العراقية أن يعلنوا شجبهم لتفجيرات الأردن بكل صراحة. لأن الشجب في هذا المقام يدخلهم في دوامة الازدواجية الفكرية التي لم يبرحوها يوما. وإلا ما الفرق بين ما تكبدته الأردن وما يتكبده العراق في كل يوم؟ إذا كانت الحجة "الشرعية" لاستباحة دم الأبرياء في العراق هي مقاومة المحتل، وإن استدعى ذلك إبادة كل المسلمين باختلاف انتماءاتهم، فإن الظرف لم يختلف هنا. فالأردن واحد من الدول العربية التي تقع - بحسب مخططات "القاعدة" - تحت السيطرة الأميركية، وبالتالي عليه أن يعد العدة كغيره من "الدول المستعمرة" لاستقبال مزيد من عمليات التفجير وسفك الدماء. وفي كل الأحوال لن تشفع لأي مواطن عربي هويته الإسلامية ليأمن على نفسه في جميع أقطار الأرض، وخصوصا إذا كان على اختلاف مع العقلية "الزرقاوية". ما لا يريد أن يستوعبه المنافحون عن القومية ومريدو حرب الاستنزاف هو حال الإرباك والغموض في البرنامج العام للحركة التكفيرية. لذلك، تراهم يدافعون تارة ويتحرجون أخرى، بل ويضطرون إلى الشجب والاستنكار في بعض المواقع كما حصل في الأردن. وربما نجزم بأنه لا يجرؤ أولئك المتشدقون في كتاباتهم بالبطولات التي يسطرها الانتحاريون كل يوم في العراق على سؤال أي عقل مدبر في هرم "القاعدة" عن استراتيجيتهم المستقبلية فضلا عن مناقشتهم في قناعاتهم "التكتيكية" التي تستهدف من هب ودب، وهم يدركون في نهاية الأمر أنهم لا يستطيعون إلا أن يطبلوا وحسب. غاية ما في الأمر أننا نواجه خطرا محدقا بحجم خطورة إنفلونزا الطيور الذي يهدد البشرية في حال انتشاره، بل الفارق هنا أن "إنفلونزا الإرهاب" انتشر فعلا، ولم يعد باستطاعة حتى الدول الكبرى إيقافه، فبشراكم بمزيد من الدماء البريئة، ولا تأمنوا الخلايا النائمة في أوطانكم.