العدد 1164 - السبت 12 نوفمبر 2005م الموافق 10 شوال 1426هـ

نحن نلغي الآخر

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

في ورقته المفتاحية بشأن حقوق الإنسان في الإسلام كتب المثقف والمفكر الشيخ حيدر حب الله في صحيفة "السفير" البيروتية 22 أكتوبر/ تشرين الأول ،2005 "إن الغرب الحقوقي والإنسانوي قد تقدم تقدما مذهلا في مشروعه الحقوقي بعد الحرب العالمية الثانية على صعيده الداخلي، إلا أن أزمة تعامله مع خارج حدوده الجغرافية لاتزال قائمة، وهذا إشكال حقيقي في الثقافة الغربية، لماذا لم تشمل الرؤية الحقوقية الإنسانية عند الغرب ما وراء جغرافيا أوروبا وأميركا؟ ولماذا لم تقو أصوات مناصري الإنسانيات لوضع حد للاستبداد الغربي؟". تناقض واضح يكتنف الثقافة الغربية والإنسان الغربي في احترامه لحقوق الإنسان، فإنسان أميركا وأوروبا يختلف عن إنسان غيرهما من البلاد والبقاع الجغرافية في دائرة التعامل ومنحه الحقوق، ولهذا التناقض حديثه الخاص والمثير جدا، غير أني أريد التركيز هنا على أن هذا التناقض على رغم فجاجته لم يستطع أن يحرم الغرب نصيبه الوافر في تسويق وضعه وثقافته ورؤاه باعتباره حاميا لحقوق الإنسان، وأن يحاسب الدول الأخرى على هذا المبدأ باعتباره منح إنسانه قدرا وافرا من هذه الحقوق. ذلك كله يكشف الطريقة الغربية في نشر المفاهيم وتسويق الأفكار وتصدير الرأي وترميز النماذج الواقعية. إنهم يصنعون واقعا متماسكا خاصا بهم ثم يطلقون له العنان ليفرض نفسه باعتباره واقعا ملموسا محسوسا يحمل نفسه قبل أن يحمله الآخرون، وتصعب مغالبته بالكلمات والشعارات والخطب الرنانة، واقعا يزحف بثقة وجرأة ويؤثر في عقول الكبار والمثقفين قبل الشباب اليافعين. في عالمنا العربي والإسلامي تنعكس هذه الطريقة رأسا على عقب، إنها ممارسة قفزية حظيت بالكثير من القبول النفسي عندنا وأصبحت مستساغة في مناحي حياتنا المختلفة، فنحن حين دعتنا الضرورة إلى تسويق أنفسنا وتحسين صورتنا، تغافلنا الواقع الداخلي ولم ننفق عليه جهدا وزمنا كافيين لمعالجة آلامه المزمنة، وترسباته التي طال عليها الأمد، فقست على التحضر والتمدن، على النقيض من ذلك تماما تركناه يشخب بدمه وانطلقنا للعالم الخارجي نبشر بأمرين، الأول هو التمنيات النظرية العامة التي يعبر عنها مثقفونا ودوائرنا الرسمية في نظرتنا التي يجب أن تكون للآخر، وفي هذا المضمار حاولنا حلب التاريخ كي نستنطق بعض الشواهد منه، وقد تمكنا فعلا من الحصول على قصص كثيرة عن الرسول "ص" وعن أصحابه وهم يشيعون جنازة ليهودي هنا أو يتعاملون بالحسنى هناك مع من حاربهم وخالفهم وأخطأ في حقهم وباينهم في الدين والاعتقاد. والأمر الثاني هو اننا رفعنا القرآن الكريم عاليا على أكفنا، وبدأنا نخاطب العالم: ها هنا كل ثقافات حقوق الإنسان، وهنا رسمت معالم الطريق الفاصلة بين بعضنا والمنظمة لعلاقاتنا، وإن اختلفنا وتباينا وافترقنا، على قاعدة "لكم دينكم ولي دين"، ورحنا نسمع العالم ونتلوا عليه قول الله تعالى "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين". لقد نسينا في غمرة ذلك كله "التشبث بالتاريخ والتمترس بالقرآن الكريم" أن نرفع الواقع الداخلي إلى مصاف النظرية القرآنية، فنحن كمسلمين لا يعترينا شك في القرآن الكريم وإكرامه للإنسان، لكننا وللأسف نعيش خزي الواقع واضطهاد الحراك اليومي لبعضنا تحت مسميات متعددة. إن الغرب الذي نظن إيهامه بخطابنا الإعلامي عن كمال نظريتنا في التعامل مع الآخر، ليس ساذجا وغبيا، وليس بعيدا عن تقاتلنا في العراق، ولا عن احترابنا في باكستان، ولا حين استولى التشدد على أفغانستان، ولا عن فكرنا المتطرف في مختلف البلاد العربية والإسلامية، وهو قريب منا ويتابع ما يقرره مثقفونا وكتابنا عن علاقاتنا البينية، وعن اللاانسجام الداخلي بين مجتمعنا القابع على مساحة جغرافية واحدة، وسيعتبر الغرب أقوال هؤلاء بمثابة التقارير الموازية التي توضع جنبا إلى جنب مع الإعلام العام الموجه، والضجيج المفتعل الذي يغطي الأرجاء. لقد كتب متعب بن فرحان القحطاني في صحيفة "اليوم" بتاريخ 20 سبتمبر/ أيلول 2005 مقالا رائعا بعنوان "من ينصفنا من أنفسنا؟"، تحدث فيه بوضوح عن الصراع الداخلي الذي يعتري المجتمع السعودي بين الإسلاميين أنفسهم وبينهم وبين الليبراليين مستشهدا هنا بمقال للكاتبة مها فهد الحجيلان بعنوان "الليبراليون السعوديون"، وما انتابه من ردود غاية في القسوة والإقصاء، أما فيما يرتبط بإلغاء الآخر في التيارات الدينية فكتب: "بل وحتى داخل هذه التيارات الإسلامية نفسها تجد روح الإقصاء والأحادية تسري في عروق أبنائها فهذا يقلل من شأن ذاك وأولئك يتهمون بالعمالة آخرين، وقس على ذلك ما لا يخفى على من كان قريبا من دوائرهم. وأغلق الجميع الأبواب على أنفسهم وتمترسوا خلف أطروحاتهم ولم يسمع أحد من أحد!". أختم مقالي بكلمات جميلة ومعبرة، أخالها ذات مغزى صميمي بما أكتب حوله، للسيد محمدحسين فضل الله قرأتها في موقعه بعنوان "صناعة الشخصية بالحوار والانفتاح": "نحن مجتمع عدم الاعتراف بالآخر ولذلك هذا العنف، عنف الفكر ضد من يحمل فكرا آخر، عنف الدين ضد من يحمل دينا آخر، عنف الموقف ضد من يحمل موقفا آخر. إننا لا نعترف بالآخر، ولأننا لا نعترف بالآخر لم نستطع أن نكون مجتمعا يلتقي فيه الناس على التنوع ويلتقي فيه الناس على الفكر المتنوع والموقف المتنوع، ليكون الحوار القاعدة التي تتحرك فيها الحقيقة، لأننا لم نعترف بالآخر انطلقت مسيرتنا في هذا الاتجاه، الأب لا يعترف بأسرته أن يكون لها موقف يختلف عن موقفه، الرجل لا يعترف بالمرأة أن تكون شريكة له تفكر معه وتقف الموقف الذي قد يختلف معه..."

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1164 - السبت 12 نوفمبر 2005م الموافق 10 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً