العدد 1164 - السبت 12 نوفمبر 2005م الموافق 10 شوال 1426هـ

هل تريدون لبنان حرا مستقلا أم ساحة تجاذب للآخرين؟

فضل الله يسأل اللبنانيين:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

رأى السيدمحمد حسين فضل الله، أن الانفعال الذي اتسمت به السياسة العربية والإسلامية، إضافة إلى التواطؤ الذي تحركت به الكثير من المواقع هو الذي قاد المشروع الأميركي إلى قلب العالم العربي والإسلامي. وحذر من أن الإدارة الأميركية التي تتخبط داخليا ستسلك الطريق الذي تسلكه "إسرائيل" عادة بتصدير مشكلاتها إلى الخارج وتعميم الفوضى في المنطقة للتغطية على فشلها الداخلي. ودعا اللبنانيين بكل شرائحهم إلى حوار حول طاولة مستديرة ليحددوا موقفهم بشأن لبنان القادم، وهل يريدونه سيدا حرا مستقلا أم يريدونه ساحة تجاذب اقليمية ودولية مستمرة؟ وهل يتطلعون إلى عشائرية الطوائف أم إلى الدولة الجامعة والموحدة؟ جاء ذلك ردا على سؤال في ندوته الأسبوعية عن الانفعالية السياسية وخطرها الاستراتيجي على الأمة؛ وفيما يأتي نص الجواب: لطالما امتدح الإسلام العقل وخصه بالمكانة الكبرى، وجعل له المقام الأول بين سائر مخلوقاته، كونه الناظم لحركة الإنسان والضابط لمواقفه وتوجهاته والموجه له في سبل الحياة ومعتمده في سلوك الطريق الأفضل وفي تجنب المسالك الوعرة على مختلف الأصعدة. ولذلك، فإن الانفعال الذي قد يمثل حركة انقلابية على المسار العقلي كان ولايزال هو الخطر الذي يتهدد حياة الأفراد، وكذلك حياة الجماعات والأمم في المواقف التي تتخذ على أساسه أو في التوجهات التي تنطلق على أساس التوتر والحدة والانفعال، بعيدا عن تحكيم العقل، الأمر الذي قد يسقط مرحلة بكاملها، أو قد يسقط خطة جرى تدارسها على مدى عقود وأجيال، وقد قال الإمام علي "ع": "الحدة نوع من الجنون لأن صاحبها يندم فإن لم يندم فجنونه مستحكم". ولقد حث الإسلام على اعتماد الأسلوب العقلاني في مواجهة ما قد يطرأ على الإنسان من حالات انفعال فردية أو من خلال انفعاله بالجو العام من حوله، إذ كانت تعاليم النبي "ص" ووصاياه لمن ينفعل أن يجلس إذا كان واقفا، إذ إن المبادرة الأولى في تغيير الحركة أو السلوك تترك تأثيرها النفسي على الإنسان، فيلجأ بعدها إلى التفكير والتدبر ليتخذ الموقف عن دراسة وتمحيص وليتجنب السلوك الذي قد تفرزه حالات الانفعال الأولى. إن أهمية التفكر والتدبر لا تنطلق فقط من المعلومات التي يحصل عليها الإنسان عندما يجلس مع نفسه ليتأمل في حركة الكون والمخلوقات والكواكب وما إلى ذلك، ولكن أيضا في الثمرة الأخرى التي يقطفها الإنسان من خلال صياغته الذاتية لنفسه على أن تفكر بهدوء وروية ثم أن تعتاد على عدم الارتجال في التعامل مع القرارات المهمة أو حتى في التعامل مع بعض التفاصيل الصغيرة بطريقة حكيمة، إذ إن "النجاح في الأعمال الكبيرة قد يتوقف على النجاح في تجويد الأعمال الصغيرة"، كما في بعض الكلمات المأثورة. ولعل واحدة من أخطر أنواع الانفعالية تتمثل في ما قد يطلق عليه "الانفعالية السياسية"، سواء في ردود الفعل على الخصوم السياسيين أو في إطلاق الكلمات السريعة والحاسمة أمام واقع لا يحتمل ذلك، أو في الحكم على بعض الحوادث وبعض الظواهر السياسية من زاوية معينة من دون الالتفات إلى الزوايا الأخرى، فيأتي الموقف عشوائيا هادرا ثم تأتي النتائج كوارثية وصادمة، ولاسيما لجهة تأثيراته على الواقع الشعبي وانعكاسه على المستويات السياسية الكبرى في منطقة من المناطق أو حتى على مستوى العالم. ولقد كانت مشكلتنا في العالم العربي والإسلامي في العقود التي مرت، وفي ثنايا السنوات التي مضت منذ سقوط الخلافة العثمانية وصولا إلى ضياع فلسطين وما جاء بعده من حوادث جسام، إننا بنينا بنياننا السياسي على أحلام كاذبة أو على وعود هازلة أو على عواطف وأحاسيس غير صادقة، فكنا فريسة سهلة في لعبة الأمم، في الوقت الذي درس الغرب ردود فعلنا المتوقعة من خلال أحاسيسنا وانفعالاتنا الملتهبة، وعرف كيف ينصب لنا الكمائن على مستوى الأمة والشعوب. ولذلك، فإن كثيرا من المعارك التي انطلقت ضد اليهود في بداية المواجهة مع المشروع الصهيوني في فلسطين انطلقت من اللاخطة أو من الاستغراق في بطولات التاريخ، بعيدا عن رصد إمكاناتنا في مواجهة إمكانات العدو، وكانت الخطة المضادة أن ننتقل من هزيمة صغرى إلى هزيمة أكبر، وأن نتحسر على ما كنا نستطيع الحصول عليه بالأمس، وأن تكبر الشعارات وتتصاعد الكلمات وتتبخر الأرض من حولنا وتسقط القضية من يدنا، حتى أن اللعبة الدولية استطاعت تسخير المعارك التي كان بعضها مرسوما في خطة الإضعاف الكبرى التي أريد فيها للأمة أن تسقط بعد توهين وضعها، إلى أن استطاعت المقاومة في لبنان أن تستعيد زمام الأمور من خلال خطة مدروسة على أساس ضرب العدو في مواقع ضعفه بنقاط قوتنا، وعلى أساس النفس الطويل في العمل السياسي والجهادي. لقد سقطت بعض النماذج في واقعنا بالأمس القريب من خلال الانفعالية في إدارة الأمور ليتبين للكثيرين بعد ذلك أن الخطة الأميركية كانت تبحث عن الوسيلة التي تثير فينا ردود الفعل السلبية. وإنني أعتقد أن بعض ملامح هذه الخطة كانت تفتش عن الأسلوب الذي يجتذب رد فعل عنيف يفسح في المجال لأميركا - الإدارة أن تنطلق كالثور المسعور لتنشر الرعب والدمار والإرهاب والقتل في منطقتنا باسم الحرب على الإرهاب. إن الانفعال الذي اتسمت به السياسة العربية والإسلامية عموما، فضلا عن التواطؤ الذي تحركت به الكثير من المواقع هو الذي قاد المشروع الأميركي إلى قلب العالم العربي والإسلامي، وجعل أميركا على تماس أمني وسياسي مع كثير من دولنا، وباتت تقدم نفسها كضابط أمني وسياسي وحتى اقتصادي لحركة السوق السياسية والاقتصادية وبات رئيسها يتحدث بكلمات رسالية حتى عن مهمته الجهنمية في المنطقة. إننا لسنا في موقع توزيع الاتهامات، لأن علينا جميعا أن نتحمل المسئولية في إضاءة شمعة بدلا من صب لعنات متواصلة على هذا الظلام العربي والإسلامي الدامس، ولكننا في الوقت نفسه نعرف أن أميركا تتخبط على كثير من المستويات وهي تحاول في إدارتها المحافظة أن تسلك الطريق نفسه الذي رسمته "إسرائيل" على أساس تصدير مشكلاتها إلى الخارج وتعميم الفوضى في المنطقة للتغطية على فشلها الاقتصادي في الداخل، وكذلك فشلها السياسي على مستوى ما تزعمه من قيادتها للعالم، إذ تسببت هذه القيادة بأخطر وأعظم الكوارث التي يعيشها العالم وتعيشها المنطقة العربية والإسلامية، وخصوصا في النماذج العراقية والأفغانية والفلسطينية، وفيما يراد تصديره إلى لبنان ليكون بؤرة توتر سياسي تطل على توترات أمنية هنا وهناك. ولذلك، فإنني أتوجه إلى اللبنانيين جميعا، وبكل شرائحهم وانتماءاتهم في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة، ليجلسوا على طاولة حوار مستديرة ليحددوا موقفهم حيال لبنان القادم، وهل يريدونه حرا سيدا مستقلا، أم يريدونه ساحة تجاذب إقليمية ودولية مستمرة؟ وهل يتطلعون إلى عشائرية الطوائف التي يراد لها أن تتحكم بمصيرهم أم إلى الدولة الجامعة والشاملة والموحدة، والتي لا يستثنى فيها أحد أمام القرارات الصعبة التي تحدد المصير على مستوى الحاضر والمستقبل؟ إننا نلمح خطورة في هذا التجاذب الدولي والإقليمي الحاد الذي بدأ يجتذب صراعات خفية وتوترات حادة، ولذلك فإن الوقت يداهمنا، ولذلك علينا أن نجلس سريعا لنصوغ لبناننا بعيدا عما يريده الآخرون، وإلا فقد ندفع الثمن مضاعفا أمام عملية الاغتيال الكبرى التي تحضر للبلد بعد اغتيال رموزه وقادته ومسئوليه.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1164 - السبت 12 نوفمبر 2005م الموافق 10 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً