تحدث أمين عام منظمة الإيسيسكو عبدالعزيز بن عثمان التويجري لـ «الوسط» في المغرب وقال إن منظمته تلعب أدوارا طلائعية في الدفاع عن الإسلام والمسلمين ولم شمل الأقليات الإسلامية عبر العالم وربطها بالوطن الأم.
التويجري اعتبر ما يجري في العراق احتلالاً وعدواناً وليس حربا ضد الإرهاب، بل أنه جاء ليعزز من ظاهرة الإرهاب عبر العالم، مذكرا بالدور الذي لعبته المنظمة لحماية الآثار والتحف العراقية بعد الغزو وبالدور الذي تلعبه لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما ندد بالأصوات اليمينية المتطرفة التي دعت إلى تدمير مكة المكرمة التي اختارتها المنظمة عاصمة للثقافة الإسلامية العام 2005م.
التويجري الذي يستعد لتدشين المقر الجديد للإيسيسكو بالعاصمة المغربية (الرباط) ذكر أن منظمته تقدمت بالإعلان الإسلامي للتنوع الثقافي في العالم لمنظمة اليونيسكو والذي سبق أن لاقت نسخته العالمية معارضة كل من الولايات المتحدة و«إسرائيل»، كما أبدى ارتياحه للإنجازات التي شهدتها المنظمة خلال ترأسه لها منذ العام 1991.وهنا نص المقابلة:
نبدأ بآخر بيان صدر عن منظمتكم، وهو التنديد بفتوى الحاخام الإسرائيلي إلياهو شابيرا بن مناحيم، التي تدعو إلى اتخاذ تدابير اقتصادية مجحفة في حق الفلسطينيين، في هذا الإطار ما الذي تفعله الإيسيسكو بالإكراهات والمصاعب التي يتعرض لها الشعب العربي في فلسطين؟
- في الحقيقة هذه الفتوى هي فتوى عنصرية تدل على مدى الحقد والكراهية التي توجد في نفس هؤلاء الغلاة من الصهاينة، الذين يريدون إلحاق أقصى الضرر بالفلسطينيين، خصوصاً في الشهر الكريم شهر رمضان المبارك. عندما علمنا بهذه الفتوى وما تبعها من تنفيذ لمقتضياتها، بادرنا إلى إصدار هذا التنديد ووزعناه في مختلف أنحاء العالم بلغات المنظمة الثلاث العربية والإنجليزية والفرنسية، ووضعناه أيضا على موقعنا في شبكة الإنترنت.
في دعمنا للاخوة في فلسطين، نحن نتعاون مع السلطة الوطنية الفلسطينية من خلال اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم، وننفذ الكثير من البرامج والأنشطة التربوية والعلمية والثقافية التي يستفيد منها أبناء فلسطين، وهذا التعاون قديم وليس وليد اللحظة، بل هو منذ إنشاء المنظمة وإلى اليوم، ولكنه تنامى خلال السنوات الأخيرة، وأصبحنا في الحقيقة ننفذ العشرات من البرامج والأنشطة التربوية والعلمية والثقافية التي تساعد الفلسطينيين على الصمود في أرضهم ومواجهة هذه الأعمال الإجرامية التي يتعرضون لها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
في الآونة الأخيرة، ازدادت بلا شك المهمات الموكولة لمنظمتكم، خصوصاً بعد الحرب على العراق، والحرب ضد الإرهاب، والتضييقات التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون في شتى أنحاء العالم، ما رأيكم في المواجهة التي تخاض اليوم باسم «الحرب ضد الإرهاب»، أو «الحرب ضد قوى الاحتلال والاستكبار العالمي» كل من خندقه؟
- أولاً الإسلام يجرم كل من يرتكب عملا إرهابيا، والإرهاب لا علاقة له بالإسلام، ولا علاقة له بأي دين أو ثقافة، وكل عمل إرهابي هو عمل إجرامي يتحمل وزره من قام به. ما يجري في منطقتنا في الحقيقة هو مأساة كبرى، الحرب على العراق قامت على مبررات واهية وعلى أكاذيب، لا توجد في العراق أسلحة دمار شامل، ولم يهدد العراق الولايات المتحدة الاميركية، العراق هدد جيرانه، بل غزا دولة من جيرانه واحتلها، ودخل مع أخرى في حرب دامت ثماني سنوات، استنزفت موارد البلدين وعطلت مسيرة التنمية فيهما وفي المنطقة.
اليوم الذين يحاربون الإرهاب لا يعرفون كيف يحاربونه، هم يزيدون من حدة الإرهاب بما يقومون به من أعمال تسيء إلى المسلمين وثقافتهم ودينهم وتعتدي على حرماتهم واستقلال بلدانهم، وهذا كله للأسف الشديد ، بسبب سيطرة مجموعة من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الاميركية على مجريات السياسة الاميركية، ما جعل من الإدارة الاميركية أداة في يد هؤلاء المحافظين الجدد الذين يتشكلون في غالبيتهم من صهاينة موالين لـ «إسرائيل»، يهدفون لخدمة «إسرائيل» قبل أي شيء آخر. في المقابل هناك متطرفون في العالم الإسلامي مع الأسف الشديد يقومون بأعمال إجرامية ينفذونها باسم الإسلام، ولكن الإسلام يجرمهم ويجرم أعمالهم، فهم يسيئون إلى الإسلام، ويضروا بمصالح المسلمين. فنحن الآن وقعنا بين جماعتين متطرفتين. بين متطرفين من أبناء المسلمين ومتطرفين في الغرب، فالحرب في الواقع هي حرب بين متطرفين، وليست حربا ضد الإرهاب، فالإرهاب يقع من هؤلاء ومن أولئك. لذلك لا بد أن يبادر عقلاء العالم وحكماؤه إلى تدارك الوضع، لأن الذي يجري في العالم اليوم يزيد من حدة الإرهاب ويزيد في حدة الخلافات بين الدول ويزيد من الكراهية، بل يهيئ لصراع بين الثقافات والحضارات، ونحن في المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم نادينا منذ عشر سنوات إلى الحوار بين الثقافات والحضارات، ونفذنا الكثير من البرامج، وأدنا كل عمل إرهابي ضد أي بريء في أي مكان من العالم، لأن هذا هو موقف الإسلام، ولكننا مطالبون اليوم جميعاً في المنظمة وغيرها بأن نقف في وجه العدوان الذي يستهدف الشعوب وكراماتها وثقافاتها واستقلالها، وأنا أشك في أن ما يجري في العراق هو حرب ضد الإرهاب، ما يجري في العراق اليوم هو احتلال يزيد من حدة الإرهاب، فظاهرة الإرهاب تعالج بمعرفة أسبابه، والبحث عن جذوره والقضاء على ذلك قبل أن يدمر المدن ويقتل الأبرياء.
اتخذتم في منظمة الإيسيسكو مجموعة من التدابير لمحاربة الإرهاب كان بينها إصدار «الإعلان الإسلامي للتنوع الثقافي» الذي صدر في مؤتمر الجزائر، تفعيل هذا الإعلان إلى أين وصل، وما هي ردود فعل الآخر عليه؟
- نحن تقدمنا بهذا الإعلان إلى المؤتمر العام لليونيسكو الذي سينتهي هذه الأيام في باريس، ومن محاسن الصدف، أن المؤتمر العام لليونيسكو وافق على «الإعلان العالمي للتنوع الثقافي»، ولم يعارض هذا الإعلان إلا الولايات المتحدة الاميركية و«إسرائيل» وأستراليا ودولة صغيرة هامشية في المحيط الهندي أو الهادي، إذن هذا الإعلان العالمي يتوافق أيضا مع ما ورد في الإعلان الإسلامي، نحن ضد الهيمنة وضد تجاوز خصوصيات الشعوب وهوياتها وثقافاتها، نحن مع التنوع الثقافي، والإعلان الذي وافق عليه المؤتمر العام لليونيسكو يؤكد ما ذهبنا إليه في إعلاننا ، وهو ما يجعلنا متفائلين، بأن الحركة الثقافية في العالم في إطار منظمة اليونيسكو والتي نتعاون معها تعاونا وثيقا سارت بعيدا في مجال تدعيم التنوع الثقافي والاعتراف بالخصوصيات الثقافية لشعوب العالم.
بالعودة إلى عمل الإيسيسكو على حماية أوجه الحضارة والثقافة الإسلامية، تعرض العراق بعيد الاحتلال إلى سرقة متحف بغداد، وهو الشيء نفسه الذي تتعرض له الآثار العربية والإسلامية في فلسطين. ما موقف منظمتكم من هذه الأعمال؟
- أستطيع القول إن المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة كانت أول منظمة تحدثت عن النهب المنظم الذي جرى للمتاحف والمؤسسات الحضارية في العراق بعد الاحتلال مباشرة، وقد عقدنا اجتماعين في الأردن لمسئولي الآثار في العراق، وحضر معهم خبراء من الأردن ومصر وعدد من الدول العربية الأخرى للتعرف على مدى الخطر الذي وقع على هذه الآثار الحضارية الكبرى والنهب الذي جرى، ومطالبة المجتمع الدولي بالوقوف بشدة في وجه هذا العمل الإجرامي الذي ينتهك حقا شرعيا في هذا القطر العربي وللأمة الإسلامية عموما، لأن هذا التراث الإسلامي هو في الأخير تراث إنساني. وبالفعل استطعنا أن نحرك اليونيسكو التي شكلت لجنة دولية ذهبت إلى العراق ورصدت الآثار المسروقة، وقد استطعنا بالتعاون مع السلطات في سورية وفي الأردن ضبط عدد كبير من المسروقات التي أرجعت إلى العراق، ومازلنا نواصل التعاون مع السلطات العراقية ومع الدول المجاورة للعراق ودول العالم من خلال منظمة اليونيسكو لإعادة ما سرق وتجريم اللصوص الذين نهبوا هذه التحف والمقتنيات الحضارية. وقدمنا كذلك إلى اليونيسكو مشروعا للمطالبة باستعادة الآثار المسروقة من الدول الإسلامية إبان الاستعمار، وقد عرض هذا المشروع على اليونيسكو وتبناه المؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة الذي عقد في الجزائر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ونحن مازلنا نتابع هذه الأمور بكل جدية.
فيما يخص فلسطين، قمنا كذلك بالتعريف بالجرائم الكبرى التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الحضارة والثقافة في فلسطين وتدمير المعالم وتهويد المنشآت الإسلامية والمسيحية، وعقدنا مؤتمرين لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، المؤتمر الأول عقد هنا في المغرب تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، والمؤتمر الثاني عقد في الأردن تحت رعاية العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ومازلنا نتعاون مع السلطة الوطنية الفلسطينية ومع اليونيسكو في هذا الخصوص، والمنظمة بلا شك ستكون أكثر المنظمات فرحا عندما تقر اتفاقاً دولياً لإعادة المسروقات والمنهوبات الأثرية والحضارية والثقافية إلى الدول الإسلامية.
في هذا الصدد، وجهت «إسرائيل» حديثاً دعوة للمجتمع الدولي لحماية معابدها اليهودية في قطاع غزة، ألا يمكن اعتبار هذه الدعوة فرصة لتوجيه دعوة مماثلة قصد حماية المساجد والمآثر الإسلامية التي حولتها سلطات الاحتلال في أراضي 1948 إلى حانات وملاهي؟
- نحن أخرجنا الكثير من الدراسات وأصدرنا كتابا يبين الجرائم التي ارتكبتها «إسرائيل» في الأراضي الفلسطينية، فهناك كتاب ترجمناه لمؤلفة رومانية عنوانه «لقد اغتصبتم أرضنا»، يرصد الممارسات الصهيونية في فلسطين خلال مئة عام، وأصدرنا سلسلة كتب عن القرى الفلسطينية المدمرة التي دمرتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي باللغات الثلاث العربية والإنجليزية والفرنسية، كما أننا أصدرنا أيضا عن جرائم «إسرائيل» في جنين بالصور وبالأرقام، وأصدرنا كتباً أخرى عن ما يجري في فلسطين من انتهاكات من قبل سلطات الاحتلال. أما هذه التي يتحدث عنها شارون، فإنها معابد أقيمت بعد الاحتلال العام 1967، وبالتالي ليست مبان ذات قيمة تاريخية بل هي إنشاءات على أراض محتلة لا يمكن أن يعترف بها، ولا يمكن أن يعطى لها أية قدسية، هي منشآت غير شرعية وغير قانونية أقيمت على أراض محتلة، أما المعابد والمساجد والكنائس والآثار التاريخية التي أقيمت منذ قرون على أرض فلسطين التاريخية أراضي 48 وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس فالكل يعتبرها إرثا إنسانيا وبالتالي لا يمكن تغييرها ولا يمكن مقارنتها مع الكنس اليهودية التي أقيمت بعد الاحتلال. وقد رفعنا الصوت عاليا لتعريف العالم بهذه المغالطات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وتوجيه الرأي العام العالمي إلى أن يبادر إلى الضغط على هذه الحكومة التي لا تريد السلام لكي تعطي للفلسطينيين حقوقهم وفقا للاتفاقات الدولية ووفقا لخريطة الطريق التي وافقت عليها الأطراف المعنية.
ماذا عن علاقات الإيسيسكو بالأقليات الإسلامية عبر العالم؟
- لنا نشاط واسع في أوساط هذه الأقليات، نحن نعقد اجتماعات سنوية للمسئولين عن المراكز الثقافية الإسلامية في هذه الدول، فهناك اجتماع يعقد في أوروبا واجتماع مماثل في اميركا اللاتينية واجتماع آخر في جنوب شرق أسيا. هذا العمل المنظم والمترابط يحقق أهدافا كثيرة في خدمة الوجود الإسلامي خارج الدول الأعضاء دعما وتوجيها وتنفيذا. نحن نريد أن يكون المسلمون الذين يعيشون في الدول الأخرى أعضاء نافعين في المجتمعات التي يعيشون فيها، وأن يقدموا صورة صحيحة عن الإسلام، وأن تكون لهم مكانة وحضور قويين في هذه الدول، وأن يساهموا في تنميتها وفي التعريف بدينهم وثقافتهم، وأن يصححوا المعلومات الخاطئة الكثيرة التي تروج في تلك الدول عن الإسلام والمسلمين، ولذلك فنجاح المنظمة في هذه الميادين هو نجاح للعمل الإسلامي المشترك.
في ملف آخر يتعلق بالمناهج الدراسية في عدد من البلدان الإسلامية، فقد اجتمعتم على هامش قمة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودول الثماني التي احتضنتها الرباط بوزيرة التربية والتعليم الاميركية والتي ادعت خلالها أن الإدارة الاميركية لن تضغط على المجتمعات الإسلامية لتغيير مناهجها الدراسية، إلى أي حد يمكن الأخذ بهذا التصريح؟
- هي تقول ذلك، ونحن لا نريد أن نحملها أكثر مما قالت، لكن الذي نراه أن هناك ضغوطا حقيقة على بعض الدول الإسلامية لتغيير بعض المناهج، خصوصاً في مجال التربية الدينية، فلا يمكن لأي مسلم أن يتنازل عن عقيدته، وأن يفرط في قرآنه، فهذه نصوص مقدسة لابد من التشبث بها واحترامها، المهم هنا هو كيف نفسر هذه النصوص، فيجب علينا أن نعلم أبناءنا التربية الدينية والعلوم الشرعية تعليما صحيحا مرتبطا بالتفسير الصحيح وأسباب النزول وبكل ما له علاقة بالنص تاريخيا وموضوعيا، لا أن نترك المجال لكل من هب وذب بأن يعطي تفسيرات وفتاوى، وأن يضلل الشباب ويؤدي بهم إلى وجهات خطيرة، تضر بهم وتحرفهم عن المسار الصحيح، نحن لسنا مع من يطالب بتغيير المناهج، نحن مع ترشيد المناهج ومع تقويم المعلمين ومع تحسين العملية التربوية والاستفادة بكل ما هو جديد ومفيد لتطوير مؤسستنا التربوية والنهوض بها، أما أن نعمد إلى حذف بعض الآيات أو طمس بعض المواد تلبية لهؤلاء أو أولئك فإن هذا غير مقبول، والمنظمة قد أعلنت ذلك منذ مدة طويلة، بأنها لن تقبل أن توجه الدول الأعضاء فيها نحو مناهج توضع خارج العالم الإسلامي، بل يجب على كل دولة من الدول الأعضاء أن تطور مناهجها وأن تحدثها وفق مصالحها ومقاصد المجتمع، وفي إطار توافق الأمة وعدم التفريط فيها.
من المعلوم أن الإيسيسكو قد أعلنت مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية لهذه السنة 2005، البعض اعتبر أن هذه الخطوة هي رد من المنظمة على الأصوات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة التي دعت في أكثر من مرة إلى التخلص من هذا المكان عبر قصفه أو التعرض إليه، ما ردك على هذا الأمر؟
- الذين طالبوا بتدمير مكة هم إرهابيون ومجرمون، ويجب أن يحاكموا في محاكم دولية لينالوا العقاب الرادع لهم، فهذه أماكن مقدسة، بل هي أقدس الأماكن التي يتوجه إليها المسلمون كل يوم على الأقل 5 مرات إذا حسبنا فقط الصلوات المفروضة، وهي المكان الذي يحج إليه المسلمون والمعتمرون، وبالتالي فإن مثل هذه الدعوات لا يمكن أن تصدر إلا عن مجرمين وإرهابيين. أما مكانة مكة لدى المسلمين تاريخيا ودينيا، فلا يمكن أن يتجاهلها أي مسلم في العالم، مكة هي المدينة التي نزل فيها الوحي على محمد(ص)، وهي منطلق الرسالة وهي قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم وهي المكان الذي اختاره الله سبحانه وتعالى لكي يكون قبلة لجميع المسلمين في جميع أنحاء العالم عبر العصور كلها، ولذلك فإنه من غير المعقول أن يحتفى بأي مدينة في العالم في إطار إسلامي، قبل أن يحتفى بمكة المكرمة، فهي المدينة الأولى وهي العاصمة الأولى للإسلام وللثقافة الإسلامية، ومن هذا المنطلق، قرر المؤتمر الإسلامي السادس الذي عقد في الدوحة في ديسمبر 2001 اختيار مكة المكرمة لكي تكون أول عاصمة إسلامية ثقافية يحتفى فيها، ولله الحمد تم الاحتفاء هذا العام، وانطلقت برامج الاحتفاء بمكة، وسنواصل هذا العمل، وستبقى مكة دائما حاضرة في قلوب المؤمنين وفي عقولهم، لأنها هي مهوى أفئدتهم.
في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري تحتضن العاصمة المغربية وبدعم من الإيسيسكو المؤتمر الإسلامي الأول للوزراء المكلفين بالطفولة، ما أهمية هذا اللقاء؟
- هذا المؤتمر سيبدأ إن شاء الله في السابع من نوفمبر وسينتهي في التاسع منه، وهو مؤتمر يعقد لأول مرة على مستوى العالم الإسلامي، والهدف من هذا المؤتمر الذي ننظمه بالتعاون مع منظمة اليونيسيف ومع الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي هو أن نتعرف على واقع الطفولة في العالم الإسلامي، والمشكلات التي يعاني منها الأطفال، والأخطار التي تحيط بهم، ومحاولة وضع استراتيجيات للنهوض بالأطفال ثقافة وتعليما وتوجيها اجتماعيا وحماية صحية، لكي ينشأ أطفال العالم الإسلامي في أجواء سليمة وفي بيئات صحيحة، لكي يكونوا في المستقبل رجالا ونساء مساهمين في بناء مجتمعاتهم وفي بناء الحضارة الإسلامية، وأن نبعدهم عن الانحراف الفكري والسلوكي وعن الإنغلاق الفكري والتزمت الديني، وأن يسيروا في خط من الوسطية والاعتدال اللذين هما الضابط الحقيقي للفكر الوجداني لكل مسلم.
من المعلوم أن الكثير من المنظمات العربية والإسلامية خصوصاً السياسية منها تعاني من شلل كبير، لكن يلاحظ أن منظمة الإيسيسكو يعني كما لو أنها تحلق خارج السرب بسبب أنشطتها المتعددة وإنجازاتها. في عهدكم ما هي أهم الإنجازات التي حققتموها، وخصوصاً أنكم تسلمتم منصب الأمانة العامة في 1991 وتم تجديدها في 94 و97 و2003؟
- الحمد لله في الفترة التي ترأست خلالها المنظمة، تم تحقيق الكثير من الإنجازات ، سواء داخل المنظمة، تنظيميا ومراجعة اللوائح والقوانين والمواثيق التي تحكم عمل المنظمة، وخارجيا في تعزيز علاقاتها مع الدول الأعضاء وزيادة عدد هذه الدول، وفي تطوير العلاقات مع المنظمات الدولية.
منظمة الإيسيسكو أصبحت اليوم منظمة فاعلة وحاضرة في الساحة الدولية، وترتبط مع أكثر من 140 منظمة دولية وإقليمية في علاقات تعاون، وهي شريكة لكبريات المنظمات الدولية، فهي شريكة مع اليونيسكو واليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية ومع المجلس الأوروبي ومع المنظمة العالمية للفرنكوفونية وغيرها من المنظمات الكبرى في العالم. إذاً نحن ننفذ ما ورد في ميثاق المنظمة، وما يرد في القرارات التي يصدرها المؤتمر العام والمجلس التنفيذي، ونحن نواكب المتغيرات في عالمنا الإسلامي والعالم كله، ونحاول قدر الإمكان أن نمثل العالم الإسلامي في مجالات التربية والعلوم والثقافة، وأن نبين أن الأمة الإسلامية هي أمة حضارة وأنها تريد أن تتعايش مع غيرها من شعوب العالم وتساهم في بناء الحضارة الإنسانية المعاصرة، وأن ما يروج عن الإسلام والمسلمين من ادعاءات باطلة وأكاذيب واتهامات لا أساس له من الصحة، لأنها إما أن تصدر عن مغرضين يكرهون الإسلام، أو عن جهات جاهلة بالإسلام، ووظيفة المنظمة وهي الضمير الثقافي للعالم الإسلامي أن تكون حاضرة في كل ساحة في العالم لتدافع عن حقوق المسلمين وقضاياهم وأن تبين الوجه الصحيح والحقيقي للإسلام والحضارة الإسلامية وأن تساهم في تنمية الدول الأعضاء بالمنظمة في مجالات اختصاصاتها التربوية والعلمية والثقافية.
بعد ثلاثة أشهر من الآن ستعرف العاصمة المغربية افتتاح المقر الرسمي لمنظمة الإيسيسكو ما قراءتكم لهذا الحدث، وما الذي ستضيفه مثل هذه المنشأة للثقافة والعلوم في العالم الإسلامي؟
- أنا سعيد بأنني وفقت ولله الحمد وبدعم الدول الأعضاء في إقامة هذا الصرح لهذه المنظمة الكبيرة في هذه العاصمة الجميلة الرباط التي تحتضن المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة، وقد كان هذا المقر حلما في أذهان الذين أنشأوا هذه المنظمة، والحمد لله وبعد جهد جهيد تحقق هذا الحلم الذي سيصبح معلما من المعالم ومنتدى ثقافيا وتربويا للعالم الإسلامي، ومنارة للإشعاع التي تضخ المعلومات الصحيحة والمعارف الحقيقية عن الدين الإسلامي وعن الحضارة الإسلامية وعن العالم الإسلامي برمته، وتساهم في تنمية الدول الأعضاء في هذه المنظمة، هذا الصرح عندما سيفتتح سيضيف للمنظمة نقلة نوعية وسيمكنها من التطور في آفاق العمل التي تنهض وأن يعطيها من وسائل العمل الحديثة ما يجعل من عملها أكثر إتقانا، وأن يجعله عملا يحقق الكثير من المكاسب والمنافع للدول الأعضاء، وهو يتوج جهودا كبيرة قمنا بها خلال السنوات الأربعة عشر الماضية التي تمكنا فيها ولله الحمد من ترؤس هذه المنظمة ومن مد مجالات نشاطها في أنحاء كثيرة من العالم، وربطها بالكثير من المنظمات الدولية، وأنا فخور وممتن في الوقت نفسه أن يكون هذا العمل قد تم خلال رئاستي لهذه المنظمة
العدد 1158 - الأحد 06 نوفمبر 2005م الموافق 04 شوال 1426هـ