العدد 1157 - السبت 05 نوفمبر 2005م الموافق 03 شوال 1426هـ

سورية قادرة على كشف الحقيقة ومنع وقوع الجريمة... لماذا لم تفعل؟

لبنان بين تيسير وأبووحيد

حسن أحمد عبدالله comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تيسير فلاح قديم، منذ العاشرة من العمر وهو يعمل في الأرض، ويستيقظ قبل صلاة الفجر من أجل الاستعداد للذهاب إلى الحقل. تزوج مبكرا جدا لأنه الصبي الوحيد بين تسع بنات عند أهله، كان هذا الرجل يقتني ثورا للفلاحة أصابه العجز نتيجة كبر سنه ولم يعد لائقا للفلاحة، أراد تيسير بيعه فذهب إلى سوق الدواب وباعه بـ 1100 ليرة لبنانية وعاد الى البلدة. في الأسبوع الثاني أراد شراء ثور آخر فذهب الى السوق نفسها واشترى ثورا وعاد به الى البلدة، فور مشاهدة والدة تيسير الثور قالت لابنها: "اشتريت ثورك مرة أخرى"؟ قال: "لا... هذا ثور آخر ولونه غير لون ذلك الثور... كما أن ثمنه 1200 ليرة". قالت الأم: "هذا الثور ثورك". الرجل لم يقتنع بكلام أمه، وفي صبيحة اليوم الثاني جر ثوره الجديد ومضى به الى الحقل، وقرابة منتصف النهار أمطرت الدنيا وزال الصبغ الذي صبغ به الثور ليكتشف الرجل انه اشترى ثوره، وأن البائع صبغ الثور ونصب عليه. الحادث ذاته تكرر مع أبووحيد الذي اشترى حماره مرة أخرى بعد أن سرقه قريبه وصبغه وباعه اليه، ولم يكتشف أبووحيد اللعبة الا بعد نحو اسبوع من شراء الحمار حين اراد غسله. وحتى لا نذهب ضحية مناطحة الثيران ولبيط الحمير نتوقف عند التغيرات التي بدأت تشهدها المنطقة، فما ان قال الرئيس الايراني كلمة عن محو إسرائيل من الخريطة" حتى قامت الدنيا ولم تقعد، وتحول الأمر الى ما يشبه إعلان الحرب، ورأينا كيف تراجعت الدوائر الإيرانية عن هذا الكلام وصدر أكثر من تصويب وتوضيح ونفي من أكثر من دائرة، ورأينا كيف ان دمشق أعلنت عن تشكيل لجنة تحقيق بشأن الاشتباه بتورط مسئولين أمنيين فيها في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وكيف بدأ الحديث عن ضرورة التعاون مع لجنة التحقيق الدولية من أجل كشف الحقيقة بعد سلسلة من الممانعات التي أقل ما يقال فيها أنها أفسحت في المجال أكثر أمام زيادة مساحة التدخل الأجنبي في الشئون العربية، علما بأن سورية كانت قادرة ليس على كشف الحقيقة وحدها فيما يتعلق باغتيال الحريري، بل انها كانت قادرة على منع وقوع هذه الجريمة ومحاسبة المخططين والمشاركين فيها، وكانت بذلك قادرة على ان تبعد المنطقة عن المزيد من الانزلاق في الخضوع "الى الاملاءات الأميركية الرامية الى تفكيك المنطقة" "بحسب الشعارات المرفوعة منذ أمد بعيد"، ذلك أن الدولة الثورية الممانعة يجب ان تحصن ساحاتها كافة من أجل افشال "المخطط الرامي الى تقسيم المنطقة" لا أن تقدم المبررات للأعداء من أجل "التصيد في المياه العكرة" "وما أكثر المياه العكرة في العالم العربي وما أكثر المتصيدين وما أكثر الأنظمة التي تصبح بين ليلة وضحاها السمك الأمثل للصيد". من كل ذلك، لا يهمني كمواطن لبناني دفع وطنه وشعبه غاليا ثمن كل القضايا العربية الا الاستقرار في بلدي، ولا يهمني اذا كانت المؤامرة تستهدف آخر حصون الممانعة العربية والاسلامية التي تمثلت في هذه الأنظمة التي سرعان ما تهدم مدماكا من مداميك جدرانها عند اول تهديد أو احساس بأن الخطر يهدد رموز النظام، وهي أيضا تتبرع في تقديم مبررات التدخل في كل مرة، سواء أكان ذلك في عدم احترام حقوق الانسان فيها أم من خلال فرض ثقافة الحزب الواحد أم عبر الاغتيال أم غض الطرف عن عمليات الاغتيال التي تجري فيها أو في المناطق التي تسيطر عليها. ما جربه اللبناني، وخصوصا في الجنوب، من احتلال اسرائيلي وتخل عربي عنه ومن مقاومة عارية من أي غطاء حقيقي وظهرها مكشوف أمنيا أمام العدو الداني والعدو القاصي، ومن تنكيل بالمقاومين، ومن حرمان وغياب تنمية، ومن اثمان غالية دفعت للتعليم والحياة. كل ذلك لم يعد يقنع اللبناني أن ظفر الآخر أكثر حنانا على جلده من ظفره، فهذا اللبناني الذي دفع 150 الف قتيل واكثر من 300 ألف جريح و17 الف مفقود، وخسائر مادية طوال سنوات الحرب وما بعدها تصل الى نحو 75 مليار دولار، و40 مليار دولار كدين عام خارجي وداخلي واقتصاد منهار لا يحسده عليه لا عدو ولا صديق. نقول ان هذا اللبناني لن يقتنع بأن الدفاع عن الحقوق اللبنانية يكون عبر كشف الساحة أمنيا، وإخراس الاصوات المعارضة أو تجيير السياسة من أجل المصالح الشخصية الضيقة التي ارتدت وبالا ليس على لبنان فقط، بل أيضا على سورية وعدد من الدول العربية. ان المقاومة في لبنان ليست وليدة مرحلة، وليست مرهونة بتنظيم معين، انها مسألة لبنانية تاريخية بدأت منذ ما قبل العام ،1948 فهذه المقاومة بدأت عمليا منذ انشاء أول مستعمرة يهودية في قرية أبل القمح الفلسطينية في نهاية القرن التاسع عشر، وتبلورت في العام 1908 عندما انشئت المستعمرة اليهودية الثانية في شمال فلسطين المحتلة وبدأ ساعدها يشتد منذ العام ،1948 وذلك لأن هذه المستعمرات اقيمت في جزء منها على أرض لبنانية، ومنذ ذلك التاريخ تتطور هذه المقاومة وتتغير في الشكل انما يبقى المضمون هو ذاته، وقليلة البلدات والقرى اللبنانية الجنوبية التي لا يوجد فيها شهداء سقطوا منذ الاربعينات دفاعا عن الجنوب وعن لبنان كله، وقليلة جدا البلدات والقرى التي لم تتعرض لقصف اسرائيلي. وهنا لابد من القول ان سقوط الجنوب يعني سقوط لبنان كله، لذلك فإن اللبناني لا يعنيه من القرار 1559 الا أمر واحد وهو انسحاب "القوات غير اللبنانية من الأراضي اللبنانية" وهو البند الذي اعتبره الجميع يستهدف القوات السورية التي انسحبت من لبنان في ابريل/ نيسان الماضي، علما ان القوات غير اللبنانية هي ايضا القوات الاسرائيلية المحتلة لمزارع شبعا والقرى اللبنانية السبع منذ العام ،1948 وبالتالي طالما ان هذه القوات بقيت في هذه المناطق ستبقى المقاومة موجودة لان لا لبناني ينسى المجازر والغارات الجوية ووجبات القصف الاسرائيلية اليومية التي تعرض لها جنوب لبنان طوال 57 عاما ودفع ثمنها الكثير... الكثير من الغوالي، وما يزال اللبناني على استعداد لدفع الغالي من أجل أرضه وحريته وحماية مقاومته لكن وفقا للأجندة الوطنية، وليس وفقا لمصالح خاصة لرموز في انظمة. ان ربط المقاومة اللبنانية بالانظمة العربية أو غير العربية، أيا كانت هذه الأنظمة، انما هو تصغير لدور هذه المقاومة، لأن المقاومة تعني الصمود والقدرة على الفعل والتغيير، لكن الأنظمة العربية وغير العربية لم تصمد على موقف واحد منذ بدأ الصراع العربي مع "اسرائيل"، كما ان هذه الأنظمة في مرحلة من المراحل تخلت عن المقاومة وتركتها تواجه العدو وحدها وتدفعه الى الانسحاب من مساحات واسعة من الاراضي اللبنانية بين عامي 1982 و،1985 وفرضت اسقاط اتفاق العار المعروف بـ "اتفاق 17 أيار" وهذه المقاومة هي ذاتها "بعيدا عن مسميات المقاومة، إسلامية كانت أو وطنية" فرضت على "إسرائيل" الانسحاب، وللمرة الاولى في تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي، بقوة المقاومة وليس بقوة الزيارة أو قوة المفاوضة أو قوة الاذعان للشروط التي تمليها "إسرائيل". لهذا من المهم جدا ان تفصل مسألة المقاومة عن أية مسألة أخرى وان تكشف حقيقة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وان يحاسب المرتكب أشد الحساب من دون أي اعتبار لأن في ذلك تحصينا للبنان وهو ايضا حماية للمقاومة، فلبنان بات أكثر يقظة من الأنظمة التي تريد بيع الثور المصبوغ مرتين. لقد انجز لبنان مشروع هدنته "اتفاق الطائف" الطويل الذي يؤهله للدخول في سلام داخلي دائم وانجز النسبة الكبيرة من مشروع التحرير من الاحتلال الاسرائيلي وانجز بعض التقدم على الصعيد العمراني وبات الآن يحتاج الى الخروج من دائرة الاستغلال لحسابات خاصة لدول، اكانت عربية أو غير عربية، ولكن ما ينقص لبنان الآن ايضا هو ان يتخلى بعض اللبنانيين عن عادة الاصغاء الى السفيرين الفرنسي والاميركي، والعمل وفق "أجندة" كل منهما، فإذا كان الظفر العربي لم ينفع فهل سينفع الظفر الاميركي؟ كنا تحدثنا سابقا عن أم عقاب التي هي الآن تنتظر تيسير ليقع في حبائلها وتتخلص من ازمتها في العراق ولا يتحمل لبنان مسئولية عدم قبول سورية بفتح حدودها أمام القوات الاميركية العام 2003 لتتدفق منها على العراق بعد ان اغلقت تركيا حدودها بوجه تلك القوات وتيسير وأبووحيد تعلما الدرس من جيبهما فهل نتعلم نحن

العدد 1157 - السبت 05 نوفمبر 2005م الموافق 03 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً