بداية، من هي المعارضة؟ كثيرون من هم يحصرون المعارضة في الجمعيات التي قاطعت انتخابات المجلس الوطني التي تمت وفقا لدستور ،2002 ويكادون يخرجون آخرين من القوى الوطنية "دونما أسباب موجبة" من صفوف المعارضة. يطلبون من القوى الأخرى أن تتطابق مواقفهم تماما مع المواقف التي يرتأونها، وإلا تم تصنيفهم بأنهم جزء من السلطة. أحد الناشطين وفي إحدى الندوات صنف الجمعيات الأربع المقاطعة بأنها الجمعيات المناضلة، وبالتالي يفهم من ذلك أنه يصنف الآخرين ممن ارتأوا المشاركة بأنهم غير مناضلين، متجاهلا كل تاريخهم وتضحياتهم، وكأن مقياس النضال محصور في تبني موقف المقاطعة، وربما يتعدى الأمر إلى اتهامات بالعمالة، حقيقة، إنه خطاب سياسي بائس. الواقع يقول إن المعارضة بحاجة ماسة إلى تنظيم صفوفها وتوسيع قاعدتها دونما اتهامات مهما اختلفت الآراء والمواقف لأن ما يجمع المعارضة هو أوسع بكثير مما يفرقها، أما الانشقاقات والاتهامات فهي أمور تعطل وتؤخر تحقيق طموحات الناس التي ضحوا من أجلها وقدموا الكثير. مطلوب من قوى المعارضة أن تفهم وأن تتعلم كيف تبني علاقات ناضجة، علاقات صحية، علاقات شفافة واضحة، حتى لا تتشقق وتتشردم عند كل منعطف. أصدرت السلطة قانون الجمعيات السياسية، وهو قانون صادر من سلطة تشريعية تشكلت من واقع دستور ،2002 وبما يتطابق في كثير من مواده المقيدة لحرية العمل السياسي مع ما تريده السلطة، التي تريد دائما أن تبقى اللاعب الوحيد على الساحة وأن تكون الجمعيات السياسية مجرد ديكور. أصدرت السلطة قانون الجمعيات متجاوزة رؤية وملاحظات ومطالب القوى السياسية الحية والفاعلة ومنها قوى سياسية شاركت في الانتخابات. قانون تريد منه السلطة إجبار القوى السياسية الإقرار بشرعية التغييرات التي جرت على دستور ،1973 وهي في دواخل نفسها مقتنعة تمام الاقتناع بأن التعديلات التي تمت على دستور 1973 جاءت مخالفة مع ما تم الاتفاق عليه عند الذهاب للتصويت على ميثاق العمل الوطني، ما أنتج دستورا ليس محل توافق وطني، في أحسن الأحوال إنه دستور الأمر الواقع. لدينا القناعة أن هناك أطرافا في السلطة مازالت وستستمر تفكر وتدير الأمور بالعقلية القديمة، عقلية هندرسون التي كانت تنتزع اعترافات مزيفة تسوق بموجبها السياسيين إلى محاكمات هي تعد فيها التهم والأحكام معدة من قبلها مسبقا. لذلك هي تحاول أن تجبر القوى السياسية على الإقرار بالتعديلات التي تمت على دستور .1973 الآن، وبعد أن صدر قانون الجمعيات السياسية، وبعد أن أضحت الجمعيات السياسية مجبرة على التسجيل طبقا لهذا القانون كي تكتسب الشرعية القانونية، وبعد الحراك الواسع الذي حصل في صفوف الجمعيات السياسية الفاعلة، وبعد أن قال الجميع رأيه، ارتأت تلك الجمعيات وبأسلوب ديمقراطي التسجيل والاستفادة من كل العناصر الايجابية التي تضمنها ذلك القانون ومقاومة كل العناصر السلبية والمقيدة لحرية العمل السياسي، ومواصلة النضال السلمي للحصول على المزيد من المكاسب وفي مقدمتها الحصول على قانون عصري للأحزاب يتناسب مع تضحيات ونضالات تلك القوى السياسية، يجب علينا أنه نفهم ونحن نسجل كي نكتسب الشرعية القانونية، أننا كسياسيين لا نقر بالتعديلات الدستورية التي تمت على دستور ،1973 لأنها جاءت مخالفة لما تم الاتفاق عليه بين الحكم والشعب. أحدث قانون الجمعيات السياسية تداعيات غير مرغوبة وغير صحية في أوساط المعارضة، تداعيات تشير إلى عدم استعداد البعض منا إلى الاختلاف مع الإبقاء على الوحدة، وهو أمر ناتج عن عدم وضوح للعلاقات السائدة في وسطنا، وغياب بعض الصدق والشفافية عن هذه العلاقات، وبالتالي غياب الحوار الصادق والشفاف بيننا. إن حصر المسألة الدستورية وجعلها قضية خاصة بالجمعيات التي قاطعت الانتخابات النيابية، هي من الأخطاء التي قادت إلى تضييق قاعدة المعارضة والدفع بتوسيع قاعدة السلطة، لم تستطع الجمعيات المقاطعة خلق تقاطعات مع المشاركين الذين يرون أن هناك إشكالية دستورية على رغم مشاركتهم. علما بأن هناك كثيرا من الأعضاء المنتمين إلى الجمعيات المقاطعة كانوا يرون جدوى المشاركة. عند منعطف اتخاذ الجمعيات قرار التسجيل طبقا لقانون الجمعيات السياسية على رغم معارضة ذلك القانون والقيام باحتجاجات كثيرة وتسيير المسيرات المنددة به، برزت إلى السطح اختلافاتنا التي لم نستطع معالجتها والمحافظة على وحدتنا، وهي مؤشرات تدعونا جميعا سواء من كان مع التسجيل أو من كان ضد التسجيل أن نفتح قنوات الحوار الشفاف والصادق الذي يجعلنا نعرف إلى أين نحن ذاهبون. من حق كل طرف أن يؤكد على صحة موقفه والدفاع عنه في إطار من الوحدة، من حق كل طرف أن يسعى وأن يعمل على كسب التأييد لرؤيته، بعيدا عن صوغ الاتهامات وإطلاق العنان لها، يجب علينا الحذر في خطابنا تجاه بعضنا البعض، يجب علينا دائما البحث عن القواسم المشتركة التي توحد الصفوف وتعززها، هناك تحديات كبيرة تواجهنا الآن وهناك تحديات أكبر ستواجهنا مستقبلا، وأنه بقدر استطاعتنا التوفيق بين اختلافاتنا ووحدتنا، كيف نعالج اختلافاتنا وكيف نعزز وحدتنا في ظل وجود أية اختلافات وعدم تحويلها إلى صراع غير مجد بيننا، والعمل الدؤوب على توسيع قاعدتنا، بذلك نستطيع تحقيق النجاحات. من الأمور المهمة التي برزت إلى السطح نتيجة تداعيات التسجيل تحت قانون الجمعيات السياسية، بروز شعار المشاركة والمقاطعة لانتخابات مجلس ،2006 وهو الأمر الذي برر به من استقال من الجمعيات أو من الأمانة العامة للمؤتمر الدستوري قرار الاستقالة، كان المطلوب عند هذا المنعطف المزيد من الوحدة في ظل الاختلاف وعدم الربط بين النضال في المسألة الدستورية مع المشاركة والمقاطعة، وهو الموقف الخاطئ نفسه الذي سارت عليه الجمعيات المقاطعة في علاقتها مع من شارك. الآن، ونحن على أبواب انتخابات ،2006 وبعد أن تم اختبار خيار المقاطعة، الذي لاشك أنه خيار أدى بعضا من أهدافه، وفي مقدمة تلك الأهداف بيان حجم المعارضة للتعديلات الدستورية، كما أظهرت المقاطعة إصرار السلطة وعزمها الأكيد والمرسوم على إفراغ المشروع الإصلاحي من محتواه الحقيقي وجعله مشروعا شكليا خاليا من المضمون. الآن، ونحن على أبواب انتخابات ،2006 نجد البعض وكأنه يخجل من أن يقول بإمكان المشاركة فيها على رغم إصرار السلطة على عدم إيجاد التوافق المطلوب بشأن المسألة الدستورية وعدم تعديل الدوائر الانتخابية. السؤال: هل من الممكن المحافظة على زخم المطالبات الدستورية مع المشاركة في انتخابات 2006؟ يرجح أن الإجابة نعم، إذا كنا مؤمنين بهذا الحق. إذ ستكون مقاعد المجلس بغالبية أعضائه مع المطالبة بالتعديلات الدستورية التي تؤدي إلى فصل السلطات وحرمان السلطة التنفيذية من الهيمنة على السلطة التشريعية، وسيكون مجلس الشورى هو صمام الأمان للسلطة عندما يقف ضد إرادة الأعضاء المنتخبين، وهذا سيرفع الغطاء عن السلطة التشريعية السابقة، مع التأكيد على إمكان تحقيق بعض المكاسب جراء المشاركة. إن المشاركة ستظهر وستؤكد عجز السلطة التشريعية السابقة عن أداء الدور التشريعي والرقابي، وستظهر أننا وفق الصيغ السابقة سنظل بعيدين جدا عن المملكة الدستورية التي يريدها عاهل البلاد وشعب البحرين. ستؤكد المشاركة أنه لا يمكن إصدار أي قانون لا تريده السلطة حتى لو حازت المعارضة على غالبية المقاعد أو جميعها لأن من تعينه السلطة في مجلس الشورى لن يخالف إرادتها وهو المجلس الذي بصم على قانون الجمعيات سريعا طبقا للتعليمات الصادرة إليه من السلطة التي يفهمها حتى وإن كانت بالإشارة. علينا الاستعداد من الآن وعدم التأخر
العدد 1156 - الجمعة 04 نوفمبر 2005م الموافق 02 شوال 1426هـ