هل آن أوان تغيير قانون المجالس البلدية، اليوم قبل الغد؟ كيف ينظر المجتمع البحريني بجميع فئاته وطبقاته واتجاهاته، إلى هذا القانون بل حيال هذا المشروع البلدي والوطني الشامل، بعد انقضاء نحو 4 سنوات من عمر التجربة البلدية الوليدة، مع العلم ان المجالس البلدية في البحرين كانت سباقة في العمل البلدي ولها مكانة عريقة وتاريخ طويل وقديم يتجاوز ثلاثة أرباع القرن، إذ ابتدأ من عشرينات القرن الماضي وتحديدا منذ العام 1919م؟ هل نجحت التجربة البلدية أم فشلت؟ من له صلاحية تغيير وتعديل هذا القانون وتفعيل مواده؟ هل هو السلطة التشريعية أم التنفيذية أم سلطة جلالة الملك بصفته أعلى السلطات في البلاد أم مؤسسات المجتمع المدني؟ وما هي الآليات المتبعة في مثل هذه التعديلات والتطويرات؟ ما هي تطلعات المواطنين الآن، حيال هذه المجالس المنتخبة انتخابا حرا ديمقراطيا، بعد تجربة بلدية تعتبر بحكم العمر الزمني قصيرة، وجديدة على مجتمعنا البحريني ولكنها مع ذلك غير مطمئنة تشوبها الكثير من النواقص والقصور؟ إذ ظهرت الهموم، وخرجت القوانين الضعيفة المكبلة للمجالس البلدية برمتها! فالمتتبع للشأن البلدي والمراقب لهمومه وقضاياه يلاحظ بصورة جلية لا تقبل الشك، حجم التناقضات والصعوبات والإخفاقات، التي واجهتها هذه المجالس من أطراف كثيرة قد تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وهذه الأطراف هي المجالس البلدية وأعضاؤها ومنتسبوها وقوانينها ولوائحها التنفيذية، ووزارة شئون البلديات والزراعة بوزيرها السابق ومديروها وطاقمها الوظيفي، والمحافظات الخمس المنتشرة في المملكة، وجمهور المواطنين والأهالي في كل دائرة ومحافظة، بالإضافة إلى ثقافة النظافة الغائبة عموما. ثمة اسئلة كثيرة محيرة وعالقة، بحاجة إلى إجابات واضحة وحلول واقعية من قبل جميع الأطراف، وذلك لحلحة المعضلة البلدية وما يعاني منه البلديون خصوصا والمواطنون عموما، وهو ما انسحب سلبا على العمل البلدي برمته على رغم حداثة تجربته، وعلى رغم ان قانون البلديات قد صدر بمرسوم رقم 35 لسنة 2001م، ثم تبعه اصدار مرسوم بقانون رقم 3 لسنة ،2002 بشأن نظام انتخاب اعضاء المجالس البلدية، ثم جاءت المرحلة الثالثة والأخيرة وهي وضع هذه المراسيم موضع التنفيذ في 9 مايو / أيار ،2002 تاريخ إجراء الانتخابات البلدية، لتتأسس بذلك أولى المجالس البلدية المنتخبة انتخابا حرا، على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي وهو ما يحسب نقطة مضيئة لصالح تاريخ المملكة، ومع ان قانون المجالس البلدية يحوي 25 اختصاصا من اختصاصات البلدية، فإن غالبية هذه الاختصاصات تدخل ضمن الاقتراحات، كتقديم اقتراح مشروعات القوانين والانظمة والرقابة والمتابعة، وكأنها هيئة استشارية، وهو ما يعكس ضعف صلاحيات واختصاصات المجالس البلدية والمهمات المناطة بها، وتداخلها مع أطراف كثيرة مثل الجهاز التنفيذي لوزارة شئون البلديات والزراعة، والمحافظة، والأهالي... والبيئة المحيطة بها، فكلنا لاحظ وقرأ الخلافات والتباينات وتداخل الصلاحيات، عبر صفحات الصحف المحلية، وفي المجالس والديوانيات بين الوزير السابق لشئون البلديات والزراعة ومديري البلديات التنفيذيين، وبين رؤساء المجالس وأعضائها، ثم بين هذه المجالس البلدية وأعضائها والمحافظين في المحافظات الخمس في المملكة، ثم ازدواجية الصلاحيات وضعفها، وتداخلها بين بعض اعضاء المجالس البلدية، وبعض النواب في بعض مناطق المملكة، وهو ما جعل بعض الاعضاء البلديين في حيص بيص بلدي، وبين مطرقة الأهالي وغضبهم من جهة، وسندان القوانين المكبلة لحركتهم وطموحاتهم من جهة أخرى، ما جعلهم في موقف محرج مع أهالي دوائرهم، لعدم قدرتهم على انجاز وتحقيق ما وعدوا به ابناء دوائرهم في برامجهم الانتخابية، وهو انعكس بالتالي على تقوقع البعض منهم، واختفاء البعض الآخر، وعدم رغبة البعض الآخر، في إعادة ترشيح نفسه، لذلك بودي ان اقدم بعض الحلول والاقتراحات لعلها تؤدي إلى المساعدة في احياء التجربة البلدية وتجديدها وانبعاثها من جديد، وخصوصا في ظل الاحباط الشديد الذي اصاب الشارع البحريني الشعبي والنخبوي من المجالس البلدية، والمجلس النيابي على حد سواء، بسبب ضعف الصلاحيات ومحدوديتها على النحو الآتي، أولا: يجب ان تتمتع مجالسنا البلدية بكامل الصلاحيات المتعارف عليها في العمل البلدي، وإعطائها مساحات أكبر من حرية الحركة واتخاذ القرارات المناسبة، ضمن ما يعرف بناطق الحكم المحلي الذاتي للبدايات والابتعاد عن المركزية في اتخاذ القرارات، واتباع اللامركزية في العمل، وحتى نضمن نجاح المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وتجنب سقوطه وفشله، يجب ان تكون الحكومة ممثلة في وزارة البلديات والزراعة اكثر تفاعلا وايجابية مع مشروع المجالس البلدية المنتخبة من حيث الصلاحيات والامكانات المالية وضخ موازنة أكبر في المشروع البلدي، وهو ما لاحظناه أخيرا، بعد تسلم وزير شئون البلديات والزراعة علي صالح الصالح مسئوليات هذه الوزارة. ثانيا: على نواب الشعب القيام بواجبهم الوطني في الدور التشريعي الرابع والأخير من الفصل الأول، وذلك بطرح موضوع تعديل قانون المجالس البلدية الضعيف والمكبل بالقيود والسلاسل تحت قبة البرلمان طالما امتلكوا الأدوات التشريعية لذلك، سواء كان اقتراحا برغبة أو بقانون، وذلك للخروج من هذا النفق ومن هذه المعضلة البلدية. ثالثا: فلسفة المجالس البلدية وأهدافها تقوم على أساس المشاركة الأهلية والشعبية، ولذلك تكون المسئوليات مشتركة بين جميع قطاعات المجتمع، بين المواطن في مدينته وقريته ومنطقته، وبين العضو البلدي في دائرته ومكتبه، وبين جميع الوزارات ذات المهمات الخدماتية، فالتعاون والتنسيق ضروريان ومطلوبان في هذا الخصوص. رابعا: الاهتمام بثقافة النظافة والوعي البيئي المجتمعي منذ الصغر وتحفيز الأطفال صغار السن على تحمل المسئولية من قبل أهاليهم، ويا حبذا لو وضعت وزارتا الإعلام والتربية والتعليم اهتماما أكثر بالبرامج التثقيفية في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة فيما يخص ثقافة النظافة والبيئة خصوصا، وفي المناهج الدراسية التابعة لوزارة التربية والتعليم لطلاب وطالبات المدارس الحكومية والخاصة عموما. خامسا وأخيرا: على البلديات ان تضع لها استراتيجيات عمل واضحة في الشأن البلدي، قصيرة الأجل وطويلة المدى، لدرء الاخطاء المحتمل وقوعها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، في مسألة خصخصة قطاع النظافة يجب ان تكون الاتفاقات المبرمة مع شركات النظافة قصيرة الأجل، لا تتعدى سنة واحدة أو سنتين، وليس سبع سنوات كما هو حاصل الآن، بحيث يكون لدينا مجال لتغيير وتعديل أو حتى إلغاء هذه الاتفاقات إذا لم يقم اي من الطرفين بتلبية احتياجات الطرف الآخر، أو يلتزم ببند من بنود شروط هذا الاتفاق، وخصوصا في ظل تدني مستوى النظافة في بعض محافظات المملكة الخمس، وكذلك تفعيل اجراءات النظافة ضمن استراتيجية طويلة المدى، فهو مطلب حيوي وضروري جدا، بحيث تشمل هذه الاستراتيجية مراجعة شاملة لعدد سيارات نقل القمامة والحاويات، وهل هي كافية للعمل البلدي أم لا، وتحديدا اماكن وضع هذه الحاويات في الشوارع والطرقات والميادين العامة بالاضافة إلى زيادة عدد عمال النظافة. ختاما، هذه هي بعض هموم الشأن البلدي في المملكة، طرحتها لعلها تجد بعض الآذان الصاغية لحلها من قبل جميع الأطراف، والله الموفق لما يحبه ويرضاه.
العدد 1155 - الخميس 03 نوفمبر 2005م الموافق 01 شوال 1426هـ