العدد 1155 - الخميس 03 نوفمبر 2005م الموافق 01 شوال 1426هـ

إلى ماذا تحتاج سورية في محنتها؟

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

لا شك في أن سورية في محنة، قلما واجهت مثلها في تاريخها الحديث. اذ تتشارك جملة معطيات وتفاعلات داخلية مع أخرى خارجية، لتضع سورية على حافة الهاوية، على رغم كل الاعلانات وحملات الديماغوجيا التي يتشارك فيها رسميون وشعبويون في الداخل، وآخرون يدعمونهم في الخارج من سوريين وعرب وبعض الذين يصنفون أنفسهم في قائمة الأصدقاء في البلدان الاجنبية. والأساس في المحنة الداخل السوري، وما يمثله من معطيات سياسية واقتصادية واجتماعية، فاقمت الوضع السوري الى حد صار الأمر يتطلب اجراءات وخطوات جذرية في التعاطي مع الشأن الداخلي في مجالاته ومستوياته المختلفة، إذ بات الامر يتطلب اصلاحا سياسيا، يأخذ سورية باتجاه الديمقراطية والحريات والتداول على السلطة بعد عقود من حكم الحزب الواحد بطابعه الشمولي، كما أن الوضع يتطلب اصلاحا اقتصاديا - اجتماعيا يعيد هيكلة الاقتصاد ودور الفئات الاجتماعية المختلفة فيه وفي ناتجه بعد أن كرست السياسات السابقة، طابعا احتكاريا فئويا في الانتاج والخدمات والنهب البيروقراطي، لا يتعدى المستفيدون منه الخمسة في المئة، ودعمته بتعميم الفساد المنظم والرشوة، ثم اضافت اليه نتائج كارثية على الصعيد الاجتماعي بتعميم الفقر وتوسيع طيف البطالة، إذ واحد من كل ثلاثة سوريين تحت خط الفقر، وقرابة واحد من اربعة ممن هم في سن العمل موجود في فئة العاطلين عن العمل. وعلى رغم ان الجزء الاساسي من المعطى السوري الداخلي ليس بجديد، فقد زادت أهميته وتصاعدت في السنوات الاخيرة في ضوء التغييرات العاصفة التي اجتاحت العالم والمنطقة، وتزايد الحديث معها عن نهاية الأنظمة الشمولية وعن ضرورة الديمقراطية والحريات والتعددية باعتبارها أساس الزمن السياسي في العالم المعاصر، واضافة الى ذلك أهمية قيام حراك ثقافي وسياسي على مستوى المجتمع وجماعاته السياسية، طرح ضرورة الاصلاح، وتناغمت السلطات معه في مستويات معينة من دون أن تذهب في الاصلاح مذهبا عمليا وجوهريا، ما اضاف تعقيدات جديدة لتفاقمات الوضع الداخلي. وكما حركت التغييرات التي اجتاحت العالم الوضع الداخلي في سورية، فقد حركت الأوضاع الاقليمية المحيطة، فجاءت التغييرات لتشمل العراق، ايران، لبنان، فلسطين وتركيا مع بلدان اخرى، تتصل سياستها بالسياسة السورية تقاربا او تنابذا، ما ولد نوعا جديدا من العلاقات سواء في محتوياتها او مستوياتها، وقد توسع تأثير المتغيرات ليشمل علاقات سورية بما وراء الاقليم المحيط وصولا الى علاقاتها الدولية ولاسيما مع الولايات المتحدة واوروا، فانقلبت تلك العلاقات. ومثلما بدت السياسات السورية متقلبة ومترددة وغير جدية في معالجة الأوضاع الداخلية، مضت السياسة الخارجية في المسارات ذاتها وخصوصا فيما يتصل ببعدها الإقليمي المباشر في فلسطين، العراق ولبنان، وهي البلدان التي اكتسبت منها السياسة السورية قوتها طوال العقود الماضية، ما ادى الى اعادة خلط اوراق العلاقات والتحالفات وسط اجواء من التقلبات المعلنة والمسكوت عنها، وضاعف من خطورة ما يحدث الدخول الاميركي القوي والمباشر على السياسة الشرق اوسطية عبر بوابة الحرب على العراق مؤذنا بنهاية الدور الاقليمي لسورية عبر اعلانات مباشرة لوضع حدا "التدخلات" السورية في البلدان المجاورة مع تركيز على العراق، لبنان وفلسطين. وعلى رغم ان موضوع العراق كان البوابة الأهم في محنة سورية الخارجية من خلال اتهامها بتشكيل قاعدة استناد وتسريب مقاتلين الى العراق وعدم التعاون في أمن العراق، فان صدور تقرير المحقق الدولي ديتلف ميليس بشأن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري نقل محنة سورية الخارجية الى مستوى أعلى من خلال اتهامها ومسئولين فيها بدور في اغتيال الحريري، ودفع باتجاه عقوبات دولية، قد تصل حدود استخدام القوة المسلحة، وهو ما يجعل المحنة الحالية أهم ما واجهته سورية في تاريخها الحديث. والسؤال عن حاجة سورية في محنتها، لابد ان يستند الى مكونات وظروف المحنة، والأساسي فيها، سياسة السلطات السورية، التي تحتاج بصورة عاجلة الى اعادة تقييم سياساتها في المستويين الداخلي والخارجي، واعادة تصويب تلك السياسات بالاستناد الى المصلحة الوطنية السورية أولا، بما هي مصلحة السوريين، وليس مصلحة الحزب الحاكم او النخبة الحاكمة، وغالبا ما جرى ادغام المصلحة الوطنية السورية بمصلحة الحزب والنخبة الحاكمة، لكن في هذه المرة ينبغي الفصل بصورة واضحة تماما. واستنادا الى الرؤية الجديدة يمكن التوصل الى قرار فيما اذا كانت السلطات السورية ستمضي - واستنادا الى المصلحة الوطنية السورية - في مواجهة مع الضغوط والتهديدات، او انها ستتجه الى تسويات سياسية، قد تكون مؤلمة على صعيد الحزب والنخبة الحاكمة. والقرار في كل الحالات سيأخذ في الاعتبار، أن سورية بلد صغير محدود القدرات والامكانات، ولا يتوافر له دعم جدي في المستويات العربية والدولية في مواجهة التغول الاميركي على المنطقة. ولاشك، ان اتخاذ سورية قرارا يستند الى المصلحة الوطنية السورية ومعبرا عنه بصورة عملية، سيعيد ترتيب الاوضاع الداخلية، وسيجد القرار السوري ايا يكن مضمونه قوة داخلية تدافع عنه، قوة تتجاوز في آن معا قوة الحزب الحاكم وانصاره اضافة الى قوة النخبة ومريديها. إن الاساس في حاجة سورية لمواجهة المحنة اليوم، يبدو في كسر الثنائية التي يقوم عليها الموقف السياسي، وهو أمر يجد له عشرات التعبيرات، كان آخرها قرار السلطات السورية استمرار التعاون مع لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري والتشهير بتقرير ميليس. واذا كانت السلطات تؤكد استمرار تعاونها مع اللجنة، فكيف يمكن تفسير التحشيد الشعبوي لرفض تقرير ميليس وادانة رجل، قررت السلطات ان تستمر في التعاون معه؟ ان قدرة السلطات السورية على حسم أمورها، سيبدل البيئة المحيطة بها وبسياساتها في المستويات المحلية والاقليمية والدولية. وسواء قررت خوض مواجهة على نحو ما عبرت عملية التحشيد، او الدخول في تسوية سياسية عبر القول بأنها ستتعاون مع اللجنة الدولية، فستجد لها خصوما وانصارا مختلفين عن الخريطة الحالية لخصومها وأنصارها.

العدد 1155 - الخميس 03 نوفمبر 2005م الموافق 01 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً