رحل عنا بالأمس فقط شهر السكينة والطمأنينة، شهر رمضان المبارك، تاركا في نفوسنا مشاعر إيمان تضللها سحائب الروحانية والمحبة، إلا أن بني آدم أنفسهم لم يحسنوا فيه ولم يقدموا فيه من صالح الأعمال إلا القليل، ونخص بذلك إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش ونظراءها الأوروبيين. فالناظر إلى خريطة العالم اليوم بعين فاحصة لن يجد مشقة في أن يكتشف أن ما يشبه نذير حرب عالمية ثالثة آخذة في التشكل وتتغذى على تراكمات أمنية وسياسية متواترة. فعبد سنوات من جرحنا الفلسطيني - الذي مازال ينزف والسبب في ذلك وصفات دولية على شكل أقراص مهدئة سببت لمنطقتنا "ورما استيطانيا إسرائيليا" - وعلى غرار ما حدث للعراق، نجحت أميركا وبريطانيا وفرنسا في تمرير قرار في مجلس الأمن يدعو سورية إلى التعاون مع لجنة التحقيق في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري بعد إجراء تعديل طفيف حذفت بموجبه إشارة محدودة إلى العقوبات. القرار الدولي 1636 لا يتضمن تهديدا واضحا لسورية وإن كان مبطنا، لكنه أعطى لجنة التحقيق "ورقة ثمينة" تقول إنه في حال "رأت اللجنة أن التعاون السوري لا يفي بمتطلبات هذا القرار، يتمكن المجلس إذا برزت الضرورة من النظر في إجراءات إضافية بموجب ميثاق الأمم المتحدة". وهنا تكمن الخطورة والمخاوف. لا أحد منا يستطيع الاستخفاف بالتهديدات الأميركية، فجميعنا يعلم أن النصائح "الجيدة منها والرديئة" لن تنقذ سورية من تلك التهديدات، والتعاون الذي يطلبونه لن يكون غير باب لجمع مزيد من الأدلة والقرائن لإثبات الإدانة وليس لإظهار البراءة. وحتى لو عاد ميليس وبرأ سورية من دم الحريري، فسيكون ذلك على الأرجح بعد فوات الأوان. ألم يبرر بوش غزو العراق بعد الغزو، وبعد أن تأكد الجميع من أنه لا صحة للأكاذيب المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل والعلاقة مع تنظيم "القاعدة"؟ المطلوب الآن سوريا وعربيا التحرك بدبلوماسية مكثفة لتلافي تكرار السيناريو العراقي، وأن يتم إغلاق أية ثغرة يمكن أن تستغلها الدول الغربية للتحرك ضد دمشق. رجاء صغير في حجمه كبير في مضمونه - مع علمي بأن النصائح لن تجدي - "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين".
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 1154 - الأربعاء 02 نوفمبر 2005م الموافق 30 رمضان 1426هـ