نقول، اننا ندرك ان نهج التحرر الاقتصادي يبرز في الوقت الراهن كنهج عالمي تتبعه الكثير من الدول في اطار برامج موضوعة للاصلاح الاقتصادي، ولكن في الوقت نفسه التحرير الاقتصادي له أثمان عالية، وإذا لم يعامل على أنه ليس غاية بحد ذاته، بل هو وسيلة لبلوغ غاية معينة، فإن تلك الأثمان ستتحول إلى خسائر فادحة لا يمكن استردادها. وهناك قضيتان ذات صلة بهذا الموضوع. ففيما يخص القضية الاولى، فإننا نلاحظ انه وعلى رغم الجهود المتواصلة والحثيثة التي تبذلها الأجهزة المعنية في دول المنطقة من أجل تثبيت وتطوير سياسات التحرر الاقتصادي والتي جاءت ثمرتها حصول بعض هذه الدول على مراكز متقدمة من حيث التحرر الاقتصادي عالميا، نقول على رغم هذه الجهود، فإن التحرر الاقتصادي المتحقق لم يتم استثماره بالشكل المطلوب سواء في جذب الاستثمارات الوطنية أو الخارجية. فاجراءات التحرير الاقتصادي تنطوي على كلفة يدفعها الاقتصاد الوطني نفسه، واذا لم تقابل هذه الكلفة المردودات المرضية على المديين القصير والطويل الأجل فلابد ان يعاد النظر في تلك الاجراءات. ويمكن الملاحظة أيضا ان حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية لا تزال في مستويات متواضعة كما سبق أن ذكرنا، كما لايزال هناك الكثير مما يستوجب العمل من اجل تحقيقه لمرحلة ما بعد التحرر الاقتصادي. وللتوضيح فإننا نشير هنا الى جانبين رئيسيين لما نطمح ان نرى تحقيقه خلال الأيام المقبلة. فالجانب الأول وجود برامج واضحة ومرسومة لأهداف ومضامين وأساليب الاصلاح الاقتصادي الذي نسعى الى تحقيقه والذي سيوصلنا الى بناء اقتصادات منوعة ومتينة وبحيث تبين هذه البرامج الدور المناط بكل قطاع اقتصادي والأسس المعتمدة لتحسين كفاءة كل قطاع ومن بينها سياسات التحرر الاقتصادي. فمن شأن وجود هذه البرامج ان توضح وتطمئن المستثمرين للمسارات الاستراتيجية للتنمية وكيفية تحقيق مساهمات أكبر من قبلهم في تحقيقها. أما الجانب الثاني فهو وجود مبادرات أكبر وأوسع للقطاع الخاص لتحفيز استثماراته الوطنية في جميع الأنشطة الاقتصادية. أما القضية الثانية، فهي الخاصة بالاجراءات المصاحبة لقرارات التحرير الاقتصادي. فعندما يجري الحديث عن اندماج اقتصادات العالم وتكاملها خلال السنوات المقبلة، فإن القائمين على تخطيط وتوجيه هذه الاقتصادات لابد انهم الآن يواصلون البحث عن المزايا الخاصة التي تتمتع بها اقتصاداتهم لتمتاز بها عن بقية دول العالم في منظومة الاندماج والتكامل. وفي الوقت الذي نتفق فيه على أن الاستعداد لهذا الاندماج بحاجة الى خطوات تتخذ منذ الآن لكي لا نجبر لاحقا على اتخاذ خطوات متعجلة وقسرية، فإننا نرى ان فترة السماح الممنوحة للدول النامية لتحرير اقتصاداتها والتي تصل الى عشر سنوات لبعض الخدمات ليس المقصود منها تمكين هذه الدول من اتخاذ خطوات تمهيدية على طريق التحرير والتكامل فحسب، بل والأهم من ذلك تأهيل أنشطتها وقطاعاتها الاقتصادية، وخصوصا تلك التي تمتاز بمزايا تنافسية واضحة تؤهلها للاستمرار والتفوق حتى يظل الانفتاح الكامل وذلك من خلال سلسلة من اجراءات التعزيز والتقوية الذاتية
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1152 - الإثنين 31 أكتوبر 2005م الموافق 28 رمضان 1426هـ