العدد 1151 - الأحد 30 أكتوبر 2005م الموافق 27 رمضان 1426هـ

غرفة تجارة وصناعة البحرين نموذجا

الاقتصاد حين يترهل اجتماعيا وإعلاميا...

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

أنفقت المؤسسات الاقتصادية والتجارية الأميركية على الأنشطة الاجتماعية والثقافية في العام الماضي "تريليون دولار أميركي"، هذا ما كان مسببا رئيسيا في أن يتحكم القطاع الاقتصادي الأميركي في أهم القرارات السياسية الأميركية، وهو ما لا يمكن أن نصفه بأنه "سلوك غير حضاري"، فالواقع الاجتماعي يتطلب أن تتحكم هذه المؤسسات بشيء من السياسة ما دامت تدفع المليارات على المدارس والجامعات وهياكل التنمية. بحرينيا، ثمة الكثير من الإشكالات التي تعكر صفو أية قراءة تحليلية لسلوك القطاع الاقتصادي تجاه المجتمع، وكما أننا نهاجم "المؤسسات الدينية وخطاباتها وإنتاجاتها"، حين تنتج من هو على شاكلة بن لادن، فإننا نحاكم ونسأل غرفة تجارة وصناعة البحرين على السياق نفسه. كم من مؤسسة مالية في البحرين لا تنفق دينارا واحدا على التنمية لهذه البلاد، وكم من أوراق بيضاء قدمها مسئولو العلاقات العامة في الشركات البحرينية للسائلين من طلبة جامعة البحرين عما قدمته هذه الشركات لخدمة المجتمع؟ ببساطة ثمة في المقابل، هناك مؤسسات بحرينية ساهمت بفاعلية في بناء بعض المدارس والأقسام الطبية والحملات الوطنية التوعوية. ولابد أن نتوقف عن الحديث عن قطاع الأعمال البحريني بوصفه "صورة واحدة"، لنقسم هذا القطاع لواقعه الحقيقي من دون مزايدة أو مبالغة. سنحاول في هذه النقاط البسيطة سبر شيء من الخريطة الاقتصادية البحرينية: أولا: سؤال رئيسي، ما هي الصورة الذهنية عن رجال الأعمال في البحرين، طبعا لا يمكن لنا أن نطلق أحكاما نهائية عن الصورة الذهنية لرجال الأعمال البحرينيين في المتخيل الاجتماعي لدى الإنسان البحريني، إلا أننا نراهن على أن إعداد مثل هذه الاحصاءات العلمية هو آخر ما يشغل جهاز البحث في غرفة تجارة وصناعة البحرين، إن افترضنا وجود هيكل تنظيمي داخل الغرفة يحتوي مركزا للبحث والتخطيط، على ألا تفاجئنا الغرفة بادعاء وجود مركز للبحث يتكون من خمسة أو ستة اختصاصيين في أحسن تقدير، فما نعنيه بمركز البحث والدراسة هو "جهاز مكون من فرق علمية متخصصة تهتم بالبحث الاستقصائي المسحي بحسب أحدث النظريات العلمية للعلاقات العامة". في المجمل نستطيع ان نقف في منطقة متوازنة، ثمة أسماء قليلة نسبيا من رجال الأعمال البحرينيين ممن يلقون جاذبية شعبية جراء مساهماتهم الاجتماعية في التنمية الوطنية. وهذا التوازن في الرؤية يفرض علينا أيضا أن نقدر نسبة الجاذبية في منطقة منخفضة نسبيا، وهو ما دللت عليه بعض المعالجات الصحافية لتدخلات رجال الأعمال في الحوارات السياسية، إذ ذهبت أكثر المعالجات لتصف التدخلات بأنها تمت من قبل "الطامعين بمزيد من الأرباح"، "اللامراعين لمصالح الفقراء والمعدمين"، "الرافضين الدائمين لزيادة رواتب القطاع الخاص"، "المحاربين للنقابات العمالية ومصالح العمال". ثانيا: لابد أن قطاع الأعمال البحريني لا يمثل ثقلا إقليميا بالمستوى المتوقع، فالرأس مال البحريني محدود نسبيا على رغم المبالغات في المكشوفة في صحافتنا المحلية، ليست رؤوسنا المالية سوى أصفار معدودة امام الرساميل السعودية والإماراتية. قطاعنا الاستثماري يفتقد إلى صورة اتصالية تطويرية، ومرجعية هذه الإشكالية ومسببها الرئيسي هو فقداننا لجهاز حكومي يطلق عليه في النظم الاقتصادية الحديثة "وكالات العلاقات العامة الدولية". هذا الجهاز، يشرف على توجيه الاستثمارات البحرينية خارج البحرين وداخلها، وللدلالة عليه نحيل لمتابعة الأدوار التي لعبتها وكالتا الاستعلامات البريطانية ،1947 أو الأميركية 1953 وتأثيراتهما على الاستثمارات الأميركية والبريطانية منذ تأسيسهما حتى اليوم. البحرين ممثلة بغرفة تجارة وصناعة البحرين حين تفتقد لوكالة استشارات استثمارية مهتمة بالعلاقات العامة الدولية تقف في زاوية المنتظرين للاستثمارات القادمة من كرم السماء، دونما رؤية تسويقية اتصالية حقيقية للبحرين كبلد استثماري، ودونما توجيه لرؤوس الأموال البحرينية للاستثمار في الخارج، هذا ما نلمحه على الأقل من خلال متابعاتنا للمنتجات الاتصالية التي تقوم بها الجارة العملاقة دبي في جميع أجهزة الاتصال الدولية من إعلانات ترويجية للاستثمار في السوق الاماراتية عبر سياسة استغلال الفرص الاستثمارية وتطويع أطماع السوق النهم للربح للتدفق - عرضيا - نحو الاقتصاد الإماراتي. ثالثا: إن محاولات رجال الأعمال الدخول في المعترك السياسي البحريني لابد أن يتم التخطيط لها بصورة علمية، وعوض الارتهان للخسائر الكبرى في الإعلانات والبرامج التسويقية الكلاسيكية، على رجال الأعمال إدراك التكوين الحقيقي للمجتمع البحريني ومعرفة قوى الضبط المسيطرة على رأيه العام، ومن ثم الانطلاق نحو خيار المشاركة في القرار السياسي الوطني. طبعا، من المهم جدا أن تساهم رؤوس الأموال البحرينية في صناعة القرار السياسي، إلا أن ثمة ضريبة لابد أن تدفعها هذه المنظومة، أولى بنود هذه الضريبة إصلاح البيت الداخلي لرجال الأعمال البحرينيين "غرفة صناعة وتجارة البحرين"، هذه الأجنحة المتصارعة عليها الاهتمام بفلسفة الربح تدوير عجلة الاقتصاد عوض الضرب في بعضها بعضا من دون فائدة، ثاني الضرائب هو إقناع الشارع بأن أعضاء هذه الطبقة رجال وطنيون صالحون، ليس الربح هو هدفهم الأخير بل أن تنمية المجتمع وتحقيق مصالح الأفراد هو ضمن اهتمامات هذه الطبقة وأولوياتها، فعليها المساهمة الفعلية في دعم شتى البرامج الوطنية والاجتماعية، وعليها تفعيل برامج التدريب والتطوير للمواطن البحريني، عليها أن تراهن على المواطن البحريني فهو من سيصل بشخوص هذه المؤسسات والتكتلات الاقتصادية إلى مقاعد البرلمان. رابعا: على غرفة تجارة وصناعة البحرين أن توازي في نتائجها مرحلتها التاريخية، لنا أن نحاسب الغرفة عن إدارتها للبيت الاقتصادي والتجاري والاستثماري داخل البحرين وخارجها، أين برامجها الاستثمارية لرؤوس الأموال البحرينية في الخارج، وأين إعلاناتها وندواتها ومؤتمراتها لدعم هذه الاستثمارات وتنميتها؟ أين نتائج بحوثكم التطويرية والمسحية؟ أين مطالبات رجال الأعمال وبيانات احتياجاتهم من المؤسسات السياسية والمصاغة بطريقة علمية وقانونية؟ أين نشرتكم الشهرية المتكاملة؟ أين أسابيعكم الاستثمارية لمختلف قنوات الاستثمار في المعلوماتية والتقنية طوال العام، والخشية أن يكون ترد علينا الغرفة بأنها نظمت اربعة مؤتمرات أو خمسة، إلا أنها لم تحتو عقد صفقة واحدة! إدارات العلاقات العامة سواء في غرفة تجارة وصناعة البحرين أو في باقي المؤسسات التجارية البحرينية لها وظيفتان مزدوجتان، وطبعا في سياقنا البحريني يهتم بإحدى الوظائف وتهمل أخرى، في وظيفتها الأولى تعمل هذه الإدارات على أن تمثل مراكزها وترعى مصالحها وصورتها لدى المجتمع، وهي في هذا السياق عاجزة أيضا وذات سقطات كبرى، ولنا أمثلة عدة، هل تصدر إدارة العلاقات العامة والإعلام بغرفة تجارة وصناعة البحرين تقريرا دوريا يحتوي مساهمات أعضائها في التنمية الوطنية كبناء المدارس، والمساهمة ببناء بعض الوحدات العلاجية، ومنح التدريب والتعليم، وهل يتم توزيع هذه التقارير على أجهزة الإعلام والجمهور. إن بعض الشركات والمؤسسات البحرينية تقوم بمثل هذه الخدمات إلا أنها لا تجد تغطية إعلامية مقنعة، هذا ما يعزز لدى المواطن إحساسه بأن هذه المؤسسات هي مؤسسات لا تساهم في عجلة التنمية الوطنية، وأن أصحابها مجرد انتهازيين. على الأقل نريد ان نعرف ببساطة من من مؤسساتنا الوطنية يساهم في تنمية بلدنا ومن منها يكتفي بالربح. ومن جانب آخر، على هذه الإدارات أن تمثل مصالح الصحافة والمواطنين داخل هذه المؤسسات، لذلك قد تكون هناك الكثير من المواقف التي ستعتبر أخلاقية بالدرجة الأولى اكثر منها مهنية. وهذا مالا نستطيع الخوض فيه، فالتجربة الحديثة للعلاقات العامة والإعلام في النماذج الليبرالية المعتبرة طموحة وتصل حد التدخل في وضع الموازنات العامة للمؤسسات لدعم المجتمع وبرامجه التنموية، وهذا ما نخجل عن ذكره هنا. كم من شركة في البحرين، اجبرتها إدارة العلاقات العامة على تخصيص جزء من أرباحها لبناء مدرسة أو مؤسسة لرعاية المعوقين، وهل تدعو غرفة تجارة وصناعة البحرين أعضاءها لمساهمات اجتماعية مبرمجة في خطط خمسية أو عشرية؟ لعل التنمية في برامج تنمية الوطن معلومات سرية! خامسا: ثمة بما لا يدعو للشك نوع من اللامهنية الاقتصادية لدى بعض المتنفذين في القطاع الاقتصادي البحريني، هؤلاء يساهمون من جهة في تقويض قوة المشاركة السياسية لهذا القطاع من جهة، ويجعلون من مجمل الحراك الاقتصادي البحريني حراكا مريضا من جهة أخرى. لدينا طبعا قائمة من رجال الأعمال المرضى بهوس الطائفية وصراعات العائلات الاقتصادية الكبرى، لدينا نماذج جيدة في الاستقواء ببعض الفاعلين الاجتماعيين من الدولة في سبيل الحصول على إمتيازات أكثر مما يحظى بها الآخرون. ثمة أيضا تصارع عنيف على لقب شاهبندر التجار، وهذا ما يعطل في الحقيقة من فعالية غرفة تجارة وصناعة البحرين بوصفها البيت الداخلي لهذا القطاع الاجتماعي من جهة، وما يكبح مقود التفاهمات والمشاركات المأمولة بين قطاع رجال الأعمال البحرينيين وبين عموم الطبقات الفاعلة اجتماعيا وسياسيا. سادسا: مساءلة الحكومة/ نسأل، لماذا تخاف غرفة تجارة وصناعة البحرين حتى الآن عبر خطابها نقد الدولة، لنلاحظ المؤشرات الآتية: الحكومة غير منظمة اقتصاديا، ومن أهم الملاحظات في هذا السياق تأخر نظمها القانونية واستحالة مسايرة نظمها لما تحتاجه البلاد من قوانين وتشريعات ثابتة وقوية للاستثمار، القوانين البالية مثل قانون السجل التجاري ،1961 وقانون العمل ،1976 حتى آخر القوانين 2001 وهو قانون الشركات التجارية فهو قانون غير فعال. كما ان الحكومة لا تمتلك أجندة اقتصادية حقيقية كان من المفترض ان تتمثل فيما يسمى بوكالات أو هيئات الاستشعار عن بعد في المفاهيم الاقتصادية الحديثة. هذه المؤشرات مجتمعة تحيل إلى أنه من الضرورة أن تعبر الغرفة عن ضعفها المرغمة عليه جراء لا نظامية الحكومة في المطلق، بمعنى أن الغرفة فاقدة للنظام لأنها تعيش في منطقة فاقدة للنظام، والقطاع الاقتصادي في مجمله هو تمثيل للواقع الاجتماعي والحكومي، حكومة لا منظمة، وحكومة تستهلك الكثير من الوقت حتى تدخل في اتفاقات التجارة الدولية وفي ظل قوانين صفراء لن تنتج سوى غرفة صفراء فاقع لونها لا تسر الناظرين. وللحديث صلة..

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1151 - الأحد 30 أكتوبر 2005م الموافق 27 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً