يتعامل بعض المسئولين في مجتمعاتنا العربية ممن يطلق عليهم "المهمون" والكبار مع مناصبهم وكأنها ميراث ورثوه عن آبائهم، ومع المؤسسات التي يديرونها وكأنها اقطاعياتهم الخاصة أو حدائق بيوتهم الخلفية. ربما لأن الإرث العربي منذ أيام الدولة الأموية وحتى اليوم أرسى مبدأ المسئول المؤبد في وظيفته التي لا يغادرها إلا إلى القبر. مبدأ توارث الوظيفة الرسمية المهمة والخطيرة تحديدا كان من الأسباب القوية لفساد الإمبراطورية الفرنسية أيام أسرة آل البوربون الذين انتهى بهم الأمر إلى الإعدام تحت مقاصل الثورة الفرنسية. تقرير الفساد الذي صدر حديثا عن منظمة الشفافية الدولية للعام ،2005 كشف عن تراجع مكافحة الفساد في البحرين بواقع نقطتين لتحتل المرتبة الرابعة خليجيا على رغم أنها الدولة الثانية من حيث وجود رقابة برلمانية، هذا المؤشر يكشف عن خلل كبير في عملية الرقابة التي تتم على أساس المصالح، ففلان من النواب لا يهدد بفتح ملف مسئول معين إلا إذا تعارضت بينهما المصالح. تقرير الشفافية الدولية أكد أن ظاهرة الفساد لم تعد تهمة من نصيب العالم الثالث فقط، لكن الحق الذي يجب أن يقال هو ان الفساد وان ضرب عميقا في بنية المؤسسات المالية والصناعية والسياسية العملاقة في عالم الغرب فإن تتبعه وكشفه ممكن وميسور مهما طال الزمن، أما في العالم الثالث فالفساد ديانة رابعة يعاقب بالرجم والإعدام كل من يجرؤ على الاقتراب من أربابها وأصنامها الكبيرة! ما يجعل كشف الفساد أمرا ممكنا هو حرية الاطلاع على المعلومات، وهو ما يجعل محاكمة الفساد في دول الغرب والولايات المتحدة ميسورا هو وجود البرلمانات المنتخبة ديمقراطيا والتي تمتلك الصلاحيات الكاملة لمباشرة الرقابة، ومع وجود سلطة رقابة برلمانية في البحرين وديوان للرقابة المالية، فإن البحرين تراجعت في محاربة الفساد، وهنا يطرح السؤال نفسه لماذا؟
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 1150 - السبت 29 أكتوبر 2005م الموافق 26 رمضان 1426هـ