في 16 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1986 أرسل الطيار الإسرائيلي رون أراد في مهمة عسكرية فوق مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بمدينة صور اللبنانية، إلا أن خللا فنيا أصاب الطائرة أدى إلى تعطلها ثم تحطمها في الجو وهبوط قائدها بمظلة النجاة فوق الأراضي اللبنانية، فأمسك به مقاتلون من حركة أمل كانوا يراقبون المشهد بعناية، وبسبب فوضى الحرب الأهلية التي كانت مستعرة آنذاك في لبنان فقد تعقدت وسائل البحث عن أراد وبقيت المعلومات حوله تراوح مكانها إلى أن اعتقل مصطفى الديراني في العام ،1994 إذ تبين من خلال التحقيق معه أنه تسلم من مقاتلي حركة أمل الطيار الإسرائيلي، إذ نقله إلى بيته لعدة أيام قبل أن يسلمه إلى زكريا حمزة في منطقة البقاع، ثم سلم إلى مسئول الحركة في بلدة النبي شيث "أبوطلال"، إلا أن قصفا إسرائيليا "عشوائيا" لمخبئه جعلت منه لغزا محيرا، فلم يعد أحد يعلم أين اختفى، بمن فيهم حراس المخبأ، على رغم ان مصادر إسرائيلية تقول إن جهات مسلحة مرتبطة بطهران هي التي قامت باختطافه ونقله على الفور إلى إيران. القضية مر عليها الآن أكثر من تسعة عشر عاما، ويبدو أن الإسرائيليين مازالوا يصرون على الوسيط الألماني لحصر مسألة تبادل الأسرى في حدود ضيقة تشمل اللبنانيين والفلسطينيين وبعض أسرى دول الطوق، وهو رهان لن يحرك موضوع رون أراد البتة، والهدف الإسرائيلي من ذلك واضح ومعروف، فـ "إسرائيل" تريد تمييع قضية الدبلوماسيين الإيرانيين وتصر بين الفينة والأخرى على أنها لا تحتجز أحدا في سجونها يحمل الصفة الدبلوماسية الإيرانية، وذلك للضغط على طهران للمساهمة في كشف مصير الطيار المفقود. إيران بدورها تقول إنها لا تعرف أية معلومات عن الملاح الإسرائيلي المفقود، وتصر على أن دبلوماسييها موجودون لدى "إسرائيل"، وتستند في ذلك إلى قرائن كثيرة، وروايتها في ذلك تقول إن القائم بأعمال السفارة في بيروت محسن الموسوي والدبلوماسيين أحمد متوسليان وتقي رستكار مقدم، والمصور الصحافي في وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء كاظم أخوان، كانوا عائدين بسيارتهم الدبلوماسية ترافقهم دورية تابعة لجهاز أمن السفارات في الشرطة اللبنانية إلى مقر السفارة الإيرانية في بيروت العام ؟؟؟؟ عندما اعترضهم حاجز تابع لميليشيا "القوات اللبنانية" في منطقة البربارة شمال العاصمة اللبنانية، إذ أقدم عناصر الحاجز على اختطافهم واقتادوهم إلى مقر الأمن المركزي التابع لهم في منطقة الكرنتينا "شرق بيروت"، إذ تم احتجازهم لنحو ثماني سنوات. وفي العام ؟؟؟؟ وقبيل قرار حل الميليشيات في لبنان، تنفيذا لاتفاق الطائف، أقدمت ميليشيا القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع على تسليم الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة إلى "إسرائيل"، إذ تم نقلهم إلى داخل فلسطين المحتلة بحرا عبر زورق حربي إسرائيلي عن طريق مرفأ خاص في جونية "شمال بيروت" كان يسيطر عليه جعجع. طبعا المعلومات التي جمعها الإيرانيون من خلال علاقاتهم مع الحركات الفلسطينية المسلحة وبعض الشخصيات اللبنانية كزعيم حزب الكتائب كريم بقرادوني الذي كان مرتبطا بالقوات اللبنانية في السابق، أشارت إلى أن الدبلوماسيين الأربعة موجودون داخل فلسطين في أحد السجون الإسرائيلية، وهو ما صرح به تحديدا الناشط الحقوقي الفلسطيني أحمد حبيب الله في العام ،1998 عندما أشار إلى أنه رأى هؤلاء الأسرى أحياء وتحدث معهم. وما يزيد الأمر ريبة بالنسبة إلى طهران هو مقتل حبيب الله لاحقا في ظروف غامضة، قالت "إسرائيل" فيما بعد انه مات في حاث سير. "إسرائيل" تواجه ضغوطا متزايدة في الداخل مع وصول عجزها في العثور على الطيار إلى منتهاه، بالإضافة إلى بروز بعض الجمعيات والمنظمات الحقوقية الإسرائيلية ومزاحمتها في الكشف عن الملاح المفقود، كجمعية "رون أراد ولد ليكون حرا"، ورصد مبلغ 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، وخصوصا أن الشارع الإسرائيلي مهتم للغاية بمسألة رون أراد. وبين استطلاع للرأي أجرته إذاعة تل أبيب الرسمية أن 59,2 من الإسرائيليين يعارضون صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله ما لم تشمل رون أراد، وربما المزعج أكثر لـ "إسرائيل" هو ما يتم تداوله بين أوساط بعض المتدينين اليهود عن مستقبل زوجة أراد واسمها تامي، مع مرور كل هذه الفترة الزمنية، وإثارة سؤال ملح للحاخام الأعظم في "إسرائيل": هل تتزوج تامي من جديد؟ * كاتب بحرين
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1150 - السبت 29 أكتوبر 2005م الموافق 26 رمضان 1426هـ