العدد 1148 - الخميس 27 أكتوبر 2005م الموافق 24 رمضان 1426هـ

منطقتنا اكتوت بالنار الأميركية سياسيا وأمنيا

فضل الله محذرا من اختراق أميركي للبنان:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

أكد السيد محمد حسين فضل الله، على احترام تطلعات الآخرين ومصالحهم عندنا من حيث المبدأ، مشيرا إلى أننا نقر بتطلعات الغرب في هذا الجانب شرط احترامه مصالحنا ومبادئنا وقيمنا. وأكد أننا اكتوينا، كشعوب عربية وإسلامية، بنيران السياسة الخارجية الأميركية، كما اكتوى الاميركيون بنيران ادارتهم في السياسة الداخلية وأمام كوارث الطبيعة. وإذا أعرب عن احترام الكثير من الشرائح الغربية، حذر من مراكز الدراسات التي تشرف عليها شركات سياسية واقتصادية موجهة ومن قوى ذات أحقاد مبيتة ضد العرب والمسلمين. وامتدح عمل القيادات الغربية لحساب شعوبها ومراعاتهم مصالح الناس وعملهم في نطاق مؤسسي هادف بعكس ما هو موجود عندنا، مؤكدا على الحذر من الهجمة الأميركية التي تحاول البناء على كثير من الأخطاء لإحداث اختراق في لبنان والمحيط. جاء ذلك في سياق رده على سؤال في ندوته الأسبوعية بشأن نظرة الإسلام لمسألة المصلحة وإشكالية العلاقة مع الغرب على أساسها؛ وفيما يأتي التفصيل. منذ أن انطلق الإسلام في حركة الوحي التي نزلت رحمة ورضوانا على قلب الرسول الأكرم "ص" وعقله وهو يستهدف في رسالته الخاتمة إنقاذ البشرية كلها، ليكون النبي محمد "ص" رحمة للعالمين، ويتحرك الدين الجديد في ما هي مصالح الناس جميعا في الدنيا والآخرة. ولذلك لاحظ الباحثون أن الإسلام جهد في تشريعاته وفي منظومته الأخلاقية تقديم الحلول للبشر جميعا، وعلى النظر إلى مصالحهم كبشر بصرف النظر عن انتماءاتهم واختلاف ألوانهم وأعراقهم، وإن كان قد حرص على وضع الأسس لتأمين حماية ذاتية أو ثقافية أو فكرية أو ما إلى ذلك، للمنتمين إليه، لأن من شأن ذلك أن يشكل الأساس لحماية الدين نفسه من خلال حماية الطليعة الأولى التي أخذت على عاتقها إيصال هذا الفكر وهذه القيم إلى أقصى مكان تستطيع في هذا العالم. وعندما أكد الإسلام على تكريم العنصر البشري ككل، فإنه حرص على تحصين البناء الأخلاقي والقيمي الذي يحفظ هذا العنصر إضافة إلى العوامل الأخرى التي تكفل رخاء الإنسان وتحقيق طموحاته المشروعة ومصالحه المنشودة في إطار من التوازن الإنساني العام الذي يحفظ العلاقات الإنسانية في نطاق المصلحة العامة لكل الأمم والشعوب. وفي داخل الواقع الإسلامي، تشدد الإسلام في حماية الوحدة الداخلية للمسلمين وصونها، وتوعد الذين يسعون إلى التفرقة وزرع الانقسامات ووضعهم في مواقع الاتهام والملاحقة، لأن المصلحة العامة للأمة تقتضي حماية وحدتها وصون الاجتماع الإسلامي، حتى وإن كان ذلك على حساب بعض الحقوق الشخصية الناصعة في بعض الأحيان، ولذلك رأينا أن الإمام علي"ع" يقول: "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا علي خاصة". وإذا كان الإسلام حرص على حماية حقوق الأمة في مصالحها العامة، فإنه لم يتنكر لمصالح الأفراد، بل أفسح المجالات الواسعة أمامهم للتوسع في التجارات أو في المكاسب الحلال على المستوى الاقتصادي، كما انتزع حقوق الضعيف والفقير من القوي والغني، كما شرع في تأمين الحماية الأمنية والنفسية والسياسية للمجتمعات الإسلامية، ونظم علاقاتها بالمجتمعات الأخرى بعدما انطلقت من بناء الفرد والأسرة إلى بناء المجتمع وتطلع إلى بناء نظام العدل على مستوى العالم. ومن هنا كان الإسلام واقعيا عندما تعاطى مع مسألة المصالح والمفاسد انطلاقا من خلفيته الفكرية ومنظومته التشريعية التي تجزم بأن الدين جاء لخدمة الإنسان ولم يأت الإنسان لخدمة الدين، وبذلك حرك الاندفاع البشري في الاتجاه المصلحي العام الذي لا يتنكر للمبادئ والقيم، ولا يلغي في الوقت عينه تطلعات الأفراد نحو تحقيق مكاسب اقتصادية أو سياسية أو قيادية بعيدا عن المفاسد أو عن سلوك الطرق الالتفافية غير الشرعية. ولا يعني ذلك أن القيم والأخلاق الإسلامية تتجمد في النطاق المثالي لتكون بمثابة السجن الذي يمنع الإنسان من الانتصار لنفسه أو لحقوقه، بل على العكس من ذلك، فإن هذه القيم والأخلاق قد تتجمد في بعض مواقعها لحساب الصالح العام للفرد أو حتى للمجتمع، لأننا نعتقد بأن الأخلاق في الإسلام نسبية وتنطلق من حفظ الإنسان وحمايته، فإذا تحولت إلى سلاح ضد الإنسان وهددت مصيره فعند ذلك لابد من الأخذ بالسبل التي تقود لحماية الإنسان. ولذلك كنا نقول: إننا نرفض أن يقيدوننا بقيمنا ليمنعوننا من الأخذ بحقوقنا المشروعة كأمة، وخصوصا أننا نروي عن الرسول الأكرم "ص": "... الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق". ولا يعني ذلك أن علينا أن نرمي بمنظومة الإسلام الأخلاقية والتشريعية جانبا عندما تتراءى لنا مصلحة كبيرة هنا أو صغيرة هناك، بل إن علينا تطويع حركة المصلحة في السياق العام للمبادئ والأهداف والقيم والمقاصد الإسلامية. ومن هنا كنا نصر دائما على عدم القبول بأن "الغاية تبرر الوسيلة" ولكننا نرى أن شرعية الغاية لابد من أن تقودنا إلى أن ننظف الوسيلة في نطاق حركتنا وأسلوبنا الساعي لتحقيق هذه الغاية. وعلى هذا الأساس، نحن لا نرفض من حيث المبدأ احترام تطلعات الآخرين الذين يعتبرون أن لديهم مصالح عندنا، فنحن نقر بتطلعات الغرب على سبيل، المثال إلى وجود مصالح له عندنا، ولكننا في الوقت نفسه نؤكد أن لنا مصالح عنده وأن عليه احترام مصالحنا وقيمنا ومبادئنا في سياق حركته للحصول على هذه المصالح، كما يتطلع هو إلى احترامنا لأولوياته وأنظمته ويضع دفاتر شروط متواصلة ومتصاعدة لذلك. إننا لا نتعقد من الغرب ولا نحمل كعرب ومسلمين عقدة حيال الشعوب الغربية، وإن كنا نرفض سياسة هذه الإدارة السياسية في هذا البلد أو ذاك، وخصوصا الإدارة الأميركية، التي يحق لنا أن نعارض سياستها في المنطقة، كما يجد الأميركي نفسه بأن من حقه أن يعارض سياسة هذه الإدارة في العناوين السياسية والاقتصادية الداخلية، فإذا كان المواطن الأميركي اكتوى بنار هذه الإدارة في جملة من القرارات السياسية والاقتصادية غير الصائبة، أو أمام الكوارث الطبيعية التي عجزت عن مواجهتها، فلقد اكتوينا كشعوب عربية وإسلامية من السياسة الخارجية الأميركية ومن الكوارث الأمنية والسياسية التي تسببت بها في منطقتنا ومن فوضاها غير البناءة، وبات من حقنا أن ندخل في مواجهة مفتوحة مع هذه الإدارة وبالطرق الشرعية التي تقرها القوانين الدولية ولا تتنكر لها شرائع السماء. إننا في الوقت الذي نحترم الغرب على مستوى الروح العلمية التي قد تنطلق في الكثير من المواقع الأكاديمية ومراكز الدراسات، لا يفوتنا أن ثمة مراكز دراسات تشرف عليها شركات ذات توجهات اقتصادية وسياسية غير سليمة، وتمثل هذه الشركات قوى ذات اطماع وأحقاد مبيتة ضد العرب والمسلمين، أو لها مصالح في خلفياتها السياسية غير البعيدة عن "إسرائيل" تعمل على تزوير الوقائع والتنكر للحقائق الدامغة والابتعاد عن الموضوعية والحيادية، الأمر الذي يضعها في مواقع العداء لشعوبنا ويجعل من إمكان تصنيفها في نطاق المواقع الخطرة ضد قضايانا أمرا مباحا ويتيح محاسبتها علميا وسياسيا وبحثيا على هذا الأساس. ولكننا في الوقت عينه لا نتنكر لبعض الإيجابيات التي يتحرك بها الغربيون عموما، وخصوصا على مستوى القيادات في مراعاتهم لمصالح الناس عندهم، إذ يتحركون في نطاق مؤسسات، بينما تتحرك القيادات عندنا في النطاق القبلي أو العائلي أو حتى الشخصي. ولذلك نجد أن النماذج القيادية عموما عندهم تحترم شعوبها وتخاف منها، بينما نجد أن هذه النماذج في واقعنا تتسلط على شعوبنا وتصادر حقوقهم وتتنكر لقضاياهم... ومع ذلك، فإن علينا أن نعمل كأمة وكأفراد لإعداد جيل من القيادات الواعية التي تملك أن تحفظ حقوق شعوبها وأن تواجه الهجمة الكبرى على الأمة، لأننا نخشى من أننا نعيش في حال فراغ قيادي في كثير من المواقع، كما نخشى من أن الهجمة الأميركية تسرع خطواتها لإحداث اختراق ما في لبنان أو في المحيط حيث تحاول إعادة البناء على كثير من الأخطاء التي حصلت لتغيير وجه المنطقة لحساب "إسرائيل"، وهذا ما لا يمكن أن تقبل به شعوبنا التي لن تنطلي عليها كل المحاولات الدعائية والإعلامية الأميركية لتحسين صورتها عندنا، فيما تعمل على تهديم الهيكل الإسلامي والعربي على رؤوسنا جميعا في الفتن المتحركة التي تمهد لها السبل والمناخات المتعددة أو في تغطيتها الدائمة لجرائم "إسرائيل" وممارساتها

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1148 - الخميس 27 أكتوبر 2005م الموافق 24 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً