تستطيع بعض الحكومات العربية أن تقدم من المبررات والحجج الكثير بهدف شراء خاطر الحكومة الأميركانية مرورا عبر بوابة التطبيع مع العدو الصهيوني، وتستطيع أن تطلب من الكتبة والمطبلين وحملة المزامير أن يقفوا طوابير متعرجة أو مستقيمة يصفقون ويهللون لهذه الخطوات الجريئة والسياسة الواقعية التي تنتهجها هذه الحكومات. لكن المؤكد هو أن أي حكومة في أي بلد عربي مهما كبر أو صغر حجمه لن تستطيع أن تقنع شعبها بهذه الحجج والمبررات، وستمنى هذه المحاولات بالفشل الذريع وخيبة الأمل والرجاء، لأنها لن تجد من يقبلها أو يتعاطف معها سوى عدد قليل من ضعاف النفوس أو المخدوعين بالدعاية الإعلامية الصهيونية. وكما هو الحال في الكثير من الدول العربية فقد ابتلينا في مملكة البحرين ببعض الأصوات النشاز التي راحت تبرر توجهات الحكومة نحو رفع الحظر عن البضائع الصهيونية المسمومة. وليس هذا الكلام من باب سوق الكلام على عواهنه، لكنه تعبير عن واقع الحال بعد أن فشلت الحكومة في تقديم أية أجوبة ولو ضعيفة أمام سيل الأسئلة التي راحت تنتشر في الشارع البحريني عن المغزى من هذه الخطوة والفائدة التي ستجنيها البحرين إن هي فتحت الباب على مصراعيه أما البضائع الصهيونية. فلقد وقف كل شعب البحرين بجميع فئاته وشخصياته ومؤسساته ضد التطبيع بكل أشكاله وصوره، حتى انتقلت هذه الروح الرافضة إلى أروقة مجلس النواب البحريني الذي استجاب إلى الموقف الشعبي الرافض للتطبيع فإذا به يعلن موقفه الرافض للخطوات الحكومية الرامية للتطبيع مع العدو الصهيوني، وبالإجماع في ظاهرة قل أن تتكرر تحت قبة البرلمان البحريني. ولعله من المناسب في هذا المقام الإشارة إلى الخطوات التي اتخذتها الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني لمواجهة هذه التداعيات الخطيرة، فلقد وجهت الجمعية الدعوة لجميع مؤسسات المجتمع المدني للتضامن ورفض ومقاومة التهافت الرسمي نحو التطبيع مع العدو الصهيوني، وقد قوبلت هذه الخطوة بالكثير من التفاعل والتجاوب إذ أشار رئيس مجلس النواب خليفة أحمد الظهراني، في رسالة جوابية موجهة إلى رئيس الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني إلى أن مجلس النواب قد ناقش هذا الموضوع في جلسته المنعقدة بتاريخ 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2005 وانتهى إلى التوصيات الآتية: 1- أن تتراجع حكومة البحرين عن قرارها برفع الحظر عن البضائع الإسرائيلية على اعتبار أن هذا القرار لا يعبر عن آراء الشعب البحريني وطموحاته، ويتعارض بشكل كلي مع الدين الإسلامي الحنيف، ومع تقاليد وأعراف المجتمع البحريني المسلم، وأن ترفض التطبيع مع "إسرائيل" بكل أشكاله وصوره. 2- إعادة فتح مكتب مقاطعة "إسرائيل"، تفعيله بنشر وعي المقاطعة في المجتمع البحريني، مع إسهامه جنبا إلى جنب مع مكونات المجتمع المدني للتصدي لقرارات التطبيع. 3- أن تلتزم حكومة البحرين بعدم اتخاذ أي قرارات مصيرية - كقرار رفع الحظر عن البضائع الإسرائيلية - من دون الرجوع إلى نواب الأمة. 4- أن تلتزم حكومة مملكة البحرين بالقانون رقم "5" لسنة ،1963 بتنظيم مكتب مقاطعة "إسرائيل" في البحرين وتوابعها، وإعادة فتح مكتب مقاطعة "إسرائيل"، وإلغاء القرار الصادر بإغلاقه. والحقيقة التي لا تقبل الجدال هي أن هذا الخطاب الصادر من رئاسة مجلس النواب قد خلق نوعا من الارتياح لدى جميع أعضاء الجمعية الذين شعروا بنوع من الاطمئنان إلى أن أعضاء مجلس النواب متمسكون بالثوابت الخاصة بالقضية الفلسطينية، وأنهم جميعا يقفون في الصف الرافض للخطوات الرسمية باتجاه التطبيع مع العدو الصهيوني. وهنا لابد من القول بأن موقف رئيس وأعضاء مجلس النواب بحاجة إلى ترجمة حقيقية، من خلال إصرار النواب ومتابعتهم للطريقة التي ستنفذ بها الحكومة توصيات المجلس، فحتى الآن لايزال مكتب مقاطعة "إسرائيل" معطلا، ولايزال الصمت مطبقا على الموقف الرسمي، فلم نر أي تعليق إيجابي، ولم نلمس أي خطوات باتجاه إعادة الأمور إلى نصابها. إننا نعتقد بأن الموضوع لم ينته بعد وهو بحاجة إلى حسم رسمي حتى يعرف الجميع التوجهات والخطوات التي يجب أن يقوم بها، وبالنسبة إلى الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني فإن خطاب رئيس مجلس النواب قد سجل موقفا متقدما وواضحا من خطوات الحكومة يمكن تلخيصه كالآتي: 1- إن كل الخطوات التي أقدمت عليها حكومة البحرين في سبيل رفع الحظر عن البضائع الإسرائيلية هي خطوات غير قانونية ولا تمتلك أي شرعية سابقة أو لاحقة، بل أن الخطاب يذهب أبعد من ذلك فيطالب الحكومة بالالتزام بإعادة فتح مكتب مقاطعة "إسرائيل" في البحرين وتفعيله. 2- أن جميع مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني مدعوة إلى مقاومة التطبيع ورفضه والتصدي له بكل الوسائل المشروعة لأنه يتعارض مع القانون والشرع والدين الإسلامي والعادات والتقاليد، وقبل كل شيء يتعارض مع طموحات وتطلعات شعب البحرين. 3- أن الحكومة قد ارتكبت مخالفة قانونية كبيرة عندما تجاهلت وجود القانون رقم "5" الذي يحرم التعامل مع "إسرائيل" ويجرم المتعاملين مع هذا العدو الصهيوني. من هنا فإن جميع تحركات الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني لرفض التطبيع وتفعيل برامج المقاطعة بالتعاون مع جميع الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني وقواه الحية تأتي متناغمة مع المزاج العام ومع الرؤى القانونية والشرعية المعتمدة في البلاد. من جانب آخر، فإن اجتماع وفد "الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني" مع وزيرة الشئون الاجتماعية فاطمة البلوشي في وقت سابق من هذا الشهر بحضور ممثلين عن بعض مؤسسات المجتمع المدني، قد أزال أي التباس أو تخوف من وجود توجه لدى الحكومة في الوقت الراهن لإغلاق أو تجميد النشاط الرافض للتطبيع مع العدو الصهيوني، إذ أكدت الوزيرة أن أي عمل تقوم به مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني ضمن حدود القانون للتضامن مع اخوتنا في فلسطين والتعبير عن رفض التطبيع سينظر له باعتباره عمل مؤسساتيا أهليا يتمتع بالمشروعية الكاملة. إن السبب الذي يجعلنا نركز على هذه النقاط هو رغبتنا في توجيه دعوة إلى الجميع بعدم التردد في الإعلان عن المواقف الواضحة الرافضة للتطبيع ودخول البضائع الصهيونية إلى أسواقنا، وفي هذا المجال فإن توجه الجمعية تقوم بجهود حثيثة لإصدار وتدشين "إعلان البحرين" الداعي للالتزام بالمقاطعة وتوزيعه على جميع مكونات المجتمع البحريني، إذ يتوقع له بأن يلاقي تجاوبا وصدى طيبا من الجميع. وبحسب ما هو مخطط له فإن هذا الإعلان موجه إلى جميع الشخصيات الوطنية والدينية والأكاديمية والإعلامية، وإلى كل الجمعيات والمؤسسات المهنية والسياسية والدينية والنسائية، حتى يستطيع الجميع التوقيع عليه بهدف التعبير عن موقف شعب البحرين المعارض لسياسة التنازلات المجانية، والمكافآت التي تقدم لمجرم الحرب شارون سفاح صبرا وشاتيلا وقاتل الأسرى المصريين والأطفال في فلسطين. إنه لموقف رائع هذا الذي يسطره شعب البحرين بكل فئاته حين نرى المسيرات والاعتصامات والمهرجانات التضامنية مع إخواننا في فلسطين، تنتشر في عموم مدن وقرى البحرين، فمن اعتصام في المحرق إلى آخر في الرفاع، ومن احتفال كرنفالي كبير في جزيرة النبيه صالح إلى آخر لا يقل تعبيرا وموقفا متضامنا في البلاد القديم. إنها البحرين حين تقف وقفة رجل واحد ترفض التطبيع وتواسي اخوتنا في فلسطين وفي لبنان ومصر وسورية والأردن الذين تعرضوا لمرارة القهر والاحتلال والاغتيال والقتل والأسر على أيدي الصهاينة ولاتزال ذاكرتنا جميعا تعاني من الجرائم الوحشية التي ارتكبتها ولاتزال ترتكبها العصابات الصهيونية التي تحولت في ظل الحماية الأميركية إلى جيش كبير مدجج بكل أنواع أسلحة الفتك الدمار، يقتل ويهدم البيوت ويدمر كل ما يقع تحت يده أمام مرأى من العالم أسمع. إنها شريعة الغاب إلى يراد لنا أن نتقبلها تحت مسميات متلونة، وحتما لن نقبل بالذل والخنوع في زمن يسطر فيه المجاهدون في لبنان وفلسطين أروع ملاحم البطولة والفداء، ويلحقون فيه الهزيمة والشنار بهذا العدو الجبان الذي أخذ يجر أذيال الخيبة، ويغير من استراتيجية حربه وعدوانه المباشر، ليستبدلها بسياسة الاختراقات والعلاقات الدبلوماسية. بكل ثقة سنقول لهذا المشروع الجديد لن تمر من هنا، لأن شعب البحرين لا يقل شجاعة ووعيا عن الشعب العربي المصري والشعب الأردني اللذين وقفا ضد التطبيع وضد الاختراقات، على رغم كل الضغوط والإغراءات التي مورست عليهم أو قدمت لهم. * كاتب بحريني
إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"العدد 1146 - الثلثاء 25 أكتوبر 2005م الموافق 22 رمضان 1426هـ