العدد 1142 - الجمعة 21 أكتوبر 2005م الموافق 18 رمضان 1426هـ

بطاقتي: مواطن

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

يحدد صديقنا الشيخ ناصر بن عبدالله الفضالة عددا من المشكلات التي يعاني منها أبناء السنة من وجهة نظره. ومن بين مشكلات أخرى، يحدد الإطار الملحق بالمقابلة المنشورة في «الوسط» في أكتوبر هذه المشكلات كأبرز المشكلات التي يعاني منها أبناء السنة من وجهة نظر الفضالة: «البطالة، الإدمان والانحراف، المشكلات الاجتماعية والترف والدلع وعدم الشعور بالمسئولية بين الشباب».

وعدا هذا الطابع الشديد العمومية للمشكلات، فان التساؤل يصح حول ما إذا كانت هذه المشكلات محصورة فقط بأبناء السنة. فالشيخ الفضالة لا يحدد أي نوع من الإدمان الذي يقصده بل يطرح المفردة على إطلاقها ولا يحدد أي نوع من المشكلات الاجتماعية التي تكتسب طابع الإلحاح الشديد الذي يشكل احد عناصر الضرورة في قيام مرجعية سنية.

لكن هذا كله محاط باستدراكات لا تحصى يختزلها سؤال واحد: هل البطالة والمشكلات الاجتماعية والفقر مشكلات يعاني منها أبناء السنة فقط؟ بإشارته إلى قيام رجال الدين الشيعة بتقديم قوائم المطالب لجلالة الملك أو للمسئولين الآخرين في الدولة على العكس من السنة، يجيب على هذا السؤال. وهو يمضي أكثر إلى حد تسمية المشكلات التي يتقدم بها رجال الدين الشيعة: «الفقر والبطالة والتمييز». ويمضي أكثر بالقول إن «تلك المرجعية (الشيعية) عايشت الألم والفقر والبطالة والتمييز».

هكذا نكون أمام مشكلات على المستوى الوطني يعاني منها السنة والشيعة على حد سواء والفضالة نفسه يؤكد هذا المعنى بعبارة واضحة: «أهل السنة أيضا يعانون مما يعاني منه الشيعة... هناك تمييز يتعرض له السنة من الطرف الآخر، إذ إن هناك وزراء طائفيين يريدون تعديل الميزان عما مضى بخسارة، ومثل هؤلاء الوزراء لا يصلحون، إذ يفترض في الوزراء أن يكونوا مصلحين، ومن الصعب تقبل وزراء يريدون تصفية حسابات».

وفق هذا المنطق، فان القادة الدينيين الشيعة يتولون الدفاع عن أبناء الشيعة فقط والشيخ ناصر يريد إكمال المعادلة بحيث يتولى القادة الدينيون للسنة الدفاع عن أبناء السنة فقط. المشكلات واحدة لكن القادة الروحيين لكلا الطائفتين يملكون منطقهم الخاص في معالجة هذه المشكلات التي يعاني منها السنة والشيعة على حد سواء. أما مسايرة هذا المنطق فهي تدفعنا إلى تصور الحلول: حلول للسنة وحلول للشيعة.

هل قرأتم في هذه السطور حتى الآن مفردة «المواطن»؟ الفقرات السابقة لهذا السطر تضم كلمة لم ترد فيها مفردة «مواطن». إنني أناقش وأجادل في أفكار أجبرتني على مسايرة منطقها الذي تتأسس عليه (ثنائية السنة والشيعة) وأجبرتني على استخدام مفردات هذا المنطق أيضا. النتيجة أن مفردة مواطن لا ترد أبدا.

وان كان للملاحظة من أهمية فهي اكبر مما نظن وستتضح بقوة عندما نكتشف أن مفردة «مواطن» لم ترد في حديث الشيخ ناصر الفضالة إلا مرة واحدة وبشكل عرضي جدا على لسانه ومرتين على لسان المحرر.

ففي حديث بلغت عدد كلماته , كلمة وردت مفردة مواطن على لسان الشيخ الفضالة مرة واحدة في هذا السياق: «المرجعية الشيعية ملتحمة ومرتبطة بهموم (المواطن) العادي ولها آليات رصد لهموم الناس».

ووردت على لسان المحرر مرتين في سياق سؤالين فقط: «... نعلم أن المواطن هو مواطن» و«... والدولة عليها واجب الاستماع للجميع لأنهم مواطنوها أليس كذلك».

«أليس كذلك» هذه التي نطق بها زميلنا وأخونا سعيد محمد علامة خفية على الشك، فهو مثله مثل مواطنيه الذين باتوا اليوم يعيشون في خضم هذا البازار البحريني الكبير الذي لا يميزه سوى أمر واحد: «إجماع نادر بين الشيعة والسنة على المضي قدما بعزم ومثابرة لا تلين على هدم كل ما يجمعهم بإصرار وعناد عز نظيره وتمزيق الجذر الذي يجمعهم... تكريس المذهب بدلا من المواطنة».

أن مفردة المواطن باتت اليوم محاصرة بالشكوك. هل نحن مواطنون أم سنة وشيعة؟ ما الذي يجمعنا؟

وإذا كان الشيخ ناصر متفقا على أن المشكلات التي يعاني منها الشيعة هي نفسها التي يعاني منها السنة ويعود للتأكيد على أن القادة الدينيين الشيعة يطرحون المطالب بوضوح على عكس القادة الدينيون السنة، فان الهاجس هنا ليس طرح الحلول بل إن الهاجس هو: «من يتحدث باسم السنة». أي بعبارة أخرى هاجس او طموح سياسي يتأسس على الطائفة لا على المواطنة.

على هذا النحو وفي ظل هذا التقسيم الحديدي لن يكون للتعددية السياسية أي معنى ولن يكون للبرلمان من دور سوى الحرص على تمثيل الطوائف، والنواب سيتحولون بموجب هذه الثنائية المستحوذة بقوة إلى ممثلين للطوائف لا نوابا للشعب. ولن يكون للدولة من وظيفة سوى الحرص على منطق المحاصصة وتمثيل الطوائف على حساب الكفاءة. أي انقسام عمودي يلبي منطق هذه الثنائية الفظة والاقصائية ولن يتبقى لنا نحن المواطنين في النهاية سوى معنى واحد لان تكون بحرينيا: «إما سني او شيعي».

يلحظ الشيخ ناصر ذلك النائب الذي اعترض على تعيين مدير مدرسة لأنه ليس من أبناء المنطقة مثلما وردت في الصحف (تخفيفا لوطأة الاعتراض) ولأنه ليس شيعيا مثلما صدم الشيخ وصدمنا جميعا. لكن إذا كان ذلك النائب طائفيا فمحاربة الطائفية لا تتم بطائفية تقابلها، فأسوأ الحلول هي تلك الحلول السهلة القائمة على المحاكاة ورد الفعل من جنس الفعل (فعلوا فلنفعل مثلهم).

مثل هذا النوع من التفكير لن يدع لنا مجالا سوى الاستنتاج بان البحرينيين (سنة وشيعة) يعيشون طفولة سياسية.

في العام ، دعيت من قبل القائمين على مأتم «بن خميس» في السنابس لإلقاء محاضرة اخترت لها موضوعا: «الهوية الوطنية». كنا في شهر رمضان المبارك، وإذ كنت قد آثرت الابتعاد عن إلقاء المحاضرات، فقد استجبت لدعوة أبناء بن خميس إكراما لأولئك الذين اجتمعوا في ذلك المكان قبل عاما واقسموا على المصحف عندما قدموا للبحرينيين نموذجا جديدا للعمل السياسي الذي يجمع السنة والشيعة. أولى ثمار تلك المقاربة كانت تأسيس شركة تأمين وطنية. ومضوا أكثر لتأسيس اتحاد للعمال صاغ أول قانون للعمل في البحرين ودخلوا في مجالس مع الحكومة في ميادين التعليم والصحة ومجالس بلدية. كانوا يطالبون بحقوق مواطنين بحرينيين ولم يكونوا يطالبون بحقوق للسنة او حقوق للشيعة.

لم يتبق من هذا كله سوى النوستالجيا. فالمقارنة بين قادة الخمسينات وقادة اليوم تأخذنا إلى إحصاء فوارق لا تحصى. ليس لنا الآن سوى أن نرى أن القادة الدينيين الذين تصلي وراؤهم الجموع ويقودون الناس بالمواعظ من منابر الجمعة والفتاوى والاجتهاد هم المطالبون اليوم أكثر من غيرهم بوقف كل هذا التداعي وحالة الاحتراب المقننة هذه. انني لا ارى الآن في هذا البازار البحريني سوى كلمات آتية من بعيد، من عمق الصحراء الكبرى وعلى لسان الطوارق الملثمين عشاق الحرية، فرسان الصحراء الزرق ومتصوفي الصحراء الزاهدين: «آسخركن أمغار نسن، آدخركن ايبراض نسن»... أي: «إذا ضل شيوخهم ضاع شبابهم»

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 1142 - الجمعة 21 أكتوبر 2005م الموافق 18 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً