قال لي صاحبي وهو يحاورني: «أرأيت الرجل كيف هرب من المكان من دون أن يقدم حتى اعتذاراً للمسكين الذي صدم سيارته، أرأيته كيف فر مسرعاً بسيارته من دون أدنى اهتمام لمشاعر الناس ولا حرمة الشهر الكريم؟». قلت: «ستجد أمثال هؤلاء كثيرين، إنهم يصومون عن الطعام وعن الشراب ولكنهم أبدًا لا تصوم جوارحهم. ولكن بالله عليك هل تستطيع ثلاثون يوماً أن تغير من طبائع الناس وتحولهم إلى بشر آخرين؟! لا يمكن ذلك يا صاحبي». رد صاحبي: «ربما يكون كلامك سليماً ولكن هذا الأمر لا يتعلق بالصيام فقط وإنما يشمل أيضاً الطبائع الإنسانية فمن لا يعطي حرمة لهذا الشهر فعليه على الأقل أن يحترم فطرته السليمة وإنسانيته».
كان كلام صاحبي مثار تفكير لأيام في ذهني. إنه على حق، ذلك أن الفرد منا مولود على الفطرة. واحترام الطبيعة الإنسانية لا يتعلق بدين دون آخر ولا بعقيدة دون أخرى، ذلك أن احترام الناس وتقديرهم والرحمة والرأفة فيما بينهم شيء معتاد في الطبيعة الإنسانية فليس من الضرورة أن يصوم الإنسان لكي يكون ملتزماً خلقياً، ولا أن يمنع نفسه من الأكل والشرب حتى يكون مرادفاً للفضيلة. إذاً هي طبيعة إنسانية في قلب كل فرد منا، طبيعة أن نحترم الآخرين ونقدر لهم مزاياهم ومشاغلهم ومتى ما حدثت منا إساءة إليهم نبادر إلى تصحيحها لا إلى الفرار منها كما حدث مع ذلك الشقي.
ولكن طرأ على بالي سؤال آخر أيضاً: فأين إذاً فضل شهر رمضان وأثره في النفوس؟ أجبت على سؤالي بقولي لنفسي إن شبهت شهر رمضان بالباب المفتوح. باب لا يرد من يدخل إليه. هو باب مفتوح لكل خير ولكن من يود التزود مما فيه من نعم وخيرات، فإن أراد الإنسان تطهير نفسه من موبقاتها فالمجال مفتوح له. ولكن عند هذا الباب حارس يفترض على من يدخله شرطاً رئيسياً. إذ يقول هذا الحارس لمن أراد دخول الباب: يا هذا لا يمكنك أن تستفيد من هذا الشهر طالما أنك تدخله من أجل أن تجيع نفسك وإنما إن أردت أن تستفيد منه فعليك أن تتذكر أنك داخل إلى شهر تلزمك فيه التوبة
العدد 1140 - الأربعاء 19 أكتوبر 2005م الموافق 16 رمضان 1426هـ