المجلس الأعلى للمرأة وضمن مشروع التمكين السياسي للمرأة ماض في سبيل تقديم الدورات التدريبية والندوات والأمسيات للنساء سواء الراغبات في الترشح للانتخابات المقبلة أو الطامحات في التثقيف السياسي. ومن بين الندوات التي تم الإعداد لها ندوة "التهيئة النفسية والعملية للانتخابات" وقدمتها الكاتبة الصحافية وعضوة المجلس الأعلى للمرأة عصمت الموسوي، وهي إحدى المرشحات للانتخابات النيابية 2002 والتي تمتلك رصيد خبرة ثلاثة أسابيع فقط كتجربة مرشحة، إذ قررت حينها الانسحاب من العملية بعد ما تبين لها ضآلة فرصتها في الفوز وقلة حظوظها. وكما ذكرت فإنها اضطرت حينها إلى تبديل مكان إقامتها مرتين، ولكن الحظ لم يسعفها كثيرا. ففي المرة الأولى وجدت نفسها تنافس رئيس المجلس التشريعي خليفة الظهراني، وفي المرة الثانية وجدت نفسها في دائرة مقاطعة ولا تتفق مع توجهاتها الفكرية، وبالتالي قررت أن تطرق بالمطرقة وتأخذ قرار الانسحاب بدلا من أن تأتي المطرقة على رأسها، معلنة هزيمة ساحقة. وكنا أنا وغيري توقعنا أن نستمع إلى بعض الضغوط النفسية التي واجهت المرشحة ابان ترشحها للانتخابات، وإن كانت المدة قصيرة نسبيا، كما توقعنا أن نستمع إلى الخطوات العملية التي قامت بها المرشحة والتي استمدتها من وحي الضغوط النفسية التي تعرضت لها كغيرها من المرشحات، سواء كن داخل البحرين أو في أية بقعة من العالم، للخروج من الوضع النفسي الذي حشرت فيه. ولكن التوقعات لم تتحقق، ولكنها جاءت بصيغة أخرى إذ قدمت المحاضرة مجموعة من التعليمات والنصائح القيمة للراغبات في الترشح للانتخابات، إذ أكدت جملة من العناصر والنقاط التي يجب أن تتحقق لضمان الوضع النفسي والثقافي والاجتماعي والقانوني والمالي الجيد للمرشحة. كما أكدت مبدأ التحالفات، والطرق المثلى لتسويق المرشحة إعلاميا، كما حذرت من بعض الأمور كأن تكون المرشحة وجها غير مألوف أو طارئا على الناس أيام الحملات الانتخابية، وبالتالي لابد من الحضور الحثيث في جميع المناسبات بين الناس، لكي يعتادوا عليها. كما حذرت من الانقلاب المفاجئ في الشكل كالانتقال على سبيل المثال من السفور إلى الحشمة بشكل ملفت للنظر لأن الناس تتفهم الأوضاع وتستقرئ الواقع بشكل واضح، ولا يمكن أن تنطلي عليهم مثل تلك الحركات، وبالتالي لم يتبق أمام المرشحة أية أوراق تلعب بها. وأشارت إلى وجوب وجود خطة زمنية لكل مرحلة والعمل على تحقيق ما جاء فيها، وذكرت نقطة في غاية الأهمية وهي عدم الرغبة في خوض التجربة رغبة في التنافس بقدر ما يكون الهدف هو الفوز، حتى يرى الناس الإصرار والحماس والرغبة وبالتالي الاقتناع بالأداء، ودعت الراغبات في الترشح إلى خوض الدورات التدريبية التأهيلية الخاصة بمجال التمكين السياسي للمرأة، وأهمية مواكبة التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، إلى جانب التعرف على مشكلات المجتمع الحقيقية ومخاطبة الجمهور بخطاب مناسب. كان ذلك أهم ما جاء في ورقة الموسوي، وإليكم بعض الملاحظات التي أود تأكيدها: لا أحمل رؤية سوداوية بشأن مدى نجاح أو فشل المرأة في الانتخابات المقبلة، ولكني أتصور بأنه في أسوأ الاحتمالات ستصل المرأة بالانتخاب إلى المجالس البلدية والنيابية ولكن بأعداد بسيطة كأن تنجح اثنتان على الأقل في كل من البلدي والنيابي، وستكون فرصة دخول المرأة النيابي أكبر لو شاركت القوى السياسية المقاطعة، وإذا حصلت المرشحات على دعم قوي من الجمعيات السياسية. ولكن الأمر لا يبدو مطرزا بالزهور والورود، ويحتاج منا إلى وقفات ومحطات وتنسيق كبير جدا بين القطاعات النسائية قاطبة، كما يحتاج الأمر إلى أن نحسن اختيار المرشحات لضمان فوزهن والتأثير على الناخبين. عندما نتكلم عن المرأة ومشاركتها في الحياة العامة لابد من أن نردد دائما لفظة الكفاءة والتأهيل، وبالتالي وجوب حضور الدورات التدريبية والتأهيلية وغيرها من الأمور التي ربما تعد من النواقص التي تعاني منها المرأة في حين أن الرجل ربما ينقصه الشيء الكثير من المهارات والأدوات، ولكن طالما أنه رجل فلا عيب في ذلك حتى وإن كان أميا أو لا يحسن القراءة والكتابة، ولكن المرأة يجب أن تكون غير ذلك. وفي ظل عدم وجود معايير غير محددة للكفاءة تضيع المرأة ويتقدم الرجل، وهذا بحد ذاته تمييز سلبي ضد المرأة. أحد الحاضرين في الندوة أدلى بدلوه وتكلم كلاما كثيرا كان يعبر في مجمله عن نظرة ضيقة تجاه المرأة كما توضح استقواء المجتمع على المرأة وظلاميته لها، كما يعبر عن غياب الوعي المجتمعي بأهمية المرأة، فهي إنسانة وشريكة للرجل في أسرته ومربية أولاده، الأمر الذي يجعلها جزءا أساسيا في النظام الاجتماعي وفي التشريع إذ حثها على المساهمة في إعمار الحياة وتطويرها وبناء سعادة المجتمع، من خلال الاقتصاد والسياسة والجهاد وغير ذلك، فذلك مطلوب منها مثلما هو مطلوب من الرجل، وبالتالي ليس من الصعوبة بمكان أن تحاور المرأة الرجل في أي شأن من شئون الحياة مادامت ملتزمة بالأحكام الشرعية والضوابط الإسلامية. لايزال الحديث عن الكوتا النسائية من الأمور غير المريحة لدى البعض، ولكن يعد ذلك وللأسف الشديد أحد التدابير اللازمة لضمان مشاركة المرأة في العمل السياسي ووصولها لمواقع صنع القرار السياسي. فالكوتا تضمن وجود مرشحات فائزات بالانتخاب وأية آليات أخرى قد تدفع بمشاركة المرأة في العمل السياسي وقد تساهم بدفع مرشحات ولكن لا تضمن لهن الفوز الأكيد. لكن من خلال تبديل قانون الانتخاب وإقرار نظام تخصيص عدد معين من المقاعد بنسبة محددة للمرأة يضمن للمرأة الفوز وتحد من سيطرة الرجل في العملية التشريعية والرقابية. لا نريد وجود المرأة في المجالس المنتخبة ديكورا وترفا، ولكن التجربة أثبتت أن وجود المرأة في مواقع صنع القرار السياسي بدوره يدعم قضايا المرأة والطفل، وبالتالي تحقيق نوع من التوازن على جميع الأصعدة. فالرجل إذا دخل لا يستطيع مهما أوتي من قوة أن يناصر قضايا المرأة، والمثل الشعبي الدارج خير شاهد "لا يحك جلدك إلا ظفرك". على المرأة والتي تمثل 50 في المئة من الكتلة الانتخابية أن تثق بأختها المرأة وبقدرتها على النجاح وتحقيق المطالب إذا ما نجحت، وانها لا تختلف كثيرا عن أخيها الرجل، في الكثير من المواقف، وتجربة البرلمانيات الموجودات في جميع أنحاء العالم خير شاهد وبرهان على ما أقوله. فهناك على سبيل المثال لا الحصر البرلمانية توجان الفيصل "الأردن" وسامية موالفي "الجزائر"، وغيرهن الكثيرات، لا أقول ذلك من أجل إيصال رسالة غير صحيحة بأن انتخبوا المرأة لكونكن نساء ولكون المرشحة امرأة أبدا، أنا عن نفسي لن أفعل ذلك ولكن أقول إذا كانت مرشحتكم جديرة بالثقة وقادرة على خوض العمل السياسي والمشاركة الوطنية لماذا نقف أمامها؟ لماذا لا نقف معها؟ ولماذا لا ندعمها فقط لكونها امرأة؟ هذا ما أردت أن أؤكده من وحي التجربة السابقة والملاحظات التي صاحبتها، والذي لا يستفيد من أخطاء تجاربه السابقة يقف مكانه ولا يطور من نفسه أبدا. القيادة السياسية العليا أيضا مطالبة بزيادة أعداد المعينات في مجلس الشورى، ودعمهن من خلال رئاسة اللجان المنبثقة من المجلس. لاتزال المرأة إلى الآن لا ترأس سوى اللجان الخاصة بالمرأة والطفل، وبقية اللجان الأخرى تبقى حكرا على الرجل. وإلى الآن الرجل لا يقوى على التنظير والعمل في ملف المرأة والطفل والمرأة كذلك لا تقوى على مسك ملفات أخرى لا تخص المرأة، وهذا الوضع السيئ يجب أن يتغير. * كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1138 - الإثنين 17 أكتوبر 2005م الموافق 14 رمضان 1426هـ