العدد 1132 - الثلثاء 11 أكتوبر 2005م الموافق 08 رمضان 1426هـ

لكي لا يدفع فقراؤنا ضريبة حرب الإرهاب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من حقائق الوضع الاجتماعي الراهن في البحرين، وجود 77 صندوقا خيريا، وعشرات الجمعيات الاسلامية، تمارس نشاطا خيريا تحت سقف القانون، وتسهم في تخفيف حدة الفقر الآخذ بالانتشار، بسبب زيادة تآكل الطبقة الوسطى، وما يتركه ذلك من مآس بشرية يدفعها المجتمع. واليوم، لم تعد تخلو منطقة أو قرية بحرينية من صندوق خيري، بل ان بعض المناطق المختلطة، وبسبب الفرز الطائفي المعاش، تجد فيها أكثر من صندوق خيري. كل هذه المؤسسات لم تأت من فراغ أو ترف، وانما جاءت لتلبي حاجة اجتماعية ماسة يعيشها الناس. وهي تقدم مساعداتها على مدار العام، وتعمل على رعاية الأسر الفقيرة والأيتام ومساعدة المرضى ودفع رسوم التسجيل بالجامعة للطلبة من الأسر ذات الدخل المحدود، وهي في كل ذلك مدفوعة بإحساس عال بروح المسئولية والتكافل الاجتماعي. هذه إحدى الحقائق في واقع مجتمعنا ومؤسساتنا الخيرية، ولا يوجد ما نخفيه. لذلك من المعيب أن تتطوع بعض الوزارات في ملاحقة هذه المؤسسات الاجتماعية والتضييق على أنشطتها، استجابة للضغوط الخارجية التي تمليها السياسة الاميركية فيما يسمى بـ "الحرب على الارهاب". وبكل وضوح نقول انه ليس في البحرين شيء اسمه "القاعدة" لكي يرتعب منا الاميركان ويدرجوننا تحت الدول "المشبوهة" التي تحتاج إلى رقابة حتى تثبت براءتها! في الثالث والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، قام وفد من وزارة الخزانة الأميركية برئاسة روبرت ورنر، بزيارة عدد من دول الخليج بهدف "تحذيرها من مغبة عدم مراقبة أموال التبرعات التي تجمعها الجمعيات الخيرية خلال شهر رمضان المبارك"، كما نقلت مصادر دبلوماسية خليجية في العاصمة الكويتية قبل ثلاثة أسابيع. مثل هذا التحرك الأميركي ناتج عن سيطرة روح الشك والتعميم، و"أخذ البريء بالمجرم"، والنظر إلى كل المسلمين على انهم ارهابيون. قد يكون لدى الأميركيين ما يبرر شكوكهم في بعض الدول، "بشأن حجم الأموال التي تم تحويلها إلى دول وجمعيات أخرى في الخارج، وانهم صدموا لحجمها"، كما تقول المصادر ذاتها، ولكن ليس لدى المسئولين في هذه الوزارة أو تلك، ما يبرر قبول اتهام الأميركيين للبحرين، أو تصديق هواجسهم، أو الامتثال لرغباتهم، خصوصا إذا رأينا كلفة مثل هذه الاجراءات على النسيج الاجتماعي الذي يكفيه ما فيه من أوجاع ومآس اجتماعية، بسبب زيادة رقعة الفقر والحرمان. اليوم، وزارة الشئون الاجتماعية، التي تتجاوب مع هذه الرغبات عمليا، تدرك جيدا أن هناك أكثر من عشرة آلاف أسرة تتلقى مساعدات شهرية من الوزارة. وتدرك أكثر أن هذه المؤسسات الخيرية انما تسهم في تخفيف الأعباء على موازنة الدولة، بما توفره للمحتاجين من مساعدات عبر استثمار النزعة الدينية الخيرة لمساعدة الآخرين. ولكن ما يجري اتخاذه من اجراءات، ينم عن ضعف تقدير للعواقب الاجتماعية على أرض الواقع. وضعف التقدير هذا يدفعها لتقديم مقترحات غير واقعية أيضا، ضمن نزعة متصاعدة لمزيد من التدخل في كل صغيرة وكبيرة من شئون المجتمع، كل ذلك في زمن الانفتاح والإصلاح، لتعود القيود الجديدة هذه المرة على يد وزارة الشئون الاجتماعية. فكروا فيما يجري في رمضان، من فعاليات دينية وخيرية، وكيف يراد التضييق عليها بهذه الصورة الفجة. فلدينا أكثر من 2000 مسجد وجامع ومأتم في البحرين، في الأغلبية منها يتم تنظيم مجالس قراءة وتعليم وتحفيظ القرآن الكريم، وفي الكثير منها تنظم برامج تدريس فقهية لمسائل الصوم والصلاة، ويجري جمع التبرعات للمحتاجين، فكيف لوزارة "مشطورة" أن تقوم بما يعجز عنه "جهاز مخابرات" في عز أيام "أمن الدولة"؟ ميزة شعب البحرين المتحضر انه لم يتورط أبناؤه في مشكلة "إرهاب" أو "عمليات انتحارية"، لا في داخل أراضيه ولا خارجها. وميزته الأخرى انه مازال يحتفظ بمستوى عال من التكافل الاجتماعي، فلماذا تصديق التهم بحق هذا الشعب ومؤسساته المدنية التي تدعم عمل الحكومة وبرامجها الاجتماعية عمليا دون طنطنة أو تضخيم؟ ولماذا هذه الاستجابة السهلة للإملاءات الخارجية حتى دون أدنى توضيح للسيد ورنر على الأقل عن خطئه في إقحام هذا الشعب في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1132 - الثلثاء 11 أكتوبر 2005م الموافق 08 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً