يحتفل العالم هذه الأيام بيوم المعلم العالمي، ولعل البعض لم يسمع بذلك أو لم يتذكره. ومرت تلك الذكرى بخجل واستحياء، اللهم إلا من احتفال بسيط في بعض المدارس احتفاء وتكريما للمعلم في يومه العالمي. ولكن على مستوى المؤسسات الإعلامية والمؤسسات التربوية الأخرى لم نسمع عن برامج أو فعاليات بشكل تتناسب مع حجم دور المعلم المنوط به من إعداد قادة المستقبل وتعليمهم وتربيتهم وغيرها من أدوار لا يمكن حصرها. ولكن في المقابل، يبقى المعلم محصورا في زاوية ضيقة وفي بيئة غير صحية وبالتالي لا تشجعها كثيرا على العطاء والإبداع. نأمل أن نجد يوم المعلم العالمي مثله مثل أية مناسبة أخرى لها من الحضور الإعلامي ما هو كفيل بأن تعطي المعلمين في الميدان جرعات من الأمل والعطاء رغبة في إبداعاتهم. ومع ذلك نجد إضاءات هنا وهناك تؤكد أن المعلم نبتة قادرة على النمو والازدهار على رغم نقص الأوكسجين الكافي لاستمرارية الحياة. ليس الهدف من هذا المقال إثارة بلبلة، ولكن ما أود تأكيده ملاحظات بعضها تخص المعلم وتنتقد بعض الأوضاع القائمة لعلي أضع يدي على الجروح لتضميدها، والتي يجب أن يسعى المعلم جاهدا إلى الحد منها لصالح العملية التعليمية/ التعلمية، أما الملاحظات الأخرى فتخص المؤسسات التربوية التي يعمل في كنفها المعلم والتي يجب أن تكيف أوضاعها لصالح العملية التعليمية/ التعلمية، وعلى رأسها المعلم من خلال جملة من الإجراءات والعمليات. فيما يتعلق بالملاحظات المتعلقة بالمعلم: على المعلم أن يقتنع قناعة تامة أن مهنة التدريس ليس بوسع أي أحد الاتجاه إليها ما لم يكن لديه بعض المقومات الشخصية والاجتماعية والإنسانية، بمعنى أن نكون قد ظلمنا أنفسنا وظلمنا الجيل الذي نقوم بتعليمه من خلال الاستفادة من أهم مزايا مهنة التدريس من إجازة صيفية طويلة ودوام قصير نسبيا على حساب الأمور الأخرى الخاصة بالمهنة، وبالتالي لابد من اتخاذ قرار مناسب قبل وقوع الفأس في الرأس، كما لابد من مراعاة نقطة هي غاية في الأهمية ويجب أن تكون في أولوياتنا ومن شروط قبول الإنسان الذي يريد أن يمتهن مهنة التدريس، وهي تدني الرضا المهني لديه وشيوع فكرة أن التعليم مهنة من لا مهنة له، ومثل تلك الأفكار تمثل نوعا من الضغط على القائمين على أمر إعداد المعلم، لإعادة النظر في استرجاعه، وإجراءاته بهدف الارتقاء بواقعه والعمل بقدر المستطاع على النهوض بواقع العملية التعليمية/ التعلمية. إذ لا جدوى من امتهان أحد مهنة التدريس ما لم يكن في الأساس يمتلك الرغبة الحقيقية في التدريس والقيام بمهمات المعلم، حتى نضمن على الأقل أن يكون هناك توازن حقيقي ملموس في النتاجات والمخرجات التي تترتب عليها مهنة التدريس، فمما لاشك فيه أن هناك علاقة قوية بينهما. كما أن هناك العلاقة ذاتها بين مخرجات التعليم في كل مراحله ناتج من ضعف مستوى المعلم الأكاديمي والفني. كما يجب أن يكون المعلم الذي أؤتمن على عقول أبنائنا، وبما أنه مسئول وصاحب رسالة فمن الواجب عليه أن يؤدي أمانة التعليم، فمن حيث الكفاءة يجب أن يكون قد حازها ضمن حدودها الطبيعية المطلوبة، ومن حيث الإخلاص، يجب الحرص على تعليمهم وتوجيههم في حدود العلم الذي يعطيهم إياه، ويعمل كل ما بوسعه على غرس حب العلم والتعلم في قلوب وعقول أبنائنا الطلبة. فيما يتعلق بالمؤسسات التربوية: للأسف الشديد تعاني بعض المؤسسات التربوية من وجود أزمة حقيقية فيما يتعلق بعلاقة المسئولين مع المعلمين، ولا أقول جميع المؤسسات التربوية، إذ لا تعمل على توفير المناخ النفسي والصحي الجيد للمعلمين، وبالتالي يعاني المعلم من السقم والعلل والاختناق، ما يؤثر سلبا على أدائه وعطائه، وبالتالي الضحية هو المتعلم "محور العملية التعليمية". وعندما يصاب المعلم بخيبة أمل وحتى لا ينتحر تربويا يحاول إنقاذ نفسه أولا لإنقاذ من هم في ذمته وبالتالي يلاقي المعلم صفعة أخرى إذ يدخل في متاهات لا حصر لها من الأمور الإدارية والتعقيدات الميدانية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما يشعر المعلم بأنه غير قادر على الاستمرار في مدرسته التي يدرس فيها يطلب حينها الانتقال إلى مدرسة أخرى، هنا ربما لا يتجاوب أصحاب القرار معه تحت مجموعة من الحجج والمبررات، قد تكون في غالبيتها صحيحة، ولكنها غير مقنعة وبالتالي قد لا يلام المعلم إن هو قصر في أداء واجبه، إذ إنه كان صريحا في التعاطي والتمس التغيير، ولكن من دون جدوى. على المؤسسات التربوية أن تحترم رغبة المعلم وأن تقدر دوره وأن تتعاون معه، وألا تفرط بكرامته وامتهان عواطفه، وبالتالي لا يمكن أن أنتظر إلى أن أجد دمعة المعلم على خده أو انتظره إلى أن يصل لمرحلة التوسل والترجي حتى اقتنع بحاجته، وبالتالي أمد له يد العون والمساعدة، وعلينا أن نعي بأنه إذا فقد الإنسان كرامته فإنه يفقد جزءا مهما من شخصيته، وبالتالي التعاون مطلوب في فترة مبكرة. ولنا في قول نبينا الأكرم "ص": "معلم الخير يستغفر له دواب الأرض وحيتان البحر، وكل ذي روح في الهواء، وجميع أهل السماء والأرض"، وهذا شرف وفخر المهنة الذي يجب أن يعتز به المعلم. لا ننسى أن المعلم عموما مظلوم مقارنة بمن حوله من أصحاب المهن الاخرى، على رغم أن المعلم والمهندس والطبيب يحملون درجة علمية واحدة وهي "البكالوريوس". على رغم ذلك هناك فروقات وامتيازات تعطى للآخرين على حساب المعلم، وبالتالي المعلم غير راض عن موقعه على خريطة المهن، حتى بعد تطبيق كادر المعلمين لايزال هناك الكثير من المعلمين الواعين يشعرون بالغبن، ولأسباب كثيرة، ربما أهمها أن المعلمين أنفسهم لم يشركوا في إعداد كادرهم بعكس ما هو متوافر لدى الأطباء إذ إنهم يضعون كادرهم بأنفسهم "أهل مكة أدرى بشعابها" إلى جانب ما يشوب الكادر من الغموض وعدم الوضوح، وبالتالي ربما يحق للمعلم أن يبدي استياءه. وأخيرا، أختم مقالي هذا بنداء خاص أطالب فيه جميع الأطراف المسئولة بالعناية اللائقة بالمعلم، وإغنائه ماديا ونفسيا، ومساعدته على النهوض برسالته وبواقع عمله... كما أشيد بأهمية توجيه أبنائنا الطلبة والطالبات على حفظ حقوق المعلم واحترامه، لأن مكانته يجب أن تصان وتحفظ في المجتمع، لأنه المربي والمعلم، الذي على يديه تنشأ طلائع المجتمع من أطباء ومهندسين ومحامين وضباط وعسكريين وما إلى ذلك من مهن وأعمال... في الوقت الذي بدأت فيه مكانته بالعد التنازلي ولم تعد بالصورة السابقة. * كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1131 - الإثنين 10 أكتوبر 2005م الموافق 07 رمضان 1426هـ