العدد 1130 - الأحد 09 أكتوبر 2005م الموافق 06 رمضان 1426هـ

الجيل الثالث من الأتراك يقتحم البرلمان الألماني

من عمال بناء إلى خريجي جامعات ونواب

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

على هامش المعمعة التي دخلت بها ألمانيا عقب النتائج المعقدة التي أسفرت عن الانتخابات العامة المبكرة، حصل حدث تاريخي مهم في ألمانيا، البلد الذي يبدو للوهلة الأولى متعدد الثقافات، لكن غالبية السياسيين هنا، باستثناء المحسوبين على حزب الخضر، لا يحبون الإشارة إلى أن بلدهم متعدد الثقافات، لكن ما يجري على الأرض واقع آخر. فالحي الحكومي في برلين محاط بمناطق تعيش فيها جاليات أجنبية أكبرها الجالية التركية. ولأول مرة شارك الألمان من ذوي أصول أجنبية بصورة مكثفة في الانتخابات العامة المبكرة، وهذه علامة على تنامي اهتمام من هم من أصل أجنبي بالسياسة والتخلي عن موقفهم السابق الذي كان ينم عن عدم اكتراث بما يفعله السياسيون. لكن الملاحظ أيضا أن الناخبين من أصل أجنبي وغالبيتهم من أبناء الجالية التركية دفعوا بمرشحين من أصل تركي لدخول البرلمان الاتحادي في دورته الجديدة. ولأول مرة سيكون الحضور التركي أكثر وضوحا. إن مسألة تنامي دور الأتراك في ألمانيا كانت مسألة وقت فقط، إذ بينما كان الآباء الذين جاءوا في الستينات للعمل في ورشات البناء والمصانع ومهمات أخرى كان الألمان يرفضون القيام بها، فإن أبناء الجيل الثالث درسوا في الجامعات ويهتمون بسياسات الأحزاب. وليس الأتراك وحدهم يميلون إلى اليسار الألماني، وإنما هناك العرب أيضا، الذين كشفت عملية استطلاع سريعة أن الألمان من أصول عربية انتخبوا بالغالبية الحزب الاشتراكي وحزب الخضر وحزب اليسار. ونجح خمسة من المواطنين الألمان من أصل تركي بالحصول على مقاعد في البرلمان الألماني "بوندستاج". وفي مدينة كولون نجحت لالي أكجون المنتمية للحزب الاشتراكي، كما نجحت أكين دليجوز في ولاية بافاريا وكانت على قائمة حزب الخضر. كما حصل رئيس مجلس الجالية التركية في برلين حقي كسكين على مقعد في الدورة الجديدة للبرلمان، وحسين كنعان عايدين وسفيم داجدلن وثلاثتهم ينتمون لحزب اليسار. يذكر أنه في الدورة السابقة للبرلمان لم يزد عدد أعضاء البرلمان الذين هم من أصل أجنبي عن نائبين. وطبقا للكثير من الدراسات والإحصاءات التي أجريت في السنوات الأخيرة فإن نسبة الناخبين من أصل أجنبي تبلغ خمسة في المئة، نصفهم من "الوافدين"، أي من ذوي أصل ألماني أتوا من أوروبا الشرقية، والنصف الثاني هم من أصل تركي. أما من هم من أصل عربي فنسبتهم قليلة جدا. من هنا فإن الحاصلين على الجنسية أصبحوا مع مرور الوقت قوة انتخابية. وأبرز دليل على ذلك أن المستشار غيرهارد شرودر الذي ينتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم زار مقر صحيفة "حريت"، أكبر صحيفة تركية في ألمانيا، بهدف كسب ود الناخبين الأتراك الذين يصل عددهم إلى 600 ألف نسمة. ويذكر أن عدد أبناء الجالية التركية 2,5 مليون نسمة. وكان واضحا خلال الحملة الانتخابية أن غالبية الناخبين من أصل تركي لن يؤيدوا مرشحة الاتحاد المسيحي أنجيلا ميركل بسبب مناهضتها مسعى تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، على العكس من المستشار شرودر الذي أصبح في الفترة الأخيرة أكبر مؤيد في الغرب لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وترى ميركل أن تركيا لا تنتمي إلى أوروبا، وبدل العضوية الدائمة يمكن عقد اتفاق تعاون متميز معها. الملفت للنظر أن الناخبين من أصول ألمانية أتوا إلى ألمانيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ينتخبون الاتحاد المسيحي، أما الذين هم من أصول عربية وتركية فإنهم ينتخبون الحزب الاشتراكي وحزب الخضر. كما أن هناك مجموعة منهم انتخبوا هذه المرة حزب اليسار الذي يمثله في البرلمان الجديد ثلاثة من أصول تركية. وفي الماضي استعان الخضر ببعض المرشحين من أصل تركي لهدف كسب تأييد الناخبين الأتراك، وحصل منهم النائب من أصل تركي تشيم أوزدمير على مقعد في البرلمان الاتحادي ثم استقال، وهو اليوم عضو في كتلة الخضر في البرلمان الأوروبي. كما نجح جمال قارصلي من أصل سوري في دخول برلمان ولاية شمال الراين وستفاليا، ثم استقال بسبب تحيز وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر لـ "إسرائيل"، وتعمده عدم انتقاد ممارساتها التعسفية ضد الفلسطينيين، وأسس قارصلي حزبا مستقلا اسمه حزب "FAKT" أي "الحقيقة". ولا تختلف القضايا التي تشغل اهتمام الناخبين من أصل أجنبي عن القضايا التي تشغل اهتمام السكان الأصليين، فالبطالة أهم قضية تشغل الجميع. لكن الناخبين من أصول أجنبية يهتمون بصفة خاصة بقوانين الأجانب وخصوصا الجنسية المزدوجة التي تسببت بحرمان نسبة كبيرة من الأتراك حملة الجنسيتين من المشاركة بالانتخابات لعدم وجود اتفاق ازدواج الجنسية بين البلدين. كما يهتم من هم من أصل تركي بسياسة الحكومة في مناهضة اليمين المتطرف. ومن بين أسباب عدم ميول الناخبين من أصل عربي وتركي لانتخاب الاتحاد المسيحي كون غالبية هؤلاء الناخبين مسلمين، لا يرون ما يربطهم بالاتحاد المسيحي. كما أن تصريحات المسئولين في الاتحاد المسيحي بشأن مناهضتهم العضوية التركية في الاتحاد الأوروبي أثارت حفيظة المسلمين الذين شعروا أن المحافظين في أوروبا يعارضون العضوية التركية ليبقى الاتحاد الأوروبي حكرا على الدول المسيحية. من جانبها، لم تسع الأحزاب المحافظة في ألمانيا إلى القيام بجهد يذكر لكسب ود الناخبين من أصول عربية وتركية، ولم تقدم وصفات عملية لتحقيق الإدماج المنشود للأجانب في ألمانيا. وكل ما يصدر عن السياسيين المحافظين هو إشارة إلى ضرورة مكافحة الإرهابيين دون نسيان تسميتهم بالإسلاميين، وهذه علامة ربط مباشرة بين الإرهاب والإسلام، واعتماد مواقف متشددة لدى التعامل مع سياسات الأجانب، إذ كانت وزيرة الثقافة في الحكومة المحلية لولاية بادن فورتمبيرج أنيتي شافان، التي تنتمي إلى الاتحاد المسيحي الديمقراطي، هي التي احتجت على الحجاب ومنعت معلمة ألمانية من أصل أفغاني مواصلة العمل إذا أصرت على ارتداء الحجاب عند التدريس. وعندما شكلت ميركل حكومة الظل اختارت أنيتي شافان في منصب وزيرة الثقافة. كما انتخبت وزير الداخلية في ولاية بافاريا جونتر بيكشتاين لمنصب وزير الداخلية، الذي أثارت تصريحاته خلال الحملة الانتخابية حفيظة نخبة واسعة من الألمان والأجانب حين قال: "في إطار مكافحة الإرهاب ينبغي علينا سجن الأشخاص الأجانب المشتبه فيهم في سياق تدبير وقائي". وليس من المنتظر أن يغير الناخبون من أصل أجنبي موقفهم، إذ سيظلون يمنحون أصواتهم للأحزاب اليسارية ويتجنبون تأييد الأحزاب اليمينية

العدد 1130 - الأحد 09 أكتوبر 2005م الموافق 06 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً