منذ أن ضربت نيويورك وواشنطن والجميع يبحث ويجتهد لإيجاد تعريف للإرهاب، وقد ارتفعت المطالبات للإجابة على هذا السؤال الملح الذي من شأنه تحديد الجهات الإرهابية بصورة أكثر جلاء. فـ "الإرهاب" يبدو مصطلحا فضفاضا غير واضح المعالم، وغير محدد الخصائص. ولعل ذلك يعود إلى الظروف التي انتشرت فيها ظاهرة الإرهاب، أو على الأقل أريد لها أن تنتشر. فهو، باختصار شديد، تخويف الأبرياء باستخدام وسائل غير شرعية وخارج إطار القانون. وبذلك التعريف فإن هذه الظاهرة موجودة منذ فترة طويلة بل منذ خلق الله الأرض وتجبر القوي على الضعيف. فالإرهاب ليس مجرد استخدام للقنابل والأسلحة، وإنما قد يكون كل استخدام غير مشروع للقوة، وقد يكون إرهابا فكريا أو ثقافيا. بيد أن فكرة الإرهاب أو ظاهرته السياسية تحديدا انتشرت بصورة واسعة بعد هجمات سبتمبر، إذ ان زعيم البيت الأبيض الذي كان قد أمضى من ولايته يومها ثمانية أشهر، لا يمكنه البقاء هكذا من دون حرب أو قتال، فكان لابد من عدو يحاربه. الرئيس بوش الذي وجد الإرهاب عدوا مجهولا تفرض عليه قيادته لمركز القرار الدولي في العالم محاربته. وهذه الحرب مفتوحة لأمد غير مسمى، وكل أمر يشاء رئيس الدولة العظمى أن يسمه بالإرهاب فإنه سيشحن عقول الأميركيين وعقول العالم أجمع لنسلم كلنا بأنه كذلك. وفي ذلك السياق، تمكن بوش من إشعار الأميركيين بخطر حقيقي يداهمهم ولابد من محاربته، بينما فشل في حمايتهم من الخطر الحقيقي فعلا عندما غضبت كاترينا. أجل، إنه لن يوقف الكارثة لكن كان بإمكانه بل عليه الإسراع في تقديم المساعدات لضحايا الطبيعة الغاضبة. وليس ذلك الخطر الذي يحدق بالمواطن الأميركي إلا الإرهاب، وتحديدا "الإرهاب الإسلامي" مهما اجتهد المفكرون من العرب والغرب في تفنيد تلك الحقيقة. فالإرهاب إذن "هو كل حركة إسلامية تسعى لتحقيق أهداف تناهض السياسة الأميركية"، بصرف النظر عما إذا كنا نقف إلى جانب تلك الحركة أم لا. فحركة المقاومة الإسلامية "حماس" حركة إرهابية، والمقاومة الإسلامية في لبنان كذلك، وقيادة الجمهورية الإسلامية في إيران أيضا... وغيرها من التنظيمات حتى الخيرية منها، جنبا إلى جنب مع تنظيم القاعدة وحركة طالبان. ولكي تختلق الولايات المتحدة القصص وتفبرك المعلومات للربط بين تلك القوى وإن كانت المسافات بينها بعيدة للغاية، سعيا لإيجاد تبرير لإثارة المشكلات وإشعال الحروب في العالم العربي على وجه الخصوص. فلماذا تقطع الولايات المتحدة المسافات لتصل إلى الشرق الأوسط وتحتل أفغانستان ثم العراق والبقية تأتي. إن واشنطن لم تترك مجالا للقانون والفقه لتحديد تعريف للإرهاب أو حتى محاولة لإيجاد مفهومه، وإنما اتهمت جهات معينة بعينها هي دائما مصدر التهديد الدولي الذي يجب القضاء عليه، من دون أن تكون جادة في ذلك. فرأس التهديد هو أسامة بن لادن ورجالاته، وأتيحت للقوات الأميركية الكثير من الفرص للقبض عليه أو قتله من دون أن تفعل ذلك، حتى يبقى العقل المدبر لكل ما يحدث في العالم. فأيما عملية تحدث في الأرض فإن بن لادن وجماعاته الموزعة في العالم هو المنفذ حتما، فهكذا يراد لنا أن نفهم. ولسنا من السذاجة بمكان كي نصدق كل ما يقال، حتى لو تبنى بن لادن العملية بنفسه، فتبنيها إنما هو مباركة لها على أغلب التقدير، من دون أن يعني ذلك أنه نفذها أو خطط لها أو حتى التقى منفذيها. إن الحرب على الإرهاب إنما هي حرب أفكار وعقائد ليس إلا. حرب بين الرأسمالية الأميركية المتجبرة التي تريد أن تقود العالم بحربها وعنجهيتها، وبين القوى المتمردة في العالم كتنظيم القاعدة الذي يريد أن يقتل الجميع من دون استثناء، أولهم اليهود والنصارى فهم لا يدينون بدين محمد، وكل من لا يدين بدين الله من الصابئة والزرادشت وغيرهم من الديانات، وكذلك الشيعة ومن يتفق معهم من أصحاب السنة. وأقوى دليل على ذلك تسجيل الزرقاوي الأخير، الذي تجعله دعوته للقتل وتهديده للعراقيين غارقا في مهنة الذبح والقتل وسفك الدماء، وما كان الاسلام دين ذبح وقتل. * طالبة في كلية الحقوق
العدد 1127 - الخميس 06 أكتوبر 2005م الموافق 03 رمضان 1426هـ