العدد 1122 - السبت 01 أكتوبر 2005م الموافق 27 شعبان 1426هـ

المعارضة ضعيفة والحصان الذي تكسر رجله لا يراهن عليه أحد

برهان غليون في حديث عن سورية والمستقبل:

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

برهان غليون بين كبار المفكرين العرب الذين اندمجوا في حركة الواقع العربي عموما والواقع السوري خصوصا، وله في الأمرين كثير من التوصيفات والتحليلات، تجسدت في كتب، كان بينها التطور اللامتكافئ، والمسألة الطائفية ومشكلة الأقليات، وبيان من أجل الديمقراطية، ثم الاختيار الديمقراطي في سورية، إضافة الى دراسات ومقالات نشرت، ومحاضرات وندوات جرت في الكثير من البلدان العربية والأجنبية. وشخص مثل برهان غليون من بين أهم العارفين بالوضع السوري، ومتابعته ومعرفته بالموضوع السوري تمتد إلى علاقاته وروابطه الإقليمية والدولية، وهو موضوع الحوار الذي تم معه بالتركيز أساسا على الداخل السوري.

أزمة تاريخية وعجز سوري

قال غليون ردا على سؤال يلخص المشهد العربي الراهن وموقع سورية فيه: "تعيش المنطقة العربية أزمة تاريخية شاملة نتيجة إخفاقها عموما في الاندراج في دورة الحضارة العالمية الحديثة وإخفاق مشروعات تحديثها المختلفة الاشتراكية منها والليبرالية التي طبقت في العقود الخمسة الماضية. وتتجلى هذه الأزمة في توقف عملية التنمية أو تراجع معدلاتها بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين وإفلاس السياسات الوطنية وانهيار صدقية وشرعية النظم السياسية القائمة وتفاقم الشعور عند السكان بالفراغ السياسي وبالافتقار للقيادة السياسية الحكيمة والقلق على المستقبل وتصاعد التوترات وتفجر النزاعات الداخلية والإقليمية. وتشكل سورية اليوم، بعد انهيار نظام صدام حسين في العراق، أحد أهم مواقع التهاب هذه الأزمة بأبعادها الداخلية التي تشير إلى تدهور شرعية النظام والثقة العامة بقدرته على مواجهة التحديات والمشكلات المطروحة على المجتمع، كذلك بأبعادها الخارجية التي تتجلى في اشتداد إرادة التدخل الخارجي في شئون البلاد بسبب تنامي المخاوف من مضاعفات هذه الأزمة المتفجرة وإسقاطاتها على المصالح الدولية والدول الصناعية خصوصا. وردا على سؤال بشأن طبيعة الأزمة السورية الحالية، قال غليون: "ان سورية هي البلد الوحيد الذي لم تسعفه الظروف، لا الداخلية ولا الخارجية، في قطع الخطوات الضرورية الأولى لوقف التهاب الأزمة أو الحد من تفاقم آثارها. بل بالعكس، لقد شهدت السنوات القليلة الماضية تفاقما كارثيا للازمة واشتداد مفاعيلها الداخلية والخارجية. والسبب الرئيسي في ذلك هو درجة الجمود والتكلس العالية التي اتسم بها النظام وافتقاره إلى المرونة. فبينما اختارت النظم العربية جميعا استراتيجية المناورة والالتفاف على عوامل الازمة ببعض الانفتاحات الداخلية والخارجية التي لم تكن ذات قيمة فعلية لكنها أعطت الأمل بتغيير تدريجي للأوضاع، اختار النظام السوري استراتيجية المواجهة على جميع الجبهات. وربما كان الدافع لهذا الاختيار الشعور المبالغ فيه بالقوة والسيطرة على الوضع الداخلي والإقليمي بشكل لا يمكن تهديده والرهان المستمر على أن النظام يملك من الأوراق الاستراتيجية ما يجعله بمنأى عن القبول بالتنازلات لأي طرف من الأطراف الداخلية والخارجية التي تستهدف إضعاف سيطرته أو مشاركته في القرار. ومما فاقم من آثار هذا الجمود غياب الفكر النقدي والكذب على النفس والتثبت على دروس الماضي والتمسك بالعقيدة الاستراتيجية القديمة التي مكنت النظام من انتزاع هامش مناورة كبير في الحقبة السابقة. هكذا استمر النظام ينام هانئا على فراش انتصاراته وتحالفاته السابقة حتى ظن فعلا أنه يملك أهلية المفاوضة مع الدول الكبرى كقوة عظمى في الوقت الذي كانت جميع أوراقه تتساقط واحدة بعد أخرى، نتيجة الفساد السياسي والإفلاس الاقتصادي وتآكل القوة العسكرية والاستراتيجية والقطيعة المتجذرة بين السلطة والمجتمع والعزلة الإقليمية المتنامية. وفي هذا الحال كان من الطبيعي أن تقود سياسات التهرب من الاستحقاقات الوطنية والدولية والافتقار إلى المرونة، واللجوء إلى المراوغة واستعراض القوة للتعويض عنها، بسرعة وسهولة إلى فخ أوقع البلاد في سلسلة من المهاوي التي أصبح من الصعب الخروج منها من دون تغيير جوهري في النظام وفي أسلوب قيادة السياسة الداخلية والخارجية.

إغلاق الباب على الإصلاح

وقال غليون: "لم يعد برنامج الإصلاح جزءا من أية أجندة، أعني لا جزءا من أولويات النظام ولا جزءا من أولويات الدول الغربية، وخصوصا الأوروبية، التي كانت تعتقد أن من مصلحتها دعم حركة إصلاح اقتصادي واجتماعي في البلاد في سياق تأمين الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي وخلق محيط سلمي من حوله. فلا يمكن لأي إصلاح ان يرى النور من دون شرطين رئيسيين، الأول وجود قيادة سياسية يكون بند الارتقاء بنوعية حياة السكان المادية والمعنوية في قائمة سلم أولوياتها، في حين أن النظام لا يملك اليوم في حال الحصار التي يعيشها سوى أجندة واحدة هي الدفاع عن النفس وتوجيه جميع الموارد للحفاظ على البقاء، بما في ذلك لمواجهة احتمالات تفجر الوضع الشعبي أو تصاعد قوة المعارضة. ولا يمكن لقيادة أن تجعل من الارتقاء بشروط حياة المجتمع في قمة أولوياتها إن لم تكن ممثلة للشعب مرتبطة به وواثقة من تعاونه وتأييده. وهو ما لم يمكن الوصول إليه من دون تجديد الاستشارة الشعبية من خلال انتخابات دورية ونزيهة وشفافة. والشرط الثاني التزام الدول الصناعية التي تسيطر على موارد المعرفة والخبرة التقنية ورأس المال والاستثمارات والأسواق معا، بدعم برنامج الإصلاح المحلي والمساعدة على إنجاحه. وينبغي القول إن وصول العلاقات إلى ما هي عليه من التوتر إن لم نقل القطيعة يعني أننا خسرنا معركة الإصلاح الآن.

ضعف المعارضة

ووصف غليون المعارضة السورية بانها "ضعيفة في الداخل والخارج معا"، وقال: "سبب هذا الضعف أنها لم تحظ بأي هامش من حرية الحركة والعمل خلال أكثر من أربعين عاما، على عكس ما جرى في معظم البلاد العربية الأخرى. فالمعارضة السورية غير معترف بها وتعتبر من وجهة النظر القانونية غير شرعية وتستطيع الحكومة في أية لحظة بحسب قانون الطوارئ المعمول به أن تعتقل أي ناشط سياسي بتهمة مخالفة القانون وتضعه في السجن. وهو ما جعل الشباب يبتعدون عنها وعن السياسة عموما ليوجهوا اهتماماتهم لأمور أخرى. أما المتحمسون منهم لأفكار إصلاحية فتصطادهم بسهولة الحركات السرية المتشددة التي توحي لهم بضمان الأمن من جهة والفاعلية من جهة ثانية. فمع تفاقم أزمة النظام في سياق التطورات الداخلية والإقليمية والدولية، وبروز عجز المعارضة الداخلية عن الرد على التحديات التي يفرزها تفكك السلطة وتخبط سياساتها بدأت تبرز في الخارج معارضات متعددة. وفي اعتقادي ان كثيرا من هذه المعارضات الجديدة الخارجية مختلق، الهدف منه حجز مقعد في ساحة السياسة السورية المقبلة أو صوغ أداة للضغط على النظام أو إضفاء الشرعية على التدخل الخارجي. السؤال: من سيقود عملية التغيير ويقوم بتوجيهها، هل هي قوى داخلية سورية أم قوى خارجية. إن وجود قطب معارضة وطني قوي هو وحده الذي يجعل التغيير لصالح الشعب السوري، أو على الأقل يضمن لهذا الشعب أن يشارك بقوة في تحديد طبيعة هذا التغيير وغاياته ويقطع الطريق على التدخل الخارجي أو يحد من احتمالاته.

سورية والدائرة الإقليمية والدولية

* ونوه غليون إلى ان مسار الإصلاح كان مطروحا على سورية داخليا ودوليا قبل اغتيال الحريري وقبل احتلال العراق "عندما كانت العلاقات فيه إيجابية جدا بين النظام نفسه والدول الكبرى التي تضغط اليوم عليه وفي مقدمتها فرنسا والولايات المتحدة. بل إنني أعتقد أن العنف الذي تظهره هذه الدول في الضغط المستمر اليوم من خيبة الأمل العميقة نتيجة العجز عن تحقيق ما كانت تتوقعه وتنتظره منه. وليس لطلب هذا التغيير علاقة كما تقول أجهزة النظام اليوم باستهداف مواقف سورية الوطنية سواء ما تعلق منها بحماية الحقوق السورية في الجولان أو في التعامل مع القضية الفلسطينية أو مع حزب الله. فقد كان هناك اعتقاد قوي لدى حكومات أوروبا وأميركا معا بأن النظام السوري يلعب دورا ايجابيا بوجوده في لبنان ويضمن الاستقرار على حدود "إسرائيل" الجنوبية جميعا كما أن من الممكن أيضا أن يكون له دور ايجابي في العراق". إن ما كانت تنتظره الولايات المتحدة وأوروبا خصوصا من التغيير منذ مطلع العام ،2000 هو أن يعيد النظام السوري بناء نفسه بما يسمح للغرب التعاون معه ودمجه في الدورة الاقتصادية وفي المعادلة الجيوسياسية الجديدة الشرق أوسطية. وأثار إخفاق النظام في التكيف مع الوضع الجديد وتمسكه بصيغته وسياساته القديمة المتسمة بالانغلاق وعدم الشفافية والتكور على النفس والشك بأي تغيير خيبة أمل عميقة لدى العواصم الغربية. وكان للاعتقالات والعقوبات غير المعقولة وغير المقبولة بأي معيار دولي للناشطين السياسيين والمدنيين أثر سلبي جدا على رصيد النظام الخارجي. اختلف الوضع تماما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والمظاهرات الشعبية الواسعة التي خرجت في لبنان تطالب بخروج الجيش السوري وبعد خروجه الفعلي، لم يعد أحد، لا في الولايات المتحدة ولا في أوروبا يشعر بمصلحة في إعادة الحوار أو الرهان على النظام، وذلك بصرف النظر حتى عما إذا كان مسئولا فعلا عن اغتيال الحريري ودعم قوات التمرد في العراق أم كان بعيدا عن ذلك. فالحصان الذي يقع ويكسر ساقه في ميدان السباق لا يعول أحد على شفائه ولا يراهن عليه.

سيناريو المستقبل

وردا على سؤال عن مستقبل سورية في ضوء التحديات الداخلية والضغوط الخارجية، قال غليون: "يعتقد الغربيون أن الضغط المستمر والمتواصل على النظام سيدفع في إطار العزلة والشكوك التي تحيط به وبمستقبله إلى عملية فرز من الداخل. ولا أستبعد أن يبذلوا أيضا جهودهم الخاصة للمساعدة على هذا الفرز. لكن ربما حاولوا أن يقوموا ببعض التحركات والتحرشات العسكرية للتشجيع على ذلك أو إقناع بعض الأطراف داخل النظام بضرورة الانفكاك عنه والعمل لتغييره". كما هو واضح، تستبعد هذه الفرضية أمرين: حصول انفجار شعبي يطيح بالنظام كما أطاحت به في بيروت التظاهرات العارمة التي أعقبت مقتل رفيق الحريري وإمكان المراهنة على المعارضة الداخلية والخارجية معا في سبيل إسقاط النظام من دون أن يعني ذلك استبعادها من الصورة. وهي تهدف إلى الحفاظ على نظام البعث الراهن الذي يبدو في نظر الغربيين الأكثر استجابة لأهداف الحفاظ على الاستقرار في سورية والمنطقة مع ضمان أن يعيد الفريق الحاكم الجديد هيكلة النظام ويحقق برنامج الإصلاح الذي أخفق العهد الراهن أو تردد في تحقيقه. والسؤال هل يمكن أن يتكرر العام 2005 ما حصل العام 1970؟ لا أحد يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال. ولا أحد يستطيع أن يؤكد ما إذا كان مثل هذا الفريق الاصلاحي الداخلي قادرا على التبلور والتحرك من داخل النظام، أو ما إذا كان الشعب السوري لايزال يملك من الديناميكية والحيوية ما يمكنه من أن يكون الفاعل الأول في هذا التغيير. وفي هذا الحال الأخير لن يمس التغيير السياسات فحسب ولكن بنية العلاقة التي تربط النظام - الدولة بالمجتمع والشعب عموما، وربما فتحت الطريق واسعا أمام بناء الديمقراطية السورية المنشودة

العدد 1122 - السبت 01 أكتوبر 2005م الموافق 27 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً