استضافت قناة "العربية" مساء الأربعاء قبل الماضي الكاتب والباحث البحريني سيدضياء الموسوي في برنامج "إضاءات". وقد حرصت ألا تفوتني فرصة مشاهدة البرنامج لأني من قراء سيدضياء في صحيفة "الوسط"، ولم يسبق لي أن شاهدته شخصيا، فكانت أيضا فرصة لمشاهدته. المحاور البارع والمتميز تركي الدخيل حاول كثيرا أن يزج بالسيد في زاوية حرجة بأسئلة ناقدة، ولكن ضيفه ظل مبتسما خلال البرنامج حتى نهايته، على رغم الانتقادات التي نقلها إليه المحاور عن لسان النقاد وبعضها تعدى النقد إلى الاتهام، وخصوصا ما ورد عن الصحافة السوداء التي وصفت بأنها عمامة تحت ظل حكومة، ومدى احتمال قيامه بنزعها مستقبلا وغير ذلك من الانتقادات ذات الصبغة السلبية البعيدة عن النقد البناء. تقبل ذلك سيدضياء بصدر واسع وعقلية راقية في تعاملها واستقبالها للرأى الآخر وكان ينهي كل جواب بابتسامة طيبة. من بين الموضوعات التي طرحها مقدم البرنامج موضوع المعارضة وكيف ابتعد عنها بعد أن كان من دعاتها في سنوات سابقة وأعتقد أن الكثير منا يتفق معه في إجابته بأن المعارضة من أجل المعارضة لا تأتي بثمار أو نتائج إيجابية، واقترح بديلا لها وهو المشاركة التي تتيح لنا فرصة الحوار والافصاح عن آرائنا ومناقشتها سعيا إلى التوصل إلى حلول لما نعانيه في مجتمعنا من أوضاع وقضايا تحتاج إلى تكاتفنا جميعا لمعالجتها. لماذا مقاطعة البرلمان بدلا من أن نأخذ حقنا في المشاركة فيه والمطالبة بالتغييرات التي تخدم المواطن والوطن، فالمجال مفتوح أمامنا كي نستخدم هذا الحق في التعبير عن مطالبنا؟ ولماذا لا نلتحق بالركب طوعا من دون ارغام أو إذعان، بل بحرية الرأي والكلمة؟ أكثر ما شد إعجابي في أسلوب سيدضياء هو تقبل النقد بابتسامة لم تتمكن براعة المحاور من إبعادها عن جو الحوار. وعندما طرح الدخيل موضوع زيارة سيدضياء لأحد القساوسة والنقد اللاذع الذي تلقاه بعد ذلك بشأن دخول العمامة إلى الكنيسة، وكان جوابه أن ذلك يهدف إلى مشاركة إيجابية من أجل أهداف سامية يكون لها واقع حسن وانطباع طيب عن ديننا، ربما يكون حافزا لذلك القسيس لأن يبني علاقة طيبة معنا كمسلمين، تساهم في تغيير بعض المفاهيم الخاطئة التي تبناها أتباع بعض الأديان الأخرى عن ديننا. وقد ذكرني هذا الموضوع بندوة دراسية شاركت فيها بكندا تتعلق بحماية البيئة وبالتحديد أخلاقيات البيئة "ENVIRONMENTAL ETHICS"وكان عددنا خمسة من المشاركين، وذلك في فترة ما بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ببضعة أسابيع. من بين زملائي ثلاثة من المسيحيين وطالب بوذي وأنا المسلم. طلبت الاستاذة من كل منا إعطاء الآخرين فكرة عن نظرة الدين الذي يعتنقه إلى مفهوم حماية البيئة، وبدأ الزميل البوذي بشرح الفلسفة اليوذية، وان بوذا كان يوصي أتباعه أثناء مشيهم بعدم الدوس على الديدان والحشرات لأن قتلها مخالف لحق الكائنات الحية بجميع أنواعها في العيش بسلام كالإنسان. فلسفة صعبة التطبيق، ولكنها أعطت انبطاعا طيبا. ثم أتى دوري وكان لدي كتاب لنائب رئيس أميركي سابق "آل غور" وهو من دعاة حماية البيئة، فقرأت عليهم ما كتب هذا الكاتب المسيحي عن نظرة الإسلام لهذا الموضوع، ومن بين ما ورد في كتابه أن النبى "ص" كان يوصي جنوده أثناء غزواته بعدم إلحاق الضرر بشجرة أو حيوان، ولاحظت على المشاركين معي علامات الاستغراب وربما الإعجاب بهذه النظرة لأخلاقيات التعامل مع البيئة مع بزوغ الإسلام. جاءت تلك الندوة في وقت ينظر فيه إلى الإسلام من قبل الكثير بعد 11 سبتمبر أنه دين يتبنى الإرهاب بدلا من المحبة والسلام. فكيف نغير هذا الانطباع إذا ما قدمنا للشعوب والأديان الأخرى انطباعا طيبا وقدوة يحتذى بها في التسامح والتعاون والمشاركة الإيجابية. زيارة سيدضياء للقسيس خطوة إيجابية ربما تقود الآخر للتفكير والتأمل في عظمة الإسلام وأخلاقيات الإنسان المسلم. قد تختلف وجهة نظر البعض مع آراء سيدضياء بشأن هذا الموضوع أو موضوع المعارضة وغير ذلك... ولكل إنسان طريقة في التفكير، ووجهات النظر المختلفة أمر وارد، ولكن بالنسبة إلى المصلحة العامة لا خير من اختلاف الآراء شريطة أن نتفق جميعا على أن الأهداف التي نصبو إلى تحقيقها والآراء باختلافاتها يجب أن تنصب في إطار ومسار واحد من أجل ما فيه الخير للوطن والمواطن
العدد 1120 - الخميس 29 سبتمبر 2005م الموافق 25 شعبان 1426هـ