على رغم مرور 5 أعوام على انتفاضة الأقصى التي اندلعت في 28 سبتمبر/ أيلول ،2000 وعلى رغم تنفيذ رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون خطة الفصل أحادية الجانب من قطاع غزة وشمال الضفة، فإن الاحتلال لم يرحل بعد، في الوقت الذي تتواصل فيه الاعتداءات الإسرائيلية العنصرية على كل ما هو فلسطيني. ولعل الإحصاءات غير قادرة على تحديد بوصلة تطرف وهمجية الاحتلال نظرا إلى تشعبه في السياسة والأمن وكل شيء، لكنها قد تشير بشكل ملموس، إلى الاستخدام الإسرائيلي المكثف لترسانته الحربية، وإدخاله كل ما يتصل بالقوة العسكرية لقمع ووأد الانتفاضة، التي ظلت مشتعلة طالما واصلت "إسرائيل" سياسة الإقصاء أحادية الجانب. المركز الصحافي الدولي الفلسطيني قال في تقرير له: لم تكن انتفاضة الأقصى وليدة موقف عبثي، بل كانت التعنتات الإسرائيلية في مفاوضات المرحلة النهائية هي التي دفعت باتجاه تفجر الانتفاضة. إزاء ذلك، دخلت حال الغليان الفلسطينية مرحلة انطلاقتها باندلاع انتفاضة الأقصى مع دخول شارون، مع زمرة كبيرة من حراسه وأعوانه الحرم القدسي الشريف، الذي دنسه بأكثر من 3 آلاف إسرائيلي متطرف. وأراد من دخوله الحرم التبشير بدخول حلبة السياسة الإسرائيلية تمهيدا للقفز إلى الهرم الحكومي الذي يسمح له بممارسة تطرفه المعهود. قبل اندلاع الانتفاضة الثانية بقليل، كان العام 1999 هو الموعد الرسمي لقيام الدولة الفلسطينية التي تأجل البحث في قيامها خلال كل المفاوضات السابقة وحتى كامب ديفيد، التي جرت في العام ،2000 إذ كان آنذاك الرئيس الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود باراك، يتفاوضان على رزمة من الملفات المتعثرة، تلك التي رفضها باراك جملة وتفصيلا، والمعروف بلاءاته الأربع التي تتصل بموقفه الرافض لقيام الدولة الفلسطينية من دون اتفاق، وينبغي أن تكون منزوعة الأسنان والأظافر، ولا عودة إلى حدود ،1967 ولا لعودة اللاجئين، والبديل توطينهم وتعويضهم، ولا لسيادة فلسطينية على القدس. وكان واضحا بعد مرور بضعة أشهر على انتفاضة الأقصى، تبدل المناخ السياسي الإسرائيلي وانتقاله إلى يد حزب الليكود الذي سيطر رئيسه شارون على زعامة الحكومة في انتخابات مبكرة جرت في 6 فبراير/ شباط .2001 وأمعن شارون في ضرب الفلسطينيين كما ضرب السلطة الوطنية ومقراتها، ولم يخرج أحد من دائرة استهدافاته، حتى أن البنية التحتية الفلسطينية نالها قسط كبير من الاعتداءات المتواصلة والمكثفة حتى اللحظة. ما ثبته شارون، هو حفاظه على كرسي الحكم، إذ أطلق العنان للاستعمار في الضفة، بين جملة من السياسات التعسفية، وكان في عهده عملية السور الواقي في 29 مارس/ آذار ،2002 وأراد من خلالها إرباك الفلسطينيين وجعلهم يستجيبون وينصاعون لخط السلام الذي ترسمه حكومته. وفي ذلك الوقت كان مهيأ للحكومة الإسرائيلية بسط قوتها على الفلسطينيين، بسبب تداعيات الحادي عشر من سبتمبر ،2001 وإصرار الولايات المتحدة على تعميم مصطلح "الإرهاب" على كل من لا يتناغم مع موقفها. ثم بدا وكأن السلطة الفلسطينية أدخلت في محور الشر الذي أعلنه الرئيس بوش آنذاك في 30 يناير/كانون الثاني ،2002 أي قبل شهرين من عملية السور الواقي التي بررتها واشنطن . في 26 يونيو ،2002 قدم بوش خطابه ورؤيته بشأن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، معلنا ولأول مرة قيام دولة فلسطينية مؤقتة إلى حين اكتمال نموها، لكن مع ربطها المسبق بضرورة تغيير في جوهر السياسة والنظام السياسي الفلسطيني، والشروع في إصلاحات فوقية وعامودية تطول جسم السلطة. قبل خطاب بوش بعشرة أيام، أي في 16 يونيو ،2002 كانت الجرافات الإسرائيلية تستعد لبناء جدار الفصل العنصري في الضفة، الذي كشف عنه شارون باعتباره سياجا أمنيا يتصل بمنع المقاومين الفلسطينيين من الانطلاق نحو أراضي "إسرائيل"، على حد قوله. شارون نفذ سياسته من دون الالتفات إلى السلطة الوطنية، فعمد إلى بناء الجدار العنصري في الضفة الذي يلتهم 58 في المئة من مساحتها الإجمالية، في حين أنه جدار يهدف إلى تقطيع الضفة جغرافيا وديمغرافيا، ويجعلها غير قادرة على التواصل الإنساني. ناهيك عن التهام مساحات واسعة من الضفة لصالح "إسرائيل". بعد الخطاب الأميركي، قدمت اللجنة الرباعية التي تضم روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة، في 17 يوليو/تموز ،2002 تصورا لحل القضية الفلسطينية عرف بخطة خريطة الطريق. وهي تعتبر الحلقة الأحدث في سلسلة المحاولات التي تسعى إليها عدة أطراف إقليمية ودولية للحد مما أسمته العنف في الأراضي الفلسطينية، بعد مرور أكثر من عامين على الانتفاضة، وشهدت أعوامها جولات دبلوماسية حثيثة، وتحركات دولية مكثفة أعقبت فشل قمة كامب ديفيد في ،2000 وما تلاها من انطلاق الانتفاضة الثانية، ومن ثم اجتماعات شرم الشيخ، التي فشلت في وضع حد للتدهور الأمني، وصولا إلى زيارة اللجنة التي ترأسها جورج ميتشل، وقدمت توصياتها إلى الأطراف المعنية بعد زيارة الأراضي الفلسطينية، أملا في وقف التدهور الأمني، لكنها لم تنجح في هدفها. فحوى خريطة الطريق تتعلق بثلاث مراحل، أولها تنطلق من أكتوبر/تشرين الأول 2002 إلى مايو/أيار ،2003 وتتصل بجملة من القضايا المتعلقة بوقف الاستعمار، وانسحاب جيش الاحتلال من المناطق التي احتلها منذ 28 سبتمبر ،2000 ووقف السلطة فوريا للانتفاضة ووقف التحريض ضد الاحتلال، وعودة التنسيق الأمني الفلسطيني - الإسرائيلي. المرحلة الثانية تبدأ من يونيو 2003 وحتى ديسمبر/كانون الأول ،2003 وتتحدث عن عقد مؤتمر دولي للبدء في المفاوضات بشأن احتمال إقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة حتى نهاية العام ،2003 والعودة إلى استئناف العلاقات بين العرب و"إسرائيل". المرحلة الثالثة يتراوح سقفها الزمني بين العام 2004 و،2005 فتقود إلى عقد مؤتمر دولي ثالث للتفاوض بين السلطة و"إسرائيل" بشأن الاتفاق الدائم والنهائي الذي يفترض أن ينجز في العام ،2005 ويتعلق بالحدود والقدس والمستعمرات. بالإضافة إلى إنشاء علاقات طبيعية بين العرب و"إسرائيل". لكن "إسرائيل" ظلت تدفع باتجاه إحداث تعديلات في الخطة، التي عدلت فعلا استجابة لمطالبها، والتي رأى فيها -الخطة - بعض الكتاب والمحللين السياسيين، اهتماما بالغا بنظرية الأمن على حساب التوصل إلى أي حل سياسي، كما ترويض المقاومة والتخلص من الانتفاضة، وتكريس إشكال اتفاق أوسلو، إذ تدعو الخطة إلى دولة فلسطينية مؤقتة غير محددة المساحة والحدود والسيادة، إضافة إلى أنها أرجأت التفاوض والحل لأعقد المسائل مثل القدس واللاجئين والمستعمرات. عمليا، رحب الفلسطينيون بالخطة مع بعض التحفظ بشأن استحداث منصب رئيس الوزراء في الحكومة الفلسطينية في البداية، والرضوخ لهذا المطلب في النهاية، لكن "إسرائيل" وافقت على مضض على الخطة، بعد أن قدمت 14 تحفظا عليها، ثم ما لبثت أن أعلنت رسميا موتها على لسان شارون في 5 سبتمبر .2004 في مطلع ابريل/نيسان ،2003 تشكلت حكومة فلسطينية جديدة برئاسة محمود عباس، استجابة لمطلب القيادة الفلسطينية. وتوصل وقتها إلى هدنة مع غالبية الفصائل الفلسطينية المعارضة في 29 يونيو ،2003 أملا في تطبيق خريطة الطريق. "إسرائيل" كانت معنية بتقويض واستنزاف عملية السلام حتى تصل إلى مرحلة الجمود ثم الانفجار، وشهدت تلك الفترة حالا من الترقب والحذر بين الطرفين يشوبها الامتعاض الإسرائيلي وعدم الرغبة في التنازل عن سقف الاستحقاقات المطلوبة منه إزاء عملية السلام. ومع استمرار العدوان على الاراضي الفلسطينية، باشرت الحكومة الإسرائيلية انتهاج سياسة الاغتيالات بشكل فظيع، إذ أقدمت على اغتيال عدد من قياديي حماس وأمعنت بنسف كل الجهود والوساطات الدولية لاستمرار عملية السلام، في الوقت الذي أوصلت فيه خطة خريطة الطريق إلى طريق مسدود. وفي سابقة خطيرة من نوعها، أقر مجلس الوزراء الإسرائيلي الأمني برئاسة شارون يوم 11 سبتمبر ،2003 قرارا يقضي بطرد الرئيس الراحل ياسر عرفات بالقوة من أرضه المحتلة، إلا أن "إسرائيل" لم تحصل على الضوء الأخضر من اميركا، وخصوصا أنها استفزت مشاعر الشعب الفلسطيني والكثير من الدول العربية والأوروبية، التي اعتبرت أن عرفات قائد منتخب من قبل شعبه. وكان وقتها أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 19 سبتمبر ،2003 مشروعا لقرار قدمته السودان ممثلة عن المجموعة العربية يطالب "إسرائيل" بالتوقف عن تهديدها الرئيس الراحل بالقتل أو الطرد. وأقر المشروع بدعم 133 دولة من بينها دول الاتحاد الأوروبي جميعها من أصل 191 دولة، مع رفض أربع دول، هي: "إسرائيل" والولايات المتحدة وجزر المارشال وجزر ميكرونيزيا، وامتناع 15 دولة عن التصويت، بعد إدخال تعديلات على المشروع، الذي طالب بوقف جميع أشكال ما أسماه "العنف والإرهاب"، والانتهاكات والاغتيالات والتحريض والتدمير. وأكد القرار دعمه لخطة "خريطة الطريق"، التي تطالب بخطوات ثنائية ومتوازية للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تقود لقيام دولتين "تعيشان جنبا إلى جنب" في سلام بحلول العام .2005 إزاء كل ذلك، لم تستطع حكومة عباس الصمود أمام الاعتداءات المتواصلة التي جعلته ينسحب من الحكومة، بسبب عدم الرغبة الإسرائيلية في الاستجابة لمتطلبات السلام في المنطقة. بعد ذلك، رأى شارون أنه ينبغي تنفيذ خطة جديدة لعدة اعتبارات، أولها التغطية على الفساد الذي ألم به وبعائلته، وثانيا تقديم خطوة حتى لو كانت صغيرة، استجابة للضغوطات الدولية، وخصوصا الأميركية، وثالثا للالتفاف على خريطة الطريق، التي اعتبرها شارون لا تنسجم مع مساعيه في بسط نفوذه في الضفة، كونها تتحدث عن جملة من القضايا وعلى رأسها تجميد الاستعمار. شارون قدم في نهاية ديسمبر ،2003 خطة فك الارتباط أحادية الجانب، وتقضي بالانسحاب من القطاع وشمال الضفة، أراد منها غرضا في نفسه، فإذ اعتبر خروجه من غزة مقدمة للسيطرة على الضفة وبسط النفوذ عليها، كما رأى أن فك الارتباط قد يؤدي إلى اختزا
العدد 1120 - الخميس 29 سبتمبر 2005م الموافق 25 شعبان 1426هـ