العدد 112 - الخميس 26 ديسمبر 2002م الموافق 21 شوال 1423هـ

مخاطر «الاستثناء الإسرائيلي»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الكذبة التي أطلقها ارييل شارون في مناسبة عيد الميلاد وطرحت معلومات غير مؤكدة عن احتمال إقدام نظام الرئيس صدام حسين على تهريب أو نقل سلاحه البيولوجي والكيماوي إلى سورية كررها في اليوم الثاني للعيد الناطق باسم وزارته.

الرد على الكذبة جاء من طرفين: الأول سورية التي نفت بشدة هذا الكلام مذكرة العالم بأن دمشق وقعت اتفاق نزع أسلحة الدمار الشامل بأنواعها (الكيماوي، البيولوجي، النووي) من المنطقة بينما «إسرائيل» رفضت التوقيع. وطالبت سورية الأمم المتحدة بفرض نظام تفتيش على «إسرائيل» ومعاملتها سواسية مع دول منطقة الشرق الأوسط من خلال مراقبة التصنيع العسكري الإسرائيلي، وتطويرها في هذا المضمار السلاح النووي.

الرد الثاني جاء من زعيم حزب العمل الإسرائيلي المعارض الذي اتهم شارون بافتعال زوبعة سياسية لشد انتباه الرأي العام إلى الخارج، وتخويف الناخب الإسرائيلي بإثارة الهاجس الأمني وتضخيم المخاوف والخطر الخارجي قبل أربعة أسابيع من موعد الانتخابات. وأشار زعيم حزب العمل في هذا الصدد إلى مسألة الفساد وتهرب شارون من فتح الملف الذي يطول رموز السلطة وكبار قادة تكتل الليكود.

الرد السوري على الكذبة ركز على الجانب الدولي ومسألة «الاستثناء الإسرائيلي» عن القاعدة ومعاملة «الدولة العبرية» بطريقة مختلفة، ومسايرة جنونها العسكري ورفضها للسلم وتحديها للقرارات الدولية ومخالفتها للقوانين والشرائع الإنسانية في تعاملها مع الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال. التركيز السوري على مسألة «الاستثناء الإسرائيلي» جاء في الوقت المناسب، إذ انه الرد الوحيد الذي يعيد طرح المشكلة من جذورها ويضع موضوع أسلحة الدمار الشامل برمته وبأنواعه ومن مختلف مصادره على طاولة البحث. فحين وقعت دول سورية ومصر وإيران الاتفاقات المتعلقة بشأن استيراد وتصنيع «أسلحة الدمار الشامل» حصلت على ضمانات أميركية - دولية بأن «إسرائيل» ستوقع وإلا نالت درجات من العقوبات، وفرضت عليها عزلة كما هو أمر العراق آنذاك. الدول الثلاث وقعت ورفضت «إسرائيل» ولاتزال ترفض التوقيع منذ عشر سنوات... وحتى الآن لم تطالبها الأمم المتحدة بالسير في الاتجاه الصحيح ولم تفرض عليها العقوبات الدولية، كذلك لم تبادر الولايات المتحدة إلى فرض عزلة عليها حتى تستجيب للإرادة الدولية والقرارات المشتركة التي تشمل مختلف المجموعات الاقليمية.

حصل العكس تماما. «إسرائيل» رفضت التوقيع والدول العربية وإيران ومعظم الدول الإسلامية وقعت مقابل وعود وضمانات... وكانت النتيجة ان الوعود والضمانات تحولت إلى مزيد من الدعم لـ «إسرائيل». الولايات المتحدة مثلا أسهمت ماليا وتقنيا في تطوير منظومة صواريخ الدولة العبرية المضادة للصواريخ، وألمانيا مثلا صنعت غواصة نووية خاصة من نوع (دولفين) وقدمت منها ثلاث نسخ هدية لـ «تل أبيب» بذريعة الاعتذار عن موقفها من حرب الخليج الثانية (1990-1991) وعدم مشاركتها في التحالف الدولي ضد العراق.

الرد الإسرائيلي على الكذبة ركز على الجانب الداخلي من المسألة ولم يرَ فيها سوى محاولة لكسب الناخب في معركة يبدو فيها ان الليكود هو الرابح في مواجهة منافسه حزب العمل. إلا ان رد حزب العمل على ضعفه وسذاجته له فائدة، لأنه يكشف أمام الرأي العام ودول القرار ومجلس الأمن بعض خفايا الكذبة. فشارون أراد من وراء إطلاق معلومات غير مؤكدة عن موضوع تهريب السلاح العراقي إلى سورية كسب ثقة الناخب بعد ان تزعزعت بسبب تضخم ملف الفساد والسرقات التي تورط فيها الليكود وحكومته.

هذه نصف الحقيقة. أما النصف الآخر فهو ان حزب العمل أراد من تركيزه على الجانب الداخلي تغييب المسألة الأهم والأخطر وهي «الاستثناء الإسرائيلي» من القاعدة الدولية. فحزب العمل في النهاية يطمح إلى رئاسة الحكومة وكسب الغالبية البرلمانية في «الكنيست». وهذا يعني انه إذا حصل على هذا الأمر - وهو احتمال ضعيف - عليه ان يجيب عن الأسئلة الكبيرة: هل هو مستعد للتوقيع على الاتفاقات الدولية المتعلقة بشأن أسلحة الدمار الشامل، أم انه سيلجأ إلى الكذب والاحتيال... على طريقة شارون وربعه في الليكود؟

تركيز حزب العمل على الجانب الداخلي من الكذبة نقطة جيدة، إلا انها ليست كافية. المطلوب فتح الملف في كل جوانبه وأوراقه... وهذا المطلب هو مهمة إنسانية أولا ودولية ثانيا وأميركية ثالثا. فمن الناحية القانونية (والاخلاق الدولية) لم يعد من الجائز معاملة «إسرائيل» معاملة خاصة واستثنائية وخصوصا حين تقع مثل تلك الخصوصية تحت طائلة مسئولية مجرم حرب وكذّاب... من أمثال شارون.

الخطر على المنطقة ليس من سلاح الدمار الذي يقال إن صدام يملكه بل من ذاك «الاستثناء» الذي يعطي «إسرائيل» ما لا تستحقه ويحرّم على الدول العربية ما تستحقه من الحد الأدنى من الاحترام

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 112 - الخميس 26 ديسمبر 2002م الموافق 21 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً