العدد 112 - الخميس 26 ديسمبر 2002م الموافق 21 شوال 1423هـ

المضاد الحيوي الأميركي والفقاعة... القنبلة

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لنتفق (عبثا) على أن الولايات المتحدة تسعى جادة إلى حقن منطقة الشرق الأوسط وأنظمته الشمولية بمضاد حيوي يقيم للديمقراطية وجودها ونماذجها على الطريقة الأميركية، ما يجنبها الاحتقانات والترصد لسفاراتها ومواطنيها ومنشآتها الحيوية. ما الوسيلة للقبض على الشريان (المناسب) الذي سينفذ من خلاله المضاد الحيوي الأميركي؟

حتى هذه اللحظة المضطربة بالسياسات والمواقف الأميركية والحشود المتتالية إلى المنطقة وتصريحات أركان البيت الأبيض، تشير إلى أن الرجل القابع في البيت الأبيض لا يقل موهبة عن أي دكتاتور افريقي أو شرق أوسطي. (يبدو أن العالم الثالث استطاع أن يحقن أميركا بمصل مضاد للديمقراطية بعد ضربة 11 سبتمبر/أيلول).

تُرى ما شكل وملامح المولود المراد استنساخه في منطقة الشرق الأوسط إذا كانت الذهنية الكامنة وراءه تحمل هذا الكم الهائل من الهوس والاستعداء والاستفزاز لإرث وتاريخ المنطقة المراد جعلها (حديقة) ملحقة بـ (الجنة) الأميركية؟

طوال التاريخ الأميركي، وتعاقب رؤسائه على البيت الأبيض، لم يعرف العالم حكومة حرب (لترتيب أوضاع العالم على طريقتها الخاصة) من خلال خراب ودمار وفوضى ستجتاحه بتلك السياسات، كما هو الحال مع حكومة (الجنرال) جورج بوش.

التصريح الأخير لبوش، المتعلق بعدم استبعاده استخدام السلاح النووي، يعد سابقة في التاريخ الأميركي الحديث، اذا ما استثنينا كارثة هيروشيما وناغازاكي، والظروف والملابسات التي أدت إلى استخدام ذلك السلاح المدمر، من دون أن نقلل من حجم كارثة مركز التجارة العالمي.

نعود لنسأل... ما الذي سيكون عليه شكل المنطقة المراد اختبار المضاد الحيوي الأميركي من خلالها، بعد دمار شبه شامل يمكن أن يعصف بالجزء الأعظم منه ولسنوات طويلة، إضافة إلى انهيار اقتصاداته؟ فأية ديمقراطية يمكن لها أن تنشأ في ظل انعدام الموارد وانهيار البنى التحتية، إضافة إلى استفحال ذهنيات العداء المركّز الذي يملك مبرراته بعد الكارثة؟.

وعلى افتراض أن الولايات المتحدة إنما تلوح فقط باستخدام السلاح النووي لخلخلة الوضع النفسي (المنهار اساسا) للحكومة العسكرية في بغداد، باعتباره واحدا من الاسلحة الفاعلة في هكذا ظروف، إلا ان الممارسة على الارض في عدد من الدول لا توحي البتة بأن الولايات المتحدة يعنيها من قريب أو بعيد انقاذ إنسان هذا الجزء من العالم من كابوس انظمة ظلت جاثمة على صدره لعقود من الزمن وبمباركة وتمويل اميركي صرف.

فمن افغانستان التي أصبحت (تركيا) اخرى في صورة مؤسلمة، وتُعد لدور بعيد المدى قد لا يقل اهمية وفاعلية عن الدور التركي... إلى الانتهاك السافر في اليمن على طريقة الكاوبوي ولكن في صورته الالكترونية، مرورا بما لا يقل سفورا في اندونيسيا والفلبين، وليس انتهاء بوصفة وزارة الخارجية الاميركية الجاهزة والمتعلقة بالدول والمنظمات المتهمة بممارسة الارهاب أو تمويله، عدا عن خلط اوراق العلاقات وضرب اسفين في منطقة الخليج العربي، وليس آخر تلك الاسافين الفشل الذريع الذي منيت به قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية... فشلها فشلا ذريعا لم يُعرف في ظل توترات على اكثر من جبهة وبين اكثر من دولة خليجية.

المتابع لأكثر الكتّاب تأثيرا في القرار الاميركي في الصحف الاميركية الكبرى، يصل إلى قناعة مفادها ان ترتيب اوضاع المنطقة ضمن الشرط والوصفة الاميركية يعني العودة به إلى (المربع المؤجل) لمزيد من اختبار السياسات والوصفات والحقن وابتزاز الممسكين بمقدراته، ما يعني إعادة تأكيد والتزام الانظمة التي ظلت وفية ومتعاطية مع الهوس الاميركي، بل تجاوزت ذلك (الانظمة) في مواقف سافرة بفتح الاجواء للتقنية الاميركية لمطاردة فلول الجماعات التي عمدت (لخلخلة الأمن الداخلي في دولها لتتفرغ بعد ذلك لخلخلة أمن المواقع التي تمتُ بصلة بالادارة الاميركية... بحسب التوصيف الجاهز) ولن يكون اليمن آخر النماذج. لذلك يكتب ريتشارد براين في الـ (واشنطن بوست) الآتي: «إذا ما ظلت الولايات المتحدة متأرجحة بين اولويات متوهمة، ودور وواجبات عليها الاضطلاع بهما في بؤر لها اولوياتها في المواجهة (مواجهة اميركا)... فإن الحشود التي تدفع بها إلى تلك البؤر قد تعود معظمها في توابيت تذكرنا بلوثة الرئيس نيكسون ورهانه الخاسر في فيتنام... وربما لا يحدث ذلك بعد عام أو عامين ولكن الضحايا يظلون يتذكرون ملامح جلاديهم وإن بعد حين».

خلاصة القول... ان الوصفة الاميركية والمضاد الحيوي المزعوم لا يعدوان كونهما (فقاعة) اختبار وليس (بالونا)... سيؤدي إلى مزيد من العصف السياسي والعسكري في المنطقة، فما يغيب عن بال السياسة الاميركية ان تلك الفقاعة يمكن لها ان تتحول إلى قنبلة موقوتة ستعصف بوصفتها و(مضادها الحيوي الديمقراطي)

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 112 - الخميس 26 ديسمبر 2002م الموافق 21 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً